رواية/الملعونة

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
الفصل الثامن عشر



استلقى عماد على سريره ، كيف ينام وهو يفكر بالغد وما سيحمله من أنباء سارة بكل تأكيد ، فغدا تظهر نتائج امتحانات كاميليا . النتائج التي انتظرها منذ أربع سنوات لتكون إشارة مرور لدخوله دنيا السعادة التي سيعيشها معها . تقلب على فراشه وهو يتذكر كيف كان يتقلب تلك الليلة قبل أربع سنوات خلت .

سنوات طويلة وقصيرة في الوقت ذاته ، أحس بطولها عندما كان يعيشها يوما بيوم ، وأحسها قصيرة وهو يتذكرها الآن بعد أن مضت ، وبرغم من أن السنوات جعلت عمره واحد وثلاثون عاما إلا أنه فرح بمرورها . أغمض عينيه في ظلام غرفته وهو يبتسم ويحدث نفسه مسرورا ، فمنزله جاهز الآن وأنهى تأثيثه بالكامل بمعاونة كاميليا التي يأخذ رأيها ويستشيرها بكل شيء بقيت غرفة النوم فهو يريدها أن تكون من اختيار صاحبتها لذا سيشتريها بعد أن تتم خطوبتهما .

منزله المميز بالذوق الإيطالي في الأثاث والديكور ، أعجب كل من رآه والجميع ينتظر أن يعرف هوية العروس التي تنعم بالعيش فيه . المنزل بناه على شكل بنائين جانبيين تتخللهما حديقة داخلية .

في الجانب الأول الصالة الكبيرة المفتوحة على المطبخ الخشبي الأنيق ، وبأحد أركانها طاولة طعام صغيرة لأربعة أشخاص وأحد الجدران مغطى بالمرايا ، وركن فرنسي خاص وضع به مجسم برج إيفل وبعض التحف التي اشتراها من باريس ، ومجلس كبير يطل على مائدة طعام على قدر عال من الفخامة . وغرفة استقبال خاصة وحميمة أعدها بديكور تراثي القديم بدا واضحا في السقف الخشبي وصبغ الجدار والأثاث .

كما أن سقف الصالة مرتفع والمزين بلوحات رسمها فنان إيطالي يضيف الفخامة على المنزل . وفي الجانب الأخير للصالة إطلالة جميلة على الحديقة الداخلية بواسطة بوابة زجاجية كبيرة مغطاة بستائر مخملية بيضاء مزينة . كانت الحديقة جميلة وبها بركة سباحة على جانبها أحواض سيملؤها لاحقا بالورد وطاولات خشبية مظللة ، وتغطي الحديقة قبة كبيرة مفرعة بشكل هندسي بديع لتدخل منها أشعة الشمس . على يسار الحديقة توجد البوابة الزجاجية ذاتها بستائر داكنة تطل على غرف النوم الخمس وغرفة المكتب في جهة القلب كما تقول كاميليا . في الخارج غرفة السائق والحارس وبوابة حديدية كبيرة.

ذهب للشركة صباحا وظل يفكر بكاميليا أثناء عمله وهو ينتظر اتصالها ويطمأن قلبه . غمره الفرح عندما رن هاتفه وجاءه صوت كاميليا منتشيا وفرحا ، قالت له بدلال :
- لقد عدت للتو إلى المنزل والحمد الله نجحت في كل المواد .. تخرجت ولم يبقى سوى..
وقبل أن تكمل قاطعها والابتسامة تزين وجهه :
- ولم يبقى سوى الزواج يا بعد روحي .
ضحكت وقالت بأنها تقصد سنة الامتياز الباقية لها قبل نيلها وثيقة التخرج ، وستقضي هذه السنة في مجمع الملك فهد العسكري . هنأها ودعا الله أن يوفقها ، وسكت للحظة ثم أردف منتشيا :
- اليوم سأخبر أمي بأني مستعد للزواج .. فهي تلح علي كثيرا .
تظاهرت بالغيرة وسألته :
- وبمن تريد تزويجك ؟
- لاحظت تلمحيها نحو ابنة عمتي ريم .. لكني أخبرتها بأني من سيختار العروس وأنت اختياري .
طلبت منه أن لا يخبر أمه بأمر علاقتها فهي لا تريدها أن تسيء التفكير بها حتى بعد زواجهما . مرر أصابعه في شعره ووافقها على ما طلبت أرادت أن تنهي المكالمة لأنها ستنام قليلا وبعدها ستذهب إلى الخبر لشراء قماش فستان الذي ستخيطه لحفل زفاف أمل. قالت له ممازحة :
- يجب أن أبدو بغاية الجمال فربما تراني إحداهن وتعجب بي وتخطبني لابنها .

عاد عماد إلى المنزل مبكرا ووجد والديه جالسان في الصالة يتحدثان وهما يشربان الشاي . جلس بقربهما ووجهه يشع بالسعادة ، والحب والرضا يسكنان سواد عينيه ، قالت له أمه بابتسامة :
- نجحت نسرين في جميع المواد وستبدأ سنة الامتياز بعد شهر .. حتى ولو كان تخصصها مختبرات طبية إلا إني سعيدة بتخرجها وسأقيم لها حفلة .
ضحك الوالد وقال لابنه :
- الحمد الله .. تقبلت أمك الأمر أخيرا .
لوت سميرة فمها وطلبت من زوجها أن يسكت فهي مازالت تحمله مسئولية عدم التحاق نسرين بكلية الطب . ضحك عماد وطلب منهما أن لا يتشاجرا فهو يحمل لهما خبر سعيدا . سألته أمه بلهفة عن الخبر فأجابها بابتسامة ووجهه بدأ يحمر :
- سأتزوج .
صرخت سميرة بقوة :
- قلّ لي بأنك جاد .. أنا لست مصدقة .. الحمد الله الذي هدّاك واستجاب لدعواتي .
أبتسم الأب وقال لابنه مشجعا :
- الحمد الله وقرارك صائب .. لكن أنا لدي ما أقوله أيضا .
سكت عماد لكن أمه سألت زوجها بلا مبالاة :
- وماذا تريد ؟
زم الأب شفتيه وطلب من ابنه أن يسافر إلى دبي للمشاركة في مشروع استثماري كبير . سأل عماد والده عن موعد السفر فأخبره بأنه حجز له في الطائرة المسافرة في التاسعة مساء اليوم .
نهض حسن ودعا ابنه للذهاب معه إلى المكتب ليشرح له بقية الأمور وقال لزوجته مبتسما :
-لا تخافي سنتحدث في أمر زواجه بعد عودته .

جهزت سميرة حقيبة ابنها ، وبعد صلاة المغرب ودعته وهي تدعو له بالتوفيق والسعادة تغمرها لأنه جاء من بنفسه ليخبرها برغبته بالزواج . وبسرعة أمسكت بسماعة واتصلت بندى لتخبرها بالأمر ، وما أن وصل عماد إلى مطار دبي حتى عرف جميع العائلة بالأمر .

وصل إلى بهو الفندق برج العرب الشامخ بكبرياء في مياه الخليج ، وحجز له غرفة مريحة خاصة برجال الأعمال تطل على البحر بمنظر خلاب للغاية . شرب كوبا من الماء البارد وعاود الاتصال بكاميليا التي اتصل بها قبل إقلاع الطائرة ولم تجبه فأرسل لها رسالة نصية يخبرها بضرورة الاتصال به . تناول عشاءه في مطعم الأكلات البحرية في الطابق الثاني من البرج ، وعاد بسرعة لغرفته . استلقى على سريره ينتظر اتصال كاميليا بشوق وعندما انتصف الليل اتصلت به وأخبرته بأنها ذهبت إلى السوق مع أخته وابنة عمه ومن ثم ذهبن لمنزل والديه وتناولت العشاء مع أمه وعادت لتوها إلى منزلها . فرح فعلاقة كاميليا بأمه جيدة منذ الآن وستكون مميزة جدا بعد أن يتزوجها . أخبرها بأنه سيبقى في دبي لثلاثة أيام ، وهو يشتاق لها كثيرا . ظلت تتحدث معه حتى أخبرها بضرورة نومه ليستيقظ مبكرا ويذهب إلى مقر الشركة .

استلقت على سريرها واطفأت الأنوار وأغمضت عينيها . تهيأ لها بأنها تسمع عماد يقول لها ( حبيبتي .. بعد أن أعود من دبي سأتقدم لخطبتك مباشرة وسنتزوج بأسرع وقت ممكن .. سنكون معا لمدى الحياة ) . لم تكن تعرف إذا ما كانت صاحية وتسمع صوته حقا أو نائمة تحلم به . نامت أكثر كلماته الرقيقة المفعمة بشوق مشتعل في قلبه منذ أربع سنوات ، نامت والأحلام الوردية تحاصرها وتأخذ معه إلى دنيا السعادة والحب والفرح . استيقظت عصرا وعلامات الراحة على وجهها . نظرت لنفسها في المرآه ووجدت الابتسامة مرسومة على شفتيها والحب يظهر في عينيها العسليتين وتخشى أن يفضحا أمرها أمام والديها . نزلت لتناول الطعام وجلست في المطبخ . سكبت المكرونة بالدجاج والسلطة الخضراء في صحنها مع شذى همسا ، وجاءتهما هديل مقاطعة تطلب أوراق النعناع للعم عبد العزيز الذي يريد إضافتها إلى الشاي . تأففت كاميليا وقالت :
- أرى أن زياراته كثيرة وأوامره كثيرة أيضا .

أعطتها شذى صحنا به أوراق النعناع الطازجة ، وأكملت كاميليا طعامها وقلبها يخفق بطريقة غربية لم تعرف سببها . بعد مدة جاءت هديل مرة أخرى تطلب منها الذهاب لوالدها في المجلس ، تعجبت وتساءلت ماذا يريد منها الآن استيقظت من النوم لتوها . حذرتها شذى من التأخر عن والدها وإلا سيغضب وسيحدث لهن مشكلة هن في غنى عنها . ذهبت تطرق الباب وهي تقدم رجل وتأخر أخرى ودخلت عندما أذن لها والدها .سلمت على عمها وقبلت رأسه وجلست بجانب والدها الذي قال لها مبتسما بأن عمها يريد تهنئتها بنجاحها . أحست براحة وأخذت نفسا عميقا ولكنها شعرت بقلبها سيتوقف ووالدها ينهي حديثه :
- وجاء اليوم يطلبك زوجة لناصر وأنا موافق واتفقنا على عقد القرآن بعد أسبوع وموعد الزواج بعد ثلاثة أشهر .
ظلت كاميليا ساكتة لا تقوى على فعل شيء ، لا الكلام أو الرفض أو الاعتراض أو الانتفاض إذا لزم الأمر . لم تكن قادرة على التنفس ووالدها يتكلم وكأن كل شيء قد انتهى . بدا نفسها سريعا ومضطربا والدم ينسحب تدريجيا من وجهها ووالدها يسألها والابتسامة لا تفارق وجهه :
- هل لكِ شروط ؟.. أو شيء تودين قوله .
بلعت ريقها وهي تنظر لأبيها متجاهلة نظرات عمها ، قالت بصوت خرج من حنجرتها بصعوبة :
- لست موافقة على الزواج من ناصر .
خرجت عينين والدها من محجرهما وتغيرت سحنة وجهه لدرجة أنها توقعت أن يقف ويصفعها ويهفو عليها باللكمات والضربات لكنه ظل صامتا ومندهشا ، بينما قال العم بلهجة ساخرة :
- ولماذا ترفضين ؟
ردت وصورة عماد في عينيها بأن ناصر يكبرها بخمسة عشر عاما وسبق له الزواج مرتين كم أنها لا تشعر بأي توافق بينهما . شعرت بقلبها ينقبض بقوة فأطرقت رأسها ساكتة والدها يقول لعمها متجاهلا إياها :
-لا عليك منها يا أخي .. كاميليا صغيرة ولا تفقه شيئا في هذه الحياة . بدأت الدموع تتجمع في عينيها وكررت لوالدها بأنها غير موافقة .
فما كان منه إلا أن مسك بيدها بقوة وصرخ بها :
- ستتزوجين من ناصر وانتهى الأمر .. لقد دللتك كثيرا ولكن الزواج ليس مزحة .. تزوجي من رجل كناصر ..أم أنك تريدين الزواج من يحف حواجبه ويصبغ شفتيه بالحمرة ..وأبن عمك أولى وأحق بك.

توجهت كاميليا لغرفتها وتبعتها شذى ، راحت تبكي وتصرخ بقوة رافضة الزواج من ناصر ، وجاءت أمها على أثر صوتها .أخبرتها والدموع تغرق عينيها وجهها بما حصل فطلبت منها أن تهدأ وذهبت لزوجها . دخلت المجلس وجهها خال من أي تعبير ، وقالت لزوجها بهدوء :
- أخبرتني كاميليا بأنك تريد تزوجها من ناصر .
عبس وجهه وقال لها بحدة :
- نعم .. وسنعقد القران بعد أسبوع .. والزواج بعد ثلاثة أشهر لأن ناصر أشترى منزلا جاهزا وسيبدأ بتأثيثه وبعدها يتزوجان مباشرة ..أنا لا أحب فترة الخطوبة طويلة .
أخبرته برفض كاميليا الزواج من ناصر فهو يكبرها بكثير وسبق له الزواج. ظل العم عبد العزيز يرمقها بنظرات حادة وهو صامت ، لكن زوجها قال بحدة :
- ناصر جامعي ويحمل شهادة الماجستير وهو ابن عمها أولا وأخيرا ولن تتزوج بغيره مادمت حيا .. ناصر سيصونها وسيحافظ عليها وهو أولى من الغريب .

أخرج من جيبه مظروفا به مهر ابنته وأعطاها إياه وطلب منها أن تذهب مع كاميليا إلى الأسواق لشراء ما تحتاجه . بلعت ريقها وهي ترى عزمه على إتمام الزواج خرجت من المجلس وظلت تنتظر خروج العم عبد العزيز لتتكلم مع زوجها الذي أجتمع بها مع ابنته التي جاءت وأثار البكاء على وجهها وهي تلهث بقوة . جلست بالقرب من والدتها بصمت ، فطلب منها والدها الاستعداد للزواج بعد ثلاثة أشهر . أحست بأن جرعة من الشجاعة والجرأة دخلت إلى قلبها وقالت لوالدها بأنها لا تريد المهر ولن تتزوج رغما عنها . صرخ الأب بقوة وقال :
- من قال بأني لن أرغمك ..أنا مستعد لذبحك إن لزم الأمر لتوافقي على الزواج من ناصر .
تدخلت الأم وقالت لزوجها :
- ما نفع الزواج إذا لم يحصل قبول بين الطرفين .. لا تكن عنيدا يا أحمد .
طلب منها أن تسكت ولا تتدخل بينه وبين ابنته ، فقالت :
- هي ابنتي أيضا ولن أسمح لأحد بتزويجها رغما عنها .. لسنا في الجاهلية .
أمسك أحمد بشعر زوجته وشده بقوة وقال لها وأوداجه منتفخة :
- كلمة أخرى في هذا الموضوع وأطلقك ..لن أسمح لأحد أن يخرب علاقتي بأخي الذي رباني بعد وفاة والدي .. أدخلني شريكا معه في المؤسسة التي كونها هو ولم أكن أملك فلسا .. ومن أجله أنا قادر على نحركما كما تنحر الخراف .

ظلت كاميليا صاحية حتى الفجر تبكي في غرفتها ولا تملك حلا غير البكاء والنحيب وهي تفكر بقرار تزويجها الإجباري بناصر ، كانت تبكي بنحيب موجع وحرقة كلما أتصل بها عماد ولم تجبه . لم تكن تعرف ماذا تقول له وهي تسترجع كلماته البارحة ، كم كان متشوقا لليوم الذي يجتمع فيه شملهما ويتزوجان . أقفلت هاتفها وعينيها تحرقها من البكاء وهي تفكر بطريقة تقنع فيها والدها ، وعندما لم تهتدِ لحل ظلت تبكي حتى نامت من التعب . نامت وعماد في دبي قلق عليها وشعور غريب يراوده ، أحس بالضيق كلما أتصل بها ولم تجبه . تعب من التفكير والأفكار تأخذه إلى كل الاتجاهات ، تمنى لو كان قريبا منها فربما يشعر بها وبما يزعجها ، كان بعيدا بناره المشتعلة في صدره والقلق والخوف وصورة كاميليا في ذلك الحلم الذي يتكرر في منامه جاءت أمام عينيه لتقلقه أكثر.


__________________
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
الفصل التاسع عشر



"

الفصل 19.

ثﻼ‌ثة أيام مرت ببطء شديد وصعوبة حاول عماد خﻼ‌لها إنهاء ما طلبه منه والده ليعود سريعا إلى القطيف . ركبت الطائرة وهو يفكر بكاميليا ، وعن السبب الذي يجعلها تتجاهل اتصاﻻ‌ته وﻻ‌ تريد عليه وهي التي لم تفعلها خﻼ‌ل أربع سنوات . ما الذي يمنعها من الرد عليه ولو برسالة تشرح فيها ظروفها . أﻻ‌ تشعر بالخوف والقلق الذي يعتمل في قلبه ويكويه وهو يشعر بأنه بعيد مكبل اليدين واللسان .لم يعهدها يوما جافية ،هو الذي ﻻ‌ يستطيع الذهاب إليها وﻻ‌ يستطيع السؤال عنها عند أخته على اﻷ‌قل . هي حنونة ورقيقة وعاطفية ولكن ما الذي يمنعها من اﻹ‌جابة .

مساء الثﻼ‌ثاء هبطت الطائرة في مطار الدمام في الساعة السابعة أنهى بسرعة إجراءات الجوازات والجمرك وركب سيارته التي تركها في مواقف المطار الخاصة ، وأتجه بسرعة جنونية نحو منزل كاميليا في حي الخامسة ودقات قلبه تزيد من توتره . أوقف سيارته أمام البيت المقابل لبيتها وظل يراقب الحركة الساكنة في الحي الهادئ . أخرج هاتفه من جيبه وأتصل بها ولم تجبه ، فكتب لها رسالة نصية ( أنا واقف أمام البيت اﻵ‌ن وسأنتظرك لعشر دقائق .. وإذا لم تتصلي بي سأسأل عندك لدى أي شخص يفتح لي الباب وليحصل ما يحصل ) . ظل ينتظر في سيارته وعينيه على هاتفه حتى اتصلت به ، وسألته بنبرة حزينة :
- متى عدت من دبي ؟
بلع ريقه وأجابها :
- لقد جئت من المطار لمنزلك مباشرة .
وأكمل يعاتبها :
- لماذا ﻻ‌ تجيبين عليّ ؟..أنا قلق عليك حبيبتي بطريقة ﻻ‌ يمكنك تصورها وﻻ‌ اﻹ‌حساس بها ﻷ‌نك لو شعرت بما أشعر به لما تركتني هكذا .
جاءه صوت بكائها حارا حزينا ويائسا ، قال لها :
- تكلمي بحق الله يا كاميليا .. ما الذي حصل ولماذا تبكين ؟.. هل حصل مكروه ﻷ‌حد أفراد عائلتك ..
ظلت تبكي للحظات ثم قالت له بصوت متقطع :
- تقدم لخطبتي ابن عمي ناصر والدي سيجبرني على الزواج به .. ومنذ ثﻼ‌ثة أيام وأنا حائرة وﻻ‌ أعرف كيف أتصرف .. لم أعرف كيف أواجهك وﻻ‌ أعرف ماذا أفعل .
انخرطت في البكاء وعماد ساكت من أثر الصدمة فهذا ما لم يفكر به ولم يحسب حسابه أبدا . طلب منها أن تهدأ وقال لها :
- دعيني أتقدم لخطبتك وأخبري والدك برغبتك بالزواج مني .
ترجته أن ﻻ‌ يخبر والدها بأنه يعرفها أو رأها في حياته وأﻻ‌ يزيد اﻷ‌مور تعقيدا . غضب من كﻼ‌مها فكل ما يهمها أن ﻻ‌ يعلم أحد بعﻼ‌قتهما . قال لها بحدة :
- ﻻ‌ تخافي فلن أخبره .. ولن أبقى مكتوف اليدين .. أنا اﻵ‌ن سأنزل من السيارة وأطلبك للزواج .
ترجل من سيارته وهو يحس بألم يعتصر قلبه ، وأفكاره مشتتة ومشى بخطوات بطيئة وهو يفكر بكاميليا وبكائها الذي قطع نياط قلبه . دق جرس الباب وفتح له السائق وطلب أن يقابل سيده . وقف في الحديقة ينتظر وكاميليا تراقبه من نافذة غرفتها وبعد دقائق قليلة استقبله والدها بمﻼ‌مح وجهه القاسية . أدخله في مجلس الرجال وهو متوتر ﻻ‌ يعرف كيف يبدأ بالحديث ، لكن والد كاميليا استأذنه وعاد يجر عربة التقديم المحملة بالشاي والفاكهة وسكب له كوبا من الشاي وساد الصمت . بلع عماد ريقه والد كاميليا ينظر إليه بدهشة فقرر البدء بالحديث . قال وهو يضع كوب الشاي على الطاولة القريبة منه :
- في البداية أود أن أعرفك بنفسي .. أنا عماد الغانم .. عمري واحد وثﻼ‌ثين سنة وأعمل في إدارة شركة والدي الخاصة .
أبتسم والد كاميليا وهو يهز رأسه وقال :
- نعم .. عرفتك وعرفت والدك .. كما أن لعائلتي صداقة قوية بعائلتك .
سكت عماد فعاد والد كاميليا بالترحيب به وسأله بم يستطيع مساعدته فتنفس يعمق وقال :
- في الحقيقة أنا .. جئت طالبا الزواج من كريمتك .
رفع والد كاميليا حاجبيه باستغراب وسأله :
- ولماذا جئت وحدك ؟
بلع ريقه واخذ نفسا عميقا وقال كاذبا :
- والدي وعائلتي على علم بالموضوع وأنا جئت بنفسي ﻷ‌طلب يدها وإن شاء الله سيأتي والدي وعائلتي كلها إذا سمحت بذلك وحددت لهم موعدا .
حدق به وسأله عن أي واحدة من ابنتيه يتحدث ، فقال له بأنه يريد الزواج بكاميليا وأبدى استعداده ﻷ‌ي شيء . رطب شفتيه وهو ينتظر رد والدها الذي قال :
- يؤسفني أن أخبرك بأن ابنتي كاميليا مخطوبة ﻻ‌بن عمها وستتزوج بعد مدة ..لقد جئت متأخرا .. سلم على والدك كثيرا .

أحس عماد بأن الزيارة انتهت وعليه أن يذهب فوالدها لم يدع له فرصة . ركب سيارته متجها إلى منزل والديه الذي وجده خاليا . دخل غرفته واﻷ‌لم يعتصر قلبه واليأس هو ما يشعر به ، ظل يفكر مستنكرا ما حدث وﻻ‌ يعرف ماذا يفعل . أبهذه البساطة تتبخر اﻷ‌حﻼ‌م ويذهب الحب ، أبهذه السهولة تسرق كاميليا من بين يديه وهو ﻻ‌ يستطيع فعل شيء ؟، بعد أن انتظرها أربع سنوات . أين النصيب وفلسفته ، وأخرجه اتصال كاميليا من أفكاره وتشتته ، قال لها بألم :
- والدك يقول بأني جئت متأخرا .. لماذا لم تدعيني أتقدم لخطبتك قبل أربع سنوات ؟
قالت موضحة :
- ﻷ‌نه رفض خطبتي لناصر وقتها متعذرا بإنهاء دارستي الجامعية .
أطلق آهة حزينة وقال بأسف :
- ما كان يجب عليّ إطاعتك .. لو خطبتك منذ البداية ﻷ‌ختلف اﻷ‌مر .
وبسرعة أجابته:
- حتى ولم تقدمت لخطبتي وقتها فسيرفض ﻷ‌نه مقتنع بناصر .
تنهد بعمق وقال :
- أنت ﻻ‌ تشعرين بما يجول في قلبي .. أشعر بأني سأنهار .. المنزل الذي بنيته من أجلك جاهز .. حتى المجسم الذي اشتريته لبرج إيفل وضعته في صالة المنزل كما اتفقنا .
سكت للحظة ثم طلب منها أن تقنع والدها بأي وسيلة . راحت تبكي وقالت له :
- كيف أتصرف وهم سيعقدون قراننا في اﻷ‌سبوع المقبل .. عليك أن تساعدني .
******.
ظل عماد في غرفته بلونها اﻷ‌صفر الكئيب لم يبرح مكانه منذ أن انتهى الحديث بينه وبين كاميليا . بقي على نفس الوضع مستلقيا على سريره يحدق في سقف الغرفة وفكره محصور بها وبالحل المناسب الذي يبحث عنه . أحس بأن السعادة التي يشعر بها منذ تعرفه إليها اختفت فجأة . وللحظة طرأ سؤال غريب على تفكيره . لماذا أصرت كاميليا على منعه من التقدم لخطبتها قبل أربع سنوات ؟ وطلبت منه مرارا كتمان عﻼ‌قتهما حتى على أخته وابنة عمه وهما صديقتيها المقربتين ؟.

فكر بعمق في الموضوع ، وتساءل في نفسه .. هل كانت تتسلى معه ومن ثم تتزوج بابن عمها . ربما كانت لعوبا كغيرها وتعرف بأن عﻼ‌قتهما ستنتهي يوما ما كبقية عﻼ‌قات العبث في البلد . أغمض عينيه وقلبه ينفي أن تكون الفتاة التي أحبها عابثة ولعوب بهذه الطريقة وهو الذي أحبها بصدق ربما ينذر وجوده . تأرجح بين قلبه ومشاعره وبين عقله وأفكاره ، وكيف يخلص نفسه من هذا الوسواس الذي بدأ ينخر في عقله ؟.. حاول إبعاد الفكرة وخلع مﻼ‌بسه وأستحم بالماء الفاتر وأطفأ أنوار غرفته واستلقى على سريره وذاكرته تبحث عن دليل يدين حبيبته . ﻷ‌ول مرة ومنذ توفي عﻼ‌ء شعر بأن قلبه يبكي وأن دموعا مخفية تريد أن تخرج من عينيه . وجاءت نسرين مع أمه إلى غرفته حالما رأتا سيارته خارجا وأخبرتهما الخادمة بقدومه . كلمته أمه بهدوء وهو ساكت يغطي وجهه بلحافه ويتظاهر بالنوم وسمعها وهي تقول بأنها ستتحدث معه صباحا .

مرت ساعات الفجر الواحدة تلو اﻷ‌خر وهو مازال على سريره ويفكر بكاميليا وبالمنزل الذي بناه من أجلها . اﻷ‌لوان ونوعية اﻷ‌ثاث ومخطط البيت وموديﻼ‌ت الستائر ولون الرخام والخشب المستخدم . كلها ساهمت في اختيارها أحس بأنه سيختنق وهو يفكر بحلمه الذي يحتضر ويديه مكبلتين وحبيبته ﻻ‌ تجد حﻼ‌ غير البكاء إن كانت صادقة أصﻼ‌ .
طرأت بباله فكرة تساعده في كشف حقيقة عاطفتها ، سيخبرها ويرى كيف تكون ردة فعلها وكيف تتصرف . جاءت أمه من جديد واقتربت منه تدعوه للنهوض والذهاب للشركة فالساعة تشير إلى السادسة صباحا . نهض وهو يشعر بصداع في رأسه ﻷ‌نه قضى الليل يفكر ويتذكر . ارتدى مﻼ‌بسه ودﻻ‌ﻻ‌ت المزاج السيئ واضحة على وجهه . جلس مع والديه وهو يضع يده على جبينه من شدة اﻷ‌لم ، وطلب من والدته دواء مسكنا فأحضرت له قرصين مسكنين ابتلعهما بسرعة وتناول قطعة كعك بصمت . سألته أمه :
- هل أنهيت ما طلبه منك والدك في دبي .
أومأ إيجابا بوجهه المتجهم وأخرج اﻷ‌وراق الخاصة بالمشروع من حقيبته وأعطاهم ﻷ‌بيه الذي شكره ونهض مستعدا للخروج فسألته أمه بقلق :
- ألم تنم جيدا .. تبدو وكأنك مريض .
- ﻻ‌ داع للقلق .. مجرد صداع.

ودع والديه وخرج متجها إلى الشركة وبدأ العمل رغم أفكاره المشوشة والقلق من المجهول يعصر قلبه بيدين قويتين . ظل يعمل حتى أخرجه اتصال كاميليا به من دائرة العمل ، وﻷ‌ول مرة شعر بأنه ﻻ‌ يريد اﻹ‌جابة عليها وﻻ‌ يريد أن يسمع صوتها المخادع لكنه أجاب . سمع صوتها المحبب إلى نفسه ، الصوت الذي جذبه إليها وكأنه مسحور وشعر بأنه أسير ضعيف لها ولصوتها . قال لها بحزن بدا في نبرة صوته :
- لم أنم البارحة .. أشعر بأني سأفقدك .
فاجأها كﻼ‌مه فقالت له :
- هل استسلمت بهذه السرعة وأنا المقتنعة بأنك ستحارب من أجلي ؟.. ﻻ‌ تخيب ظني بك .
قال بغضب :
- ماذا أستطيع أن أفعل ؟.. هل تريدني أن أقتل ابن عمك لنتخلص منه ونرتاح ؟..أعطني أمرا بذلك وسأفعل ..المهم أن تثبتي لي بأنك صادقة ولم تتﻼ‌عبي بي طيلة هذه السنوات .
أجابته باستنكار :
- وكيف تفكر بأنني أتﻼ‌عب بك .. ﻻ‌ بد أنك فقدت عقلك لتفكر بهذا اﻷ‌مر ..أنا أحبك يا مجنون وأنت ..
سكتت ولم تتم عبارتها ، فسادت لحظات الصمت قطعه عماد عندما طلب منها دليﻼ‌ يثبت له بأنها صادقة وما أن أنهى كﻼ‌مه حتى قالت له وهي تبكي :
- ماذا تريد مني أن أفعل ؟..أنا لم أغادر غرفتي منذ ثﻼ‌ثة أيام .. ولم أتحدث مع والدي وﻻ‌ أكل شيئا .. حتى نسرين وأمل جاءتا لزيارتي البارحة ولم تصدقان بأنني بهذه الهيئة .. أبدو كمريضة ..
سألها بسخرية :
- هل عرفت نسرين وأمل بنبأ زواجك السعيد ؟
تنهدت وقالت له :
- عماد أنا مستعدة للموت على أﻻ‌ تشك بي ولو للحظة فأنت تظلمني .
بدأت تبكي بحرقة فقال لها بغصة :
- صارحي والدك بأمر عﻼ‌قتنا واخبريه بما بيننا وبأنك تعلمين بأنني تقدمت لخطبتك وتريدين الزواج بي وأنا مستعد لمقابلته مرة ثانية وثالثة .
رفضت وفضلت الموت على أن تخبر والدها بأنها تعرف شابا وتحبه وتريد الزواج به فلن يتسامح بهذا اﻷ‌مر وقد يقتلها . تنهد عماد وقال بألم حاول إخفاءه بالتظاهر بالقوة :
- لن أتمسك بك وأنتِ ﻻ‌ تريدين المجازفة أبدا .. لقد سلمت أمري للبعد والفراق وأنتِ ﻻ‌ تعذبي نفسك تزوجي بابن عمك وحاولي أن تكوني سعيدة .
قالت له وهي تشعر بخيبة من انسحابه :
- ﻻ‌ تكن متخاذﻻ‌ ..أنا ﻻ‌ أستطيع أن أنساك وأعيش سعيدة مع غيرك ..
تنهد بقوة وأحس وكأن روحه ستخرج من جسمه وقال لها :
- أنا إنسان متصالح مع نفسي وقلبي بريء كأحﻼ‌مي .. ومتأكد بأن الدنيا ستقف بصفي يوما ما وستمنحني السعادة التي أبحث عنها .. وأطلب منك عدم اﻻ‌تصال بي ..أتمنى لك السعادة في حياتك وبعيدا عني .
بكت بألم وتمنت أن يكون ما تمر به حلم مزعج وستستيقظ منه قالت له بيأس :
- هل ستتخلى عني ؟..أين وعودك ..أين كﻼ‌مك ؟
صرخ فيها بصوت مرتفع :
- وماذا أفعل لك ؟.. كوني شجاعة وأخبري والدك بعﻼ‌قتنا .
تأففت وقالت له محذرة :
- ﻻ‌ ترفع صوتك في وجهي .. والدي لن يقبل باﻷ‌مر وسيؤذيني وربما يؤذيك أيضا ..أنا أعرفه جيدا وهو متشدد في هذه اﻷ‌مور..و..
قاطعها بنفاذ صبر :
- أنا مشغول اﻵ‌ن .. إذا أخبرت والدك باﻷ‌مر أتصلي بي ..إلى اللقاء .

أغلق الهاتف وأسند رأسه إلى المكتب وهو يشعر بمرارة ما بعدها مرارة ، أحس بالضعف والدمعة الكئيبة ترقص بألم في زوايا قلبه . أحس بأن الدنيا تدور وتضحك عليه وهو ﻻ‌ يستطيع إيقافها ، وبأن قلبه ﻻ‌ يتحمل صدها هي التي تنكرت له قبﻼ‌ . كان دائما يفكر بأن الدنيا تسرق منه السعادة وكأن ثأرا بينهما ، وها هي اليوم تسرق منه السعادة التي شعر بها منذ تعرفه إلى كاميليا .

"
 
التعديل الأخير:

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
الفصل العشرون




"غسلت كاميليا وجهها وهي تفكر بعماد الذي لم يتصل بها منذ خمسة أيام وهي لم تتصل به أيضا فهي ﻻ‌ تريد أن تذل نفسها أمام من تحب .
بدأت تجفف وجهها المتعب وعينيها المرهقتين من السهر والبكاء .وضعت كريما رقيقا على جفنيها ، ولبست خاتمها الياقوتي بيدها وهي تتذكره يوم جاء ووضعه على باب منزلها فجرا مع باقة ورود بيضاء . خلعت الخاتم من أصبعها وقبلته بحب وأعادته إلى مكانه في خنصرها .سألته عن عماد ، ماذا يفعل وكيف يعيش خمسة أيام دون أن يسمع صوتها ،لكن الياقوت بقي صامتا . ظلت تتأمل وجهها في المرآة وهي تتذكر كﻼ‌م عماد وغزله بها ، كان مفتونا بها واﻵ‌ن يهجرها .
جاءت شذى ممسكة بصينية بها طبق من السلطة وكوبا من اللبن، ووضعتهما على المكتب وقالت ﻷ‌ختها :
-أرجوك يا أختي .. ﻻ‌ تعاقبي نفسك بهذه الطريقة.. تناولي طعامك فأنت منذ أسبوع تعيشين على الماء والتفاح وهذا ﻻ‌ يجوز .
جلست على سريرها وتنهدت قائلة :
-ﻻ‌ أشعر بالرغبة في اﻷ‌كل ..أكلت قهر..
- أف .. قطع الحب وسنينه.
قالت ﻷ‌ختها وهي تشرب اللبن :.
-لست مصدقة بأن خمسة أيام مرت ولم أسمع فيها صوت عماد .. عمادي الذي أحببته تخلى عني بسهولة وتركني .
اقتربت منها شذى وطلبت منها أن تنساه وتخفف على نفسها ، فتنهدت بغصة وهي تشعر بأنها هشة و ضعيفة بعدما تخلى عنها . مازال حبه يوجع قلبها بعدما أدار ظهره لها ولم يترك سوى عينيه السوداويين لتزيد من عذابها . هبت بسرعة لهاتفها الجوال عندما رن فربما يكون عماد هو المتصل ، ولكنها شعرت بالخيبة سريعا ﻷ‌ن نسرين هي المتصلة تدعوها للخروج والذهاب إلى السوق ومن ثم تناول العشاء في أحد المطاعم . اعتذرت منها ودعتها بدﻻ‌ من ذلك إلى زيارتها بصحبة أمل ، وقامت لتغير مﻼ‌بسها وتستعد لقدوم صديقتها .

جاءت نسرين لوحدها ﻷ‌ن أمل ذهبت إلى السوق مع أمها ، ولم تستطيعا إبعاد مجرى الحديث عن الموضوع المهم وهو زواج كاميليا التي قالت :
-والدي يجبرني على الزواج بالزفت ناصر بﻼ‌ أي احترام لي أو لرأيي....والمشكلة بأني أمقته .. أنا اﻵ‌ن أنتظر حكم اﻹ‌عدام .. وﻻ‌ أعرف متى سيصدره القاضي .
كانت نسرين جادة عندما قالت:
-تبا لهذا الوضع وهذا التخلف الذي نعيشه .. كيف تتزوج فتاة رغما عنها .. أين حقوق اﻹ‌نسان وحقوق المرأة الضائعة.
طرأت ببال نسرين فكرة فاقترحت على كاميليا أن توسط أحد أقاربها للتفاهم معه لكنها قالت لها بأن أخوالها يكنون الجبيل ماعدا سعيد وهو على خﻼ‌ف معه.
ابتسمت نسرين وسألت صديقتها هل يوجد حبيب من حيرتها ويعزز رفضها ﻻ‌بن عمها ، وحاصرتها قائلة :
-أنت تبدين عاشقة وترفضين اﻻ‌عتراف . إلى متى ستنكرين وعينيك تقول ذلك ؟.. اعترفي وبﻼ‌ نحاسة.
تنهدت كاميليا بألم اثبت لنسرين شكها ، وقالت وهي تغالب دموعها:
-ﻻ‌ وجود لهذا الحبيب .. يوجد فارس أحﻼ‌مي الذي أحبه منذ وﻻ‌دتي وشعوري بأني أنثى تبحث عن نصفها اﻷ‌خر في هذه الحياة .. وهو ليس ناصر بالتأكيد..

قضت نسرين وقتا مع صديقتها واستطاعت أن تخفف عنها قليﻼ‌ ، ثم عادت إلى منزلها كانت أمها جالسة مع عماد يتحدثان بصوت منخفض في أحد أركان الصالة الواسعة . اقتربت منهما وتنبهت لوجه أخيها العابس وأمه تتحدث معه عن ريم ، فقاطعتها بمرح وسألتهما عم يتحدثان .
سكت عماد بينما أجابت أمها بتذمر :
-عن القضية اﻷ‌زلية ذاتها .. زواج عماد .. أنا أفكر برفعها إلى اﻷ‌مم المتحدة فربما يساعدني "كوفي عنان "
ضغط عماد على شفتيه وهو يستشعر سخرية أمه التي عرضت عليه أن تتحدث مع عمته بشأن ريم، فتأفف ونهض متجها لغرفته تاركا أمه تتذمر من تصرفاته، وتقول ﻻ‌بنتها:
-منذ أن عاد من دبي وهو بمزاج سيء وﻻ‌ يتجمل الحديث معي .. في اليوم الذي سافر فيه أخبرني وسعادة الدنيا كلها تشع من عينيه بأنه يريد الزواج .. ﻻ‌ أعرف ما به وهو يقلقني كثيرا .. سأقوم ﻷ‌بخره باللبان والحرمل ..

أومأت نسرين موافقة وقالت :
- بات يحيرني أيضا ..أمس جاء ماجد لزيارته وتهرب من لقاءه وطلب مني أن أقول له بأنه نائم.
تنهدت اﻷ‌م وسألت ابنتها عن كاميليا إذا ما سيزوجها والدها من ابن عمها رغما عنها . هزت نسرين برأسها وقالت :
-سيعقد قرانها خﻼ‌ل أيام .. المسكينة بدت متعبة وشاحبة فهي تحبس نفسها في غرفتها ﻻ‌ تخرج وﻻ‌ تأكل وبدون فائدة.
-يؤسفني زواجها بهذه الطريقة .. ولكن ﻻ‌ شيء بيدنا وربما تسعد مع ابن عمها ..
وأكملت مستدركة تخبر ابنتها بأنهم سيذهبون إلى البحرين من أجل التسوق قبل زفاف أما وسيبيتون هناك ليلة واحدة .
صعدت نسرين لغرفتها وبدلت مﻼ‌بسها ثم ذهبت لتتحدث مع عماد علها تخفف من توتره . وجدته على سريره يشاهد برنامجا في التلفزيون لكنه أغلقه حالما دخلت أخته وجلست بجانبه.
سألته بابتسامة :.
-أﻻ‌ تستمع لفيروز ؟
لم ينطق بحرف فأردفت تخبره بأنهم سيذهبون إلى البحرين ودعته للذهاب معهم ، لكنه لوى فمه وقال لها بأنه ﻻ‌ يريد الذهاب ﻷ‌ي مكان.يريد البقاء وحده لمراجعة حساباته وإعادة النظر في مسار حياته . سألته:
-هل أنت منزعج من أمي ؟.
هز رأسه نافيا فقد تعود على كﻼ‌مها وعلى سخريتها . تنهد بقوة وأحست بأن وراء تنهيدته هم كبيرة ، فأمسكت بيده بعطف وطلبت منه أن يفتح لها قلبه فهما أصدقاء برغم الفارق في السن . كانت تنظر إلى وجهه وهي تتحدث ورأته وهو يغمض عينيه السوداويين للحظات وعندما فتحهما رأت الدموع الحارة تغلفهما . أخرج من صدره آهات حزينة . عانقته وهو يقول بأنه عاجز عن فتح قلبه لها . قالت له بتفهم كبير :.
-عندما تشعر بأنك بحاجة للحديث والبوح عما تخفيه في قلبك .. ﻻ‌ تتردد فقلبي يتسع دائما..
شكرها وتنهد بحيرة فهو غارق في بحر ﻻ‌ يعرف فيه شاطئ وﻻ‌ مرسى وﻻ‌ يعرف بدايته أو نهايته . خرجت نسرين تاركة أخاها لوحدته ولتفكيره المحصور بكاميليا ، تارة يتذكارها وهي في السيارة وعينيه تسترقان النظر لها عبر المرآة . يتذكر أحاديثها وضحكاتها وعينيها والكحل اﻷ‌سود وحجابها الملون وهي تمشي في شوارع باريس بمﻼ‌بسها اﻷ‌نيقة تذكر تلك القبلة الوحيدة في منتصف ليل باريس عندما أهداها ورورد الكاميليا وكم أحبها.
****.

ظلت كاميليا جالسة في غرفتها وتتحدث مع شذى في جو هادئ نسبيا حتى جاءت أمها بابتسامة مصطنعه ، تخبرها بأن قرانها سيعقد غدا. هزت رأسها والدموع تتدفق من عينيها :
-ﻻ‌ أريده .. ساعديني يا أمي ..
بلغت اﻷ‌م ريقها والدموع تنحدر من عينيها فزوجها هددها بالطﻼ‌ق لو تدخلت . قالت ﻻ‌بنتها بانكسار :
-أرى رضوخك أمرا ﻻ‌ مفر منه .
بكت كاميليا بحرقة كبيرة على صدر أمها وهي ترى كل أحﻼ‌مها تتكسر أمام رغبات والدها وعناده وتسلطه وجوره . بكت أكثر وهي تفكر بحياتها مستقبﻼ‌ وحب عماد يغفي في قلبها بكل هناء وراحة . ظلت تبكي وهي تفكر باﻻ‌ستسﻼ‌م تارة وبالتمرد على والدها والرفض تارة أخرى . بكت بنجيب وهي تتذكر كلمات عماد اﻷ‌خيرة عندما طلب منها اﻻ‌تصال به فقط عندما تخبر والدها بأمر عﻼ‌قتهما . ومن بين الدموع والبكاء ورياح اليأس التي تعصف بها طرأت ببالها فكرة قد تنقدها من هذا الزواج اﻹ‌جباري ، ولكن عواقب هذه الفكرة وخيمة ونتيجتها غير مضمونة.أسرعت تقفل باب غرفتها بالمفتاح وأمسكت بهاتفها الجوال للتحدث مع عماد الذي لم يرد على اتصاﻻ‌تها المتكررة ، وبسرعة كتبت له رسالة نصية وأرسلتها ، تخبره بأنها تريد الحديث معه ﻷ‌مر هام . ظلت حتى شروق الشمس وهي تترجى اتصاله بدون جدوى . نامت على مخدتها المبللة بالدموع واستيقظت ظهرا وشذى تطرق بابها المغلق وقد جلبت معها وجبة خفيفة لتأكلها . فتحت لها الباب وعينيها متورمين من البكاء، وبسرعة طلبت منها الدخول . رن هاتفها الجوال فهبت له مسرعة فربما حن عماد عليها وقرر اﻻ‌تصال ، إﻻ‌ أن ظنونها خابت مجددا كانت نسرين هي المتصلة تخبرها بذهابها مع والديها إلى البحرين عصرا وتسألها إذا ما كانت تريد أن تشتري لها شيئا من هناك ، شكرتها فﻼ‌ مزاج لها ﻷ‌ي شيء ، ونهضت لقفل الباب بالمفتاح وقالت ﻷ‌ختها :
- منذ البارح وأنا أفكر بطريقة ما لمنع هذا الزواج البائس .. وﻷ‌ني أحتاج مساعدة عماد اتصلت به مرارا ولم يرد علي .. سأذهب إليه في منزله وأتحدث معه ..
عضت شذى شفتها وقالت :
- ﻻ‌بد أنك جننت .. لقد فقدت عقلك بكل تأكيد لتفكيرك بالذهاب لمنزله ..
أخبرت أختها بأن نسرين ووالديها سيذهبون إلى البحرين بعد ساعة وعماد سيعود في الخامسة إلى المنزل كالمعتاد وستذهب لتعرض فكرتها عليه ..
حذرتها شذى وطلبت منها أن تتعقل فلو عرف والدهما سيذبحهما معا كدجاجتين وينتف ريشها ، ولكن كاميليا مستعدة لكل شيء فقالت ﻷ‌ختها :
- كيف سيعرف ؟ ..أنا سأتحدث مع عماد وأنت أبقي في السيارة ﻻ‌نتظاري.

ترددت شذى لكنها لم تشأ أن تدع أختها تذهب له وحدها . بسرعة استأذنت كاميليا وشذى أمهما في الخروج لزيارة أمل لبعض الوقت للترفية عن نفسيهما . ركبت كاميليا السيارة وطلبت من السائق التوجه إلى منزل نسرين واتصلت بها لتتأكد من ذهابها إلى البحرين مع والديها ، واطمأنت لسير خطتها بالطريقة الصحيحة . أحست برعشة وكأنها تتركب جريمة وخائفة أن يراها أحد وقلبها ينبض بقوة ظنت أن جميع سكان القطيف يسمعونه . كانت خائفة وهي تفكر بعماد وكيف سيستقبلها ، وهل سيوافق على فكرتها الرهيبة . أوقف السائق السيارة أمام المدخل الرئيسي . بقيت شذى تنتظر أختها بخوف ووجل وترجلت كاميليا وهي تحس برجليها ستتجمدان ودقات قلبها العنيفة تزعجها . بيد مرتعشة ضغطت على جرس الباب واﻷ‌فكار تزيد من توترها . ظلت تنتظر للحظات ولم يجبها أحد ، فضربت الجرس مرة أخرى وقلبها يكاد أن يتوقف ، وبعد لحظات فتح الباب ورأت عماد أمامها . نزعت نظارتها الشمسية والتقت عينيها بعينيه المندهشتين والمشتاقتين لها ، كان الحب والشوق ظاهر في سواد عينيه وﻻ‌ يستطيع إخفاءه مهما فعل . بلع ريقه وقال لها برقة وكأن شيئا لم يكدر صفوهما أبدا :
- لماذا أنت هنا يا كميليا .. نسرين غير موجودة .
هزت رأسها وهي تتلفت خلفها وقالت له :
- أعلم بأن عائلتك في البحرين .. ولكني أريد التحدث معك بأمر هام ولهذا اتصلت بك ..وﻷ‌نك لم تجبني اضطررت للقدوم ..
وأكملت تعاتبه :
- لماذا تعاقبني بهذه القسوة وكأنني مذنبة ؟.. أنا ﻻ‌ أستطيع فعل شيء وعليك أن تصدقني .. وجئت ﻷ‌برهن ذلك.
دخلت كاميليا داخل المنزل ووقفت قرب الباب المفتوح على مصراعيه وقالت له بأن قرانها سيعقد غدا ولديها حل مناسب ووحيد لمنع إتمام هذا الزواج ، وطلبت مساعدته ، سكتت للحظة وهي تراقب عينيه السوداويين وهما تتفحصان وجهها بشوق ، وقالت لها :
- أنا متعبة وأشعر بأني على حافة الجنون..
بلع ريقه وسألها عن الحل الذي جاءت من أجله ، فأغمضت عينيها للحظات وقالت له :
- سأذهب إلى منزل خالي سعيد وسأبقى لثﻼ‌ثة أيام حيث والدي ﻻ‌ يستطيع أن يفكر بوجدي هناك فهما على خﻼ‌ف كما تعلم .. بينما أخبره ﻻ‌حقا بأنني كنت معك في أي مكان .. سأوهمه بأني هربت معك وبعدها سنتزوج رغما عنه ..
ظل عماد ساكتا للحظات وعينيه ستخرجان من محجرهما من شدة اندهاشه من فكرة كاميليا الجهنمية ، قال لها بهدوء :.
- كيف تفكرين بهذا الحل ؟ .. نهرب معا لثﻼ‌ثة أيام .. تخيلي الفضيحة وما سيحصل ..
حاولت إقناعه بفكرتها :
- نحن سنوهمهم بذلك والله شاهد علينا .. وبعد الزواج نخبرهم بالحقيقة .
ارتفع صوته قليﻼ‌ :
- لن يصدقنا أحد وقتها .. والدك سيقتلك حتما .. كما أن أمي سترفض زواجي بك.
قال جملته وبتعد عنها . جلس على أول مقعد صادفه وأسند رأسه على يديه . شعر بالحيرة ويريدها فهو يحبها ويريدها زوجة له ولكن ليس بهذه الطريقة ، قال لها :
- إن اﻷ‌مر ليس سهﻼ‌ كما تتصورين ونحن ﻻ‌ نستطيع تقدير عواقب.
شعرت كاميليا بالخيبة مجددا وقالت له والدموع تنحدر من عينيها :
- أنا فتاة من أسرة محترمة وسأضحي بسمعتي ومستعدة لكل ما سيحدث .. وأنت رجل وتخاف من الفضيحة !؟
سكت لثوان قليلة وأردفت :.
- غدا يعقد قراني .. كيف يطاوعك قلبك على التخلي عني ؟ .. وعدتني بأن نكون معا.
أقترب منها كثيرا وعينيه تتفحصان وجهها الجميل رغم التعب . تذكرت ما حدث في باريس والسعادة التي كانت تشعر بها ، وتنهدت وهو يمد يده ويضعها على جانب رأسها . أحس برغبة كبيرة في تقبيلها ولم يفعل ، قال لها :.
- أرغب بأن نكون معا .. ولكن ليس بهذه الطريقة..
بكت أكثر وابتعدت عنه ، فقال لها بنبرة حادة وعينيه السوداويين تصوب سهماها نحوها :.
- ﻻ‌ تبك أمامي فموافقتي مستحيلة ..
استدار وهو يفرك جبينه وقال :.
- أرجوك أذهبي إلى منزلك .ز لو كنت تريدني حقا لسمحتي لي بالتقدم لخطبتك قبل أن يصبح اﻷ‌مر بهذا السوء .. لو تقدمت لخطبتك قبل أربع سنوات مرة واثنتين وثﻼ‌ث لوافق والدك وكان كل شيء مختلفا ..
مسحت دموعها بغضب وطلبت منه أن يفكر في اﻷ‌مر مرة أخرى ، لكنه هز رأسه بالنفي رافضا ذلك وقال:
- أنا أرفض هذه الحلول وﻻ‌ أقبل بها .. لست نذﻻ‌ ..

أرادت أن تسأله عن القسوة التي ظهرت في عينيه فجأة ، ممن أخذها وكيف يستطيع أن يعاملها بهذه الطريقة . لم تستطيع أن تقول له ذلك فأبعدت شفتيها عن بعضها وتنهدت بسكوت ، فصرخ فيها بقوة :
- أخرجي .. ﻻ‌ أريد أن أراك مرة أخرى ..أرفض أن أكون لعبة تسليتي بها أربع سنوات وترين اﻻ‌ستمرار بالحفاظ عليها لتتسلي أكثر ..
أحست بأنها ستختنق بدموعها وتمنت لو أن اﻷ‌رض تنشق وتبتلعها على أن تعيش هذا الموقف . قالت له بنظرة أسى :.
- عماد ..أنت تخطئ في حقي .. أنت تكسر قلبي وتهينني ..
بلع ريقه وقال لها بغضب :.
- سألتك إذا كنت مخطوبة أو مرتبطة منذ البداية .. لكنك لعبت معي دور الفتاة الصافية والطيبة وأنت تعرفين بأنك ستتزوجين بابن عمك بعد تخرجك .. طلبت التقدم لخطبتك ورفضت .. أكملت معك وانتظرتك .. أحببتك حبا كبيرا ﻻ‌ أستطيع أن اعرف نهايته .. حبا كنت أخشى على نفسي منه فهو اجتاحني كإعصار مدمر .
سكت للحظات تمنى فيها لو لم يقابلها يوما ولم يعرفها ولم يعشق صوتها . بلع ريقه وقال لها :.
- كنت قديسة في نظري وكنت مؤمنا بك ..
نظرت له بعينين ضيقتين غارقتين في الدموع وهو يقول بأنه كافر وملحد ﻻ‌ يؤمن بها وﻻ‌ بالقديسات . شعرت بأن قلبها سيتوقف وهي تسمع كﻼ‌مه فهزت رأسها وهي تمسح دموعها الغزيرة وقالت :.
-لست عماد الذي أحببته .. من أعطاك كل هذه القسوة ؟.
حدق بعينيها وقال لها بانفعال وغضب تراه فيه ﻷ‌ول مرة :.
- أنت تكذبين علي وتمكنت من إيهامي وتملكي بالحب الزائف .. حلمت بالسعادة معك والعيش في جنتك الموعودة وها أنا أعيش في نار جحيمك المحرقة .. أنا السبب في ما يحصل لي لقد فتحت أبواب قلبي لك متجاهﻼ‌ عقلي وعاداتنا التي تحيل كل عﻼ‌قة حب إلى القبر.
.. ﻻ‌ يوجد حب صادق هنا .. ﻻ‌ يوجد غير العبث واللهو وقلة اﻷ‌دب ..
شهقت ووجهها غارق بالدموع وقالت :
- ما الذي حدث لك وكيف تفكر بهذه الطريقة ؟
بلعت ريقها وقالت وهي تهز رأسها غير مصدقة :
- برغم حبي الكبير لك .. لكني لست مضطرة لتحمل تجريحك وكﻼ‌مك .
أجابها والغضب يزيد ناره استعارا :
- أخرجي من المنزل وﻻ‌ تذلي نفسك أكثر.. ﻻ‌ أريد أن أراك مرة أخرى .. وأنسي لعبتك التي تسليتي بها ﻷ‌ربع سنوات فلقد ضاعت اللعبة من بين يديك ..
قالت له وهي تمسح دموعها بيديها وتهم بالخروج :
- تذكر بأني أتيت ومددت لك يدي .. تذكر وقوفي أمامك وأنت تذلني وتهنني وتطردني .. لست الرجل الذي سحرني باهتمامه وعاطفته وحبه .. أنت لم تحبني أبدا .. أنت جبان ومنحط ونذل كالبقية ..

خرجت بدموعها وانكسارها وهي موقنة بأن نضالها وحربها وتضحيتها دون معنى وليس أمامها سوى اﻻ‌ستسﻼ‌م . ركبت السيارة وانطلقت بسرعة أمام عيني عماد الذي أغلق الباب وصعد غرفته واستلقى على سريره ودموعه تتدفق من عينيه رغما عنه . بكى وهو يتذكر وجهها والدموع تغرقه قبل أن تخرج ، بكى بشدة وهو يلوم نفسه على تصرفه معها وكيف سمح لنفسه بأن يهينها بهذه الطريقة لتخرج وقلبها مكسور ومصدومة به . كيف يستطيع النوم هذه الليلة بعد الذي فعله بحبيبته التي جاءته لتبرهن له على حبها ؟ بكت بانكسار قلب بسبب قسوته وشكه ووساوسه ، تذكر كﻼ‌مها اﻷ‌خير وهو يشعر بالذنب وظل يبكي طوال الليل بعد أن ضيعها من يده وهي التي جاءت بنفسها مضحية بكل شيء من أجله.

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
الفصل العشرون




"غسلت كاميليا وجهها وهي تفكر بعماد الذي لم يتصل بها منذ خمسة أيام وهي لم تتصل به أيضا فهي ﻻ‌ تريد أن تذل نفسها أمام من تحب .
بدأت تجفف وجهها المتعب وعينيها المرهقتين من السهر والبكاء .وضعت كريما رقيقا على جفنيها ، ولبست خاتمها الياقوتي بيدها وهي تتذكره يوم جاء ووضعه على باب منزلها فجرا مع باقة ورود بيضاء . خلعت الخاتم من أصبعها وقبلته بحب وأعادته إلى مكانه في خنصرها .سألته عن عماد ، ماذا يفعل وكيف يعيش خمسة أيام دون أن يسمع صوتها ،لكن الياقوت بقي صامتا . ظلت تتأمل وجهها في المرآة وهي تتذكر كﻼ‌م عماد وغزله بها ، كان مفتونا بها واﻵ‌ن يهجرها .
جاءت شذى ممسكة بصينية بها طبق من السلطة وكوبا من اللبن، ووضعتهما على المكتب وقالت ﻷ‌ختها :
-أرجوك يا أختي .. ﻻ‌ تعاقبي نفسك بهذه الطريقة.. تناولي طعامك فأنت منذ أسبوع تعيشين على الماء والتفاح وهذا ﻻ‌ يجوز .
جلست على سريرها وتنهدت قائلة :
-ﻻ‌ أشعر بالرغبة في اﻷ‌كل ..أكلت قهر..
- أف .. قطع الحب وسنينه.
قالت ﻷ‌ختها وهي تشرب اللبن :.
-لست مصدقة بأن خمسة أيام مرت ولم أسمع فيها صوت عماد .. عمادي الذي أحببته تخلى عني بسهولة وتركني .
اقتربت منها شذى وطلبت منها أن تنساه وتخفف على نفسها ، فتنهدت بغصة وهي تشعر بأنها هشة و ضعيفة بعدما تخلى عنها . مازال حبه يوجع قلبها بعدما أدار ظهره لها ولم يترك سوى عينيه السوداويين لتزيد من عذابها . هبت بسرعة لهاتفها الجوال عندما رن فربما يكون عماد هو المتصل ، ولكنها شعرت بالخيبة سريعا ﻷ‌ن نسرين هي المتصلة تدعوها للخروج والذهاب إلى السوق ومن ثم تناول العشاء في أحد المطاعم . اعتذرت منها ودعتها بدﻻ‌ من ذلك إلى زيارتها بصحبة أمل ، وقامت لتغير مﻼ‌بسها وتستعد لقدوم صديقتها .

جاءت نسرين لوحدها ﻷ‌ن أمل ذهبت إلى السوق مع أمها ، ولم تستطيعا إبعاد مجرى الحديث عن الموضوع المهم وهو زواج كاميليا التي قالت :
-والدي يجبرني على الزواج بالزفت ناصر بﻼ‌ أي احترام لي أو لرأيي....والمشكلة بأني أمقته .. أنا اﻵ‌ن أنتظر حكم اﻹ‌عدام .. وﻻ‌ أعرف متى سيصدره القاضي .
كانت نسرين جادة عندما قالت:
-تبا لهذا الوضع وهذا التخلف الذي نعيشه .. كيف تتزوج فتاة رغما عنها .. أين حقوق اﻹ‌نسان وحقوق المرأة الضائعة.
طرأت ببال نسرين فكرة فاقترحت على كاميليا أن توسط أحد أقاربها للتفاهم معه لكنها قالت لها بأن أخوالها يكنون الجبيل ماعدا سعيد وهو على خﻼ‌ف معه.
ابتسمت نسرين وسألت صديقتها هل يوجد حبيب من حيرتها ويعزز رفضها ﻻ‌بن عمها ، وحاصرتها قائلة :
-أنت تبدين عاشقة وترفضين اﻻ‌عتراف . إلى متى ستنكرين وعينيك تقول ذلك ؟.. اعترفي وبﻼ‌ نحاسة.
تنهدت كاميليا بألم اثبت لنسرين شكها ، وقالت وهي تغالب دموعها:
-ﻻ‌ وجود لهذا الحبيب .. يوجد فارس أحﻼ‌مي الذي أحبه منذ وﻻ‌دتي وشعوري بأني أنثى تبحث عن نصفها اﻷ‌خر في هذه الحياة .. وهو ليس ناصر بالتأكيد..

قضت نسرين وقتا مع صديقتها واستطاعت أن تخفف عنها قليﻼ‌ ، ثم عادت إلى منزلها كانت أمها جالسة مع عماد يتحدثان بصوت منخفض في أحد أركان الصالة الواسعة . اقتربت منهما وتنبهت لوجه أخيها العابس وأمه تتحدث معه عن ريم ، فقاطعتها بمرح وسألتهما عم يتحدثان .
سكت عماد بينما أجابت أمها بتذمر :
-عن القضية اﻷ‌زلية ذاتها .. زواج عماد .. أنا أفكر برفعها إلى اﻷ‌مم المتحدة فربما يساعدني "كوفي عنان "
ضغط عماد على شفتيه وهو يستشعر سخرية أمه التي عرضت عليه أن تتحدث مع عمته بشأن ريم، فتأفف ونهض متجها لغرفته تاركا أمه تتذمر من تصرفاته، وتقول ﻻ‌بنتها:
-منذ أن عاد من دبي وهو بمزاج سيء وﻻ‌ يتجمل الحديث معي .. في اليوم الذي سافر فيه أخبرني وسعادة الدنيا كلها تشع من عينيه بأنه يريد الزواج .. ﻻ‌ أعرف ما به وهو يقلقني كثيرا .. سأقوم ﻷ‌بخره باللبان والحرمل ..

أومأت نسرين موافقة وقالت :
- بات يحيرني أيضا ..أمس جاء ماجد لزيارته وتهرب من لقاءه وطلب مني أن أقول له بأنه نائم.
تنهدت اﻷ‌م وسألت ابنتها عن كاميليا إذا ما سيزوجها والدها من ابن عمها رغما عنها . هزت نسرين برأسها وقالت :
-سيعقد قرانها خﻼ‌ل أيام .. المسكينة بدت متعبة وشاحبة فهي تحبس نفسها في غرفتها ﻻ‌ تخرج وﻻ‌ تأكل وبدون فائدة.
-يؤسفني زواجها بهذه الطريقة .. ولكن ﻻ‌ شيء بيدنا وربما تسعد مع ابن عمها ..
وأكملت مستدركة تخبر ابنتها بأنهم سيذهبون إلى البحرين من أجل التسوق قبل زفاف أما وسيبيتون هناك ليلة واحدة .
صعدت نسرين لغرفتها وبدلت مﻼ‌بسها ثم ذهبت لتتحدث مع عماد علها تخفف من توتره . وجدته على سريره يشاهد برنامجا في التلفزيون لكنه أغلقه حالما دخلت أخته وجلست بجانبه.
سألته بابتسامة :.
-أﻻ‌ تستمع لفيروز ؟
لم ينطق بحرف فأردفت تخبره بأنهم سيذهبون إلى البحرين ودعته للذهاب معهم ، لكنه لوى فمه وقال لها بأنه ﻻ‌ يريد الذهاب ﻷ‌ي مكان.يريد البقاء وحده لمراجعة حساباته وإعادة النظر في مسار حياته . سألته:
-هل أنت منزعج من أمي ؟.
هز رأسه نافيا فقد تعود على كﻼ‌مها وعلى سخريتها . تنهد بقوة وأحست بأن وراء تنهيدته هم كبيرة ، فأمسكت بيده بعطف وطلبت منه أن يفتح لها قلبه فهما أصدقاء برغم الفارق في السن . كانت تنظر إلى وجهه وهي تتحدث ورأته وهو يغمض عينيه السوداويين للحظات وعندما فتحهما رأت الدموع الحارة تغلفهما . أخرج من صدره آهات حزينة . عانقته وهو يقول بأنه عاجز عن فتح قلبه لها . قالت له بتفهم كبير :.
-عندما تشعر بأنك بحاجة للحديث والبوح عما تخفيه في قلبك .. ﻻ‌ تتردد فقلبي يتسع دائما..
شكرها وتنهد بحيرة فهو غارق في بحر ﻻ‌ يعرف فيه شاطئ وﻻ‌ مرسى وﻻ‌ يعرف بدايته أو نهايته . خرجت نسرين تاركة أخاها لوحدته ولتفكيره المحصور بكاميليا ، تارة يتذكارها وهي في السيارة وعينيه تسترقان النظر لها عبر المرآة . يتذكر أحاديثها وضحكاتها وعينيها والكحل اﻷ‌سود وحجابها الملون وهي تمشي في شوارع باريس بمﻼ‌بسها اﻷ‌نيقة تذكر تلك القبلة الوحيدة في منتصف ليل باريس عندما أهداها ورورد الكاميليا وكم أحبها.
****.

ظلت كاميليا جالسة في غرفتها وتتحدث مع شذى في جو هادئ نسبيا حتى جاءت أمها بابتسامة مصطنعه ، تخبرها بأن قرانها سيعقد غدا. هزت رأسها والدموع تتدفق من عينيها :
-ﻻ‌ أريده .. ساعديني يا أمي ..
بلغت اﻷ‌م ريقها والدموع تنحدر من عينيها فزوجها هددها بالطﻼ‌ق لو تدخلت . قالت ﻻ‌بنتها بانكسار :
-أرى رضوخك أمرا ﻻ‌ مفر منه .
بكت كاميليا بحرقة كبيرة على صدر أمها وهي ترى كل أحﻼ‌مها تتكسر أمام رغبات والدها وعناده وتسلطه وجوره . بكت أكثر وهي تفكر بحياتها مستقبﻼ‌ وحب عماد يغفي في قلبها بكل هناء وراحة . ظلت تبكي وهي تفكر باﻻ‌ستسﻼ‌م تارة وبالتمرد على والدها والرفض تارة أخرى . بكت بنجيب وهي تتذكر كلمات عماد اﻷ‌خيرة عندما طلب منها اﻻ‌تصال به فقط عندما تخبر والدها بأمر عﻼ‌قتهما . ومن بين الدموع والبكاء ورياح اليأس التي تعصف بها طرأت ببالها فكرة قد تنقدها من هذا الزواج اﻹ‌جباري ، ولكن عواقب هذه الفكرة وخيمة ونتيجتها غير مضمونة.أسرعت تقفل باب غرفتها بالمفتاح وأمسكت بهاتفها الجوال للتحدث مع عماد الذي لم يرد على اتصاﻻ‌تها المتكررة ، وبسرعة كتبت له رسالة نصية وأرسلتها ، تخبره بأنها تريد الحديث معه ﻷ‌مر هام . ظلت حتى شروق الشمس وهي تترجى اتصاله بدون جدوى . نامت على مخدتها المبللة بالدموع واستيقظت ظهرا وشذى تطرق بابها المغلق وقد جلبت معها وجبة خفيفة لتأكلها . فتحت لها الباب وعينيها متورمين من البكاء، وبسرعة طلبت منها الدخول . رن هاتفها الجوال فهبت له مسرعة فربما حن عماد عليها وقرر اﻻ‌تصال ، إﻻ‌ أن ظنونها خابت مجددا كانت نسرين هي المتصلة تخبرها بذهابها مع والديها إلى البحرين عصرا وتسألها إذا ما كانت تريد أن تشتري لها شيئا من هناك ، شكرتها فﻼ‌ مزاج لها ﻷ‌ي شيء ، ونهضت لقفل الباب بالمفتاح وقالت ﻷ‌ختها :
- منذ البارح وأنا أفكر بطريقة ما لمنع هذا الزواج البائس .. وﻷ‌ني أحتاج مساعدة عماد اتصلت به مرارا ولم يرد علي .. سأذهب إليه في منزله وأتحدث معه ..
عضت شذى شفتها وقالت :
- ﻻ‌بد أنك جننت .. لقد فقدت عقلك بكل تأكيد لتفكيرك بالذهاب لمنزله ..
أخبرت أختها بأن نسرين ووالديها سيذهبون إلى البحرين بعد ساعة وعماد سيعود في الخامسة إلى المنزل كالمعتاد وستذهب لتعرض فكرتها عليه ..
حذرتها شذى وطلبت منها أن تتعقل فلو عرف والدهما سيذبحهما معا كدجاجتين وينتف ريشها ، ولكن كاميليا مستعدة لكل شيء فقالت ﻷ‌ختها :
- كيف سيعرف ؟ ..أنا سأتحدث مع عماد وأنت أبقي في السيارة ﻻ‌نتظاري.

ترددت شذى لكنها لم تشأ أن تدع أختها تذهب له وحدها . بسرعة استأذنت كاميليا وشذى أمهما في الخروج لزيارة أمل لبعض الوقت للترفية عن نفسيهما . ركبت كاميليا السيارة وطلبت من السائق التوجه إلى منزل نسرين واتصلت بها لتتأكد من ذهابها إلى البحرين مع والديها ، واطمأنت لسير خطتها بالطريقة الصحيحة . أحست برعشة وكأنها تتركب جريمة وخائفة أن يراها أحد وقلبها ينبض بقوة ظنت أن جميع سكان القطيف يسمعونه . كانت خائفة وهي تفكر بعماد وكيف سيستقبلها ، وهل سيوافق على فكرتها الرهيبة . أوقف السائق السيارة أمام المدخل الرئيسي . بقيت شذى تنتظر أختها بخوف ووجل وترجلت كاميليا وهي تحس برجليها ستتجمدان ودقات قلبها العنيفة تزعجها . بيد مرتعشة ضغطت على جرس الباب واﻷ‌فكار تزيد من توترها . ظلت تنتظر للحظات ولم يجبها أحد ، فضربت الجرس مرة أخرى وقلبها يكاد أن يتوقف ، وبعد لحظات فتح الباب ورأت عماد أمامها . نزعت نظارتها الشمسية والتقت عينيها بعينيه المندهشتين والمشتاقتين لها ، كان الحب والشوق ظاهر في سواد عينيه وﻻ‌ يستطيع إخفاءه مهما فعل . بلع ريقه وقال لها برقة وكأن شيئا لم يكدر صفوهما أبدا :
- لماذا أنت هنا يا كميليا .. نسرين غير موجودة .
هزت رأسها وهي تتلفت خلفها وقالت له :
- أعلم بأن عائلتك في البحرين .. ولكني أريد التحدث معك بأمر هام ولهذا اتصلت بك ..وﻷ‌نك لم تجبني اضطررت للقدوم ..
وأكملت تعاتبه :
- لماذا تعاقبني بهذه القسوة وكأنني مذنبة ؟.. أنا ﻻ‌ أستطيع فعل شيء وعليك أن تصدقني .. وجئت ﻷ‌برهن ذلك.
دخلت كاميليا داخل المنزل ووقفت قرب الباب المفتوح على مصراعيه وقالت له بأن قرانها سيعقد غدا ولديها حل مناسب ووحيد لمنع إتمام هذا الزواج ، وطلبت مساعدته ، سكتت للحظة وهي تراقب عينيه السوداويين وهما تتفحصان وجهها بشوق ، وقالت لها :
- أنا متعبة وأشعر بأني على حافة الجنون..
بلع ريقه وسألها عن الحل الذي جاءت من أجله ، فأغمضت عينيها للحظات وقالت له :
- سأذهب إلى منزل خالي سعيد وسأبقى لثﻼ‌ثة أيام حيث والدي ﻻ‌ يستطيع أن يفكر بوجدي هناك فهما على خﻼ‌ف كما تعلم .. بينما أخبره ﻻ‌حقا بأنني كنت معك في أي مكان .. سأوهمه بأني هربت معك وبعدها سنتزوج رغما عنه ..
ظل عماد ساكتا للحظات وعينيه ستخرجان من محجرهما من شدة اندهاشه من فكرة كاميليا الجهنمية ، قال لها بهدوء :.
- كيف تفكرين بهذا الحل ؟ .. نهرب معا لثﻼ‌ثة أيام .. تخيلي الفضيحة وما سيحصل ..
حاولت إقناعه بفكرتها :
- نحن سنوهمهم بذلك والله شاهد علينا .. وبعد الزواج نخبرهم بالحقيقة .
ارتفع صوته قليﻼ‌ :
- لن يصدقنا أحد وقتها .. والدك سيقتلك حتما .. كما أن أمي سترفض زواجي بك.
قال جملته وبتعد عنها . جلس على أول مقعد صادفه وأسند رأسه على يديه . شعر بالحيرة ويريدها فهو يحبها ويريدها زوجة له ولكن ليس بهذه الطريقة ، قال لها :
- إن اﻷ‌مر ليس سهﻼ‌ كما تتصورين ونحن ﻻ‌ نستطيع تقدير عواقب.
شعرت كاميليا بالخيبة مجددا وقالت له والدموع تنحدر من عينيها :
- أنا فتاة من أسرة محترمة وسأضحي بسمعتي ومستعدة لكل ما سيحدث .. وأنت رجل وتخاف من الفضيحة !؟
سكت لثوان قليلة وأردفت :.
- غدا يعقد قراني .. كيف يطاوعك قلبك على التخلي عني ؟ .. وعدتني بأن نكون معا.
أقترب منها كثيرا وعينيه تتفحصان وجهها الجميل رغم التعب . تذكرت ما حدث في باريس والسعادة التي كانت تشعر بها ، وتنهدت وهو يمد يده ويضعها على جانب رأسها . أحس برغبة كبيرة في تقبيلها ولم يفعل ، قال لها :.
- أرغب بأن نكون معا .. ولكن ليس بهذه الطريقة..
بكت أكثر وابتعدت عنه ، فقال لها بنبرة حادة وعينيه السوداويين تصوب سهماها نحوها :.
- ﻻ‌ تبك أمامي فموافقتي مستحيلة ..
استدار وهو يفرك جبينه وقال :.
- أرجوك أذهبي إلى منزلك .ز لو كنت تريدني حقا لسمحتي لي بالتقدم لخطبتك قبل أن يصبح اﻷ‌مر بهذا السوء .. لو تقدمت لخطبتك قبل أربع سنوات مرة واثنتين وثﻼ‌ث لوافق والدك وكان كل شيء مختلفا ..
مسحت دموعها بغضب وطلبت منه أن يفكر في اﻷ‌مر مرة أخرى ، لكنه هز رأسه بالنفي رافضا ذلك وقال:
- أنا أرفض هذه الحلول وﻻ‌ أقبل بها .. لست نذﻻ‌ ..

أرادت أن تسأله عن القسوة التي ظهرت في عينيه فجأة ، ممن أخذها وكيف يستطيع أن يعاملها بهذه الطريقة . لم تستطيع أن تقول له ذلك فأبعدت شفتيها عن بعضها وتنهدت بسكوت ، فصرخ فيها بقوة :
- أخرجي .. ﻻ‌ أريد أن أراك مرة أخرى ..أرفض أن أكون لعبة تسليتي بها أربع سنوات وترين اﻻ‌ستمرار بالحفاظ عليها لتتسلي أكثر ..
أحست بأنها ستختنق بدموعها وتمنت لو أن اﻷ‌رض تنشق وتبتلعها على أن تعيش هذا الموقف . قالت له بنظرة أسى :.
- عماد ..أنت تخطئ في حقي .. أنت تكسر قلبي وتهينني ..
بلع ريقه وقال لها بغضب :.
- سألتك إذا كنت مخطوبة أو مرتبطة منذ البداية .. لكنك لعبت معي دور الفتاة الصافية والطيبة وأنت تعرفين بأنك ستتزوجين بابن عمك بعد تخرجك .. طلبت التقدم لخطبتك ورفضت .. أكملت معك وانتظرتك .. أحببتك حبا كبيرا ﻻ‌ أستطيع أن اعرف نهايته .. حبا كنت أخشى على نفسي منه فهو اجتاحني كإعصار مدمر .
سكت للحظات تمنى فيها لو لم يقابلها يوما ولم يعرفها ولم يعشق صوتها . بلع ريقه وقال لها :.
- كنت قديسة في نظري وكنت مؤمنا بك ..
نظرت له بعينين ضيقتين غارقتين في الدموع وهو يقول بأنه كافر وملحد ﻻ‌ يؤمن بها وﻻ‌ بالقديسات . شعرت بأن قلبها سيتوقف وهي تسمع كﻼ‌مه فهزت رأسها وهي تمسح دموعها الغزيرة وقالت :.
-لست عماد الذي أحببته .. من أعطاك كل هذه القسوة ؟.
حدق بعينيها وقال لها بانفعال وغضب تراه فيه ﻷ‌ول مرة :.
- أنت تكذبين علي وتمكنت من إيهامي وتملكي بالحب الزائف .. حلمت بالسعادة معك والعيش في جنتك الموعودة وها أنا أعيش في نار جحيمك المحرقة .. أنا السبب في ما يحصل لي لقد فتحت أبواب قلبي لك متجاهﻼ‌ عقلي وعاداتنا التي تحيل كل عﻼ‌قة حب إلى القبر.
.. ﻻ‌ يوجد حب صادق هنا .. ﻻ‌ يوجد غير العبث واللهو وقلة اﻷ‌دب ..
شهقت ووجهها غارق بالدموع وقالت :
- ما الذي حدث لك وكيف تفكر بهذه الطريقة ؟
بلعت ريقها وقالت وهي تهز رأسها غير مصدقة :
- برغم حبي الكبير لك .. لكني لست مضطرة لتحمل تجريحك وكﻼ‌مك .
أجابها والغضب يزيد ناره استعارا :
- أخرجي من المنزل وﻻ‌ تذلي نفسك أكثر.. ﻻ‌ أريد أن أراك مرة أخرى .. وأنسي لعبتك التي تسليتي بها ﻷ‌ربع سنوات فلقد ضاعت اللعبة من بين يديك ..
قالت له وهي تمسح دموعها بيديها وتهم بالخروج :
- تذكر بأني أتيت ومددت لك يدي .. تذكر وقوفي أمامك وأنت تذلني وتهنني وتطردني .. لست الرجل الذي سحرني باهتمامه وعاطفته وحبه .. أنت لم تحبني أبدا .. أنت جبان ومنحط ونذل كالبقية ..

خرجت بدموعها وانكسارها وهي موقنة بأن نضالها وحربها وتضحيتها دون معنى وليس أمامها سوى اﻻ‌ستسﻼ‌م . ركبت السيارة وانطلقت بسرعة أمام عيني عماد الذي أغلق الباب وصعد غرفته واستلقى على سريره ودموعه تتدفق من عينيه رغما عنه . بكى وهو يتذكر وجهها والدموع تغرقه قبل أن تخرج ، بكى بشدة وهو يلوم نفسه على تصرفه معها وكيف سمح لنفسه بأن يهينها بهذه الطريقة لتخرج وقلبها مكسور ومصدومة به . كيف يستطيع النوم هذه الليلة بعد الذي فعله بحبيبته التي جاءته لتبرهن له على حبها ؟ بكت بانكسار قلب بسبب قسوته وشكه ووساوسه ، تذكر كﻼ‌مها اﻷ‌خير وهو يشعر بالذنب وظل يبكي طوال الليل بعد أن ضيعها من يده وهي التي جاءت بنفسها مضحية بكل شيء من أجله.

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
شــٍَّـٍَّـٍَّـٍَّــٍَّـٍَّـٍَّـكراٍَّ لكل ‏​مَـٍﮯـَِنِ مر ‏​مَـٍﮯـَِنِ هنا
سأضع لكم اليوم فصلين ان شاء الله
تحياتي
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
الفصل الواحد والعشرون



"خرجت كاميليا مع صديقتها من مركز التجميل بعد أن انتهت من تسريح شعرها ، ووضع لمسات الماكياج الذي أظهرها جميلة رغم مسحة الحزن الظاهرة في عينيها العسليتين . توجهت معهما للقاعة التي سيقام فيها زواج أمل في كورنيش الخبر المليء بالحركة والناس ككل خميس . نظرت لنفسها في المرآة بفستانها اﻷ‌زرق التي وصفته نسرين بالمثير ﻹ‌ظهاره للكثير من مفاتنها . مهما كان جمالها فستقدمه قربانا لناصر حتى يرضى والدها وعمها ، وعندما أحست بتسلل الدموع إليها ذهبت ﻷ‌مل الجالسة في الجناح المخصص للعروس وبجانبها أمها وعمتها وأم عماد أيضا ، وقالت لها بابتسامة :
- سيفقد عصام صوابه بكل تأكيد فأنت جميلة .. هو محظوظ .
وجاءها صوت ريم بتعال :
-أخي وسيم أيضا وﻻ‌ يحتاج لشهادة أحد .
تضايقت كاميليا من لهجتها وﻵ‌ثرت تجاهلها من أجل صديقتها . لم تكن قادرة على مجاملتها أيضا فما يعتريها من حزن وضيق يكيفها . خرجت مع نسرين وجلستا على أحد الطاوﻻ‌ت . قالت لنسرين بامتعاض :
- ابنة عمتك مغرورة ومتعجرفة .. ولم استسغ أسلوبها في الكﻼ‌م معي .. من تظن نفسها .
- ﻻ‌ عليك منها فهي تظن نفسها أفضل وأرقى من الجميع رغم جرفلتها .
تنهدت كاميليا وهي تنظر لخاتم الخطوبة الذي وضعه ناصر في أصبعها في يوم عقد قرانها . بكت بشدة ليلتها وهي تنظر إليه وهو بجانب خاتم الياقوت ، وبقدر ما تحبه تكره خاتم خطوبتها . فسألتها نسرين بابتسامة :
- هل اشتقت لناصر .. وبدأ الحب السعودي الخرافي .
تمنت أن تكون لها سلطة على قلبها ليحب من تريد ويكره من تريد ، شعرت باﻷ‌سف فقلبها يحب رجﻼ‌ وتتزوج بآخر . فتحت نسرين عينيها بذهول وظلت ساكتة وهي تستمع ﻻ‌عتراف صديقتها التي شكت بعﻼ‌قتها بأحدهم لكنها ظلت تداري وتنفي معرفتها بأي شاب :
- من أحبه تركني .. يظن بأني تسليت معه طيلة السنوات الفائتة واﻵ‌ن أتزوج بابن عمي .
جديتها ومسحة الحزن التي ظهرت أكثر على وجهها جعلت نسرين تصدقها بﻼ‌ تردد . سألتها عن عﻼ‌قتها بهذا الشاب المجهول وأجابتها وهي تغمض عينيها لتمنعهما من البكاء :
- منذ أربع سنوات وأنا على عﻼ‌قة به .. عﻼ‌قة حب رائعة ومميزة ربطت بين قلبينا .. وعلى ما يبدو كنت مخطئة ﻷ‌ن تصرفه اﻷ‌خير أثبت بأنه لم يحبني يوما .. ليته لم يعدني بشيء فأنا أتجرع اﻵ‌ن مرارة وعوده التي لم يفي بها ..لم احسب حساب هذه اللحظة وﻻ‌ اعرف ما الذي يحصل لقلبي المسكين فالعذاب يسكنه وﻻ‌ يريد البوح بذلك .

تنهدت بقوة وهي تغالب دموعها فمازالت غير مصدقة بأنه تخلى عنها وصدمها بكل ما قاله ذلك اليوم .كيف سمح له قلبه بأن يتركها وينام .
- كيف تعرفت عليه؟.. هل يعمل في المستشفى ؟ .. من يكون ؟
شعرت دموعها تتسلل تدريجيا وهي مستمرة في البوح :
- جعلني أحبه رغما عني واﻵ‌ن تركني ﻷ‌واجه حياتي .. لك يكن في دائرة أفكاري ولكنه أقتحم قلبي وحياتي بدون إرادتي ولم يكن لي يد في ذلك ..أحاطني بحبه وعاطفته واهتمامه .
أغمضت عينيها وقالت وكأنها تتذكر شيئا بعيدا :
- مازالت نظراته مختبئة في قلبي وكلماته الحنونة ترن في أذني .
نظرت لخاتمها وأكملت :
- هذا الخاتم الذي أضعه في أصبعي هدية منه يزيد من ألمي وعذابي ويذكرني به .. عاهدت نفسي وأقسمت أن يكون هذا الرجل لي .
وتنهدت بقوة وهي مستمرة في البوح بما كانت تخفيه عن صديقتها :
- كان يتمنى العيش بجانبي مدى الحياة .. وعدني بأن ينتظرني لنهي دراستي ونتزوج كما يريد والدي .. خدعني بقوة عينيه الساحرتين .أخشى أن يبقى حبه وجع مزروع في قلبي يتغّّّدى بالذكريات والحرمان .. كان لدي إيمان واعتقاد عميقين بأنه سيكون لي ولكن نبوءتي لم تصدق .
أمسكت بيدها وسألتها بتعاطف عن هويته :
- من هو الذي أوقعك بحبه ؟..فأنت غارقة ﻷ‌ذنيك.
نظرت كاميليا لعيني نسرين المندهشتين وهي تسأل عن هويته رغم أنه أقرب ما يكون إليها . تهربت من اﻹ‌جابة فلقد انتهى كل شيء بينهما وعليها أن تبدا بالنسيان ، أيدتها نسرين وطلبت منها ان تبذل بعض الجهد للتأقلم مع ناصر وتنسى حبيبها المجهول . ابتسمت وهي تقول لصديقتها عن مميزة ناصر الوحيدة وهي غيابه عن المنزل ، فهو يغيب منذ الفجر السبت ويعود ليل الثﻼ‌ثاء أيام ويذهب إلى رأس تنورة مجددا . ضحكت نسرين وهي تقول :
- أنا مندهشة فلقد كنت أشك بأنك عاشقة فعينيك ترقصان من الحب .. بدوت متغيرة كثيرا وسألتك مرارا وكنت تكذبين شكوكي أنا وأمل كانت صحيحة .. وحتى اﻵ‌ن ﻻ‌ اصدق أنك اخفيت اﻷ‌مر عنا يا شﻼ‌خة .
وبمرارة قالت لصديقتها :
- جرحني في صميم قلبي وهو يعلم بان قلبي بيته وهو يغفو فيه بهناء وراحة ..أشعر بأني سأموت .
ابتسمت وطمأنتها :
- ﻻ‌ احد يموت من الحب .
- هواه أسعدني في الماضي واﻵ‌ن أدفع الثمن .. ساتزوج من ناصر بعد ثﻼ‌ثة أشهر على ابعد تقدير .

تنبهت إلى امتﻼ‌ء القاعة بالمدعوات ، فتوقفتا عن الحديث وبدات المغنية تغني وعﻼ‌ صوت الموسيقى وسط التصفيق والرقص والزغاريد . بعد ساعتين جاءت امل من جناحها الخاص تنزل السلم بتأني ودﻻ‌ل على إيقاع الموسيقى الكﻼ‌سيكية وكاميليا ونسرين وريم وندى ينثرون عليها اوراق الورد . رقصت كاميليا متناسية حزنها وجروحها ومن يراها يظن أنها سعيدة وﻻ‌ يكدر حياتها شيء.

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
"الفصل 22.

جلس عماد مع والدته وأخته في إحدى زوايا صالة منزلهم الكبير يتحدثون وهم يشربون الشاي في أمسية رائقة من ليالي اﻷ‌ربعاء ، تنبه لنسرين وهي تقول ﻷ‌مها بأنها ستذهب مع أمل إلى السوق لشراء فستان لزواج كاميليا.
أحس بأن خنجرا أخترق قلبه فحبيبته ستتزوج والكل سيستعد لزفافها . اضطربت أنفاسه ونسرين تكمل كﻼ‌مها :
- ستقيم حفﻼ‌ عائليا في منزلهم .. فهي ما زالت غير مقتنعة بزوجها ولم تكن تود إقامة الحفلة لكن والديها يريدان ذلك .. حتى أنها لن تسافر ولن تتغيب عن المستشفى .. ستتزوج اﻷ‌ربعاء وستعمل السبت .
بلع ريقه واﻷ‌لم يأكل من روحه المتعبة ، فهو لم يرتاح منذ ذلك اليوم الذي جعله تخرج حزينة ومنكسرة . أخذ نفسا عميقا وسألها عن موعد زواج كاميليا وهو يحاول أن يكون طبيعيا برغم الشحوب الذي كسا وجهه أخبرته بأنها ستتزوج بعد شهرين في اﻷ‌ربعاء الثالثة من شهر شعبان ..

مشى في شارع الخليج متجها إلى الدمام للقاء صاحبه في منزله . جلسا يشربان القهوة مع المكسرات . جلس مع صاحبه وتفكيره مع كاميليا وقلبه يؤنبه على تصرفه معها . تذكر دموعها وهي تذكره بمبادرتها ﻹ‌نقاذ حبهما ، كانت قوية وشجاعة أكثر منه ، ومستعدة ﻹ‌غضاب عائلتها والمخاطرة بردة فعلهم من أجله ، وهو لم يرد أن يخسر شيئا وخاف من الفضيحة وموقف عائلته . أخرجه صاحبه من دائرة أفكاره عندما قال وهو يلوح بيده أمامه :
- ما بك يا عماد .. لي ساعة أتكلم وأنت صامت ولم تنطق بحرف ..إلى أين وصلت ؟
تنهد بحسرة وقال :
- أنا بائس .. وجبان .. وحمار أيضا .
ضحك ساخرا وسأله :
- ومنذ متى ؟
عض على شفته وأخرج من صدره تنهيدة كئيبة فوبخه صاحبه :
- أنا ﻻ‌ أعرف لماذا تجبر نفسك على العيش بتعاسة .. أنت شاب لديك كل شيء فما الذي يجعلك بائسا ؟!..أنت تريد العيش بهذه الطريقة .. ﻻ‌ تريد الزواج وﻻ‌ تسافر لتتنزه وﻻ‌ تذهب ﻷ‌ي مكان .. ليس لديك سوى منزلك والشركة وأنا .
وارتفعت نبرة ماجد وهو يطلب منه أن يتزوج لينشغل بزوجته وعائلته وحياته الجديدة وأكمل وهو يتفحصه :
- أرى بعض الشعيرات البيض على جانبي رأسك يا مقرود .
قال عماد وهو يتحسس جبينه :
- هذا شيب الكرام .
- الشيب هو الشيب .. بﻼ‌ كﻼ‌م فاضي .
بلع ريقه وقال باستسﻼ‌م بأنه طلب من أمه أن تجد له عروسا وسيتزوج بالطريقة التقليدية وكما تزوج جده من جدته . ﻻ‌ يريد فتاة يعرفها أو يحبها ويكفي ما جاءه من الحب . واستطاع ماجد أن ينتزع منه ابتسامة عندما أعلن له عن استعداده ليكون الخطابة . وجاء فيصل وقضى مع صاحبه بعض الوقت ثم توجهوا إلى المطعم وقبل أن ينتصف الليل اتصلت زوجة كل واحد منهم تسأل عن زوجها ، ما عدا عماد الذي أحزنه عدم وجود من يسأل عنه ويقلق عليه ويطلب منه العودة إلى البيت مبكرا.

********.

استيقظ عماد من نومه قرابة الحادية عشر عندما أتصل به ماجد يدعوه للذهاب معه لحضور حفل زفاف أحد أقرباءه الليلة فوافقه . خرج بسرعة من غرفته ليرى والديه ويخبرهما بقراره الذي أمضى طوال الليل وهو يفكر به . وجد والديه جالسان في إحدى زوايا الصالة ، فجلس بجوار والده وقال ﻷ‌مه بلهجة هادئة لم تخلو من الحزن :
- ابحثي عن عروس مناسبة ..أريد الزواج بسرعة .
وسألته بحزم :
- هل أنت جاد هذه المرة ؟
وضع يده على خده وهز رأسه إيجابا .سأله والده عن مواصفات العروس فالتفتت إليه زوجته قائلة :
- وماذا يريد ؟ .. بنت حﻼ‌ل .. جمال ودﻻ‌ل وأصل وفصل .
تأفف اﻷ‌ب وقال :
- أنت ﻻ‌ تريديني أن أتكلم أبدا .. مابك يا امرأة ؟ .. هذا ولدي الوحيد ورأيي مهم في زواجه .
قبل عماد يد والده مؤكدا على أهمية رأيه ، وبدوره شكره ورشح له ريم فهو يراها مناسبة . لوت سميرة فمها وقالت لزوجها بسخرية :
- لم تأت بجديد .. منذ مدة وأنا أقول بأن ريم هي العروس المناسبة ولن يجد أفضل منها ..
ابتسم عماد وأعلن موافقته ، لكن أمه سألته لتتأكد من رغبته :
-هل أنت واثق من اختيارك هذه المرة ؟.. عصر اليوم سأذهب إلى عمتك وأكلمها بالموضوع وﻻ‌ أريد إي إخراج معها .. ﻻ‌ تفشلني .
******.

وقف عمادأمام المرآة ليمشط شعره ويستعد للذهاب لزفاف قريب ماجد ، وهو ينتظر قدوم أمه التي ذهبت لتخطب له ريم . فكر بكاميليا التي ستتزوج وستعيش مع رجل غيره في بيت واحد ، أحس بضيق وهو يفكر بتفاصيل حياتها مع زوجها . تألم وهو يفكر بالفرصة التي أضاعها من بين يديه ، لو أنه نفذ خطتها لكانا اﻵ‌ن متزوجين ولو بعد فضيحة ، ولن يكونا أول شخصين يتزوجان بهذه الطريقة .أغمض عينيه بندم لم يستطيع منع نفسه من الشعور به . تذكرها فهي ﻻ‌ تفارق باله وتحل كفراشة بين ذكرياته وأيامه وأحﻼ‌مه ، ونسيانها صعب وحياته مع امرأة أخرى هي السبيل الوحيد لنسيان الندم .
طرقت أمه باب غرفته ، دخلت وجلست على حافة السرير وقالت له بتذمر :
- عمتك أخبرتني بأن عادل تقدم لخطبة ريم من جديد .. رفضته أكثر من مرة ولم يستسلم .
وسألها باهتمام :
- وهل وافقت عليه ؟
لم تحسم ريم أمرها بسهولة . كانت حائرة بين عماد الذي تراه رجﻼ‌ مناسبا بكل المقاييس ، فهو وسيم وناجح وليس له ماض مشين وسفر متكرر ، هو ﻻ‌ يحب السفر وﻻ‌ مخالطة الكثرين ويقضي وقته بين العمل والمنزل ، وابن عمها عادل الذي يحبها منذ صغره ولم يتوانى عن التقدم لخطبتها رغم صدها ورفضها له ، وبرغم انتقادها الدائم لتهوره وتصرفاته الصبيانية إﻻ‌ أنها لم تشك بحبه لها وبأنه سيفعل المستحيل دائما ﻹ‌سعادها . ترددت وهي تستعرض اﻻ‌ثنين أمامها وخصوصا والديها تركا لها حرية اﻻ‌ختيار رغم ميل أمها ناحية عماد أكثر .
أنهت حيرتها وترددها بعد عدة أيام باختيار عماد ، وكان لخبر الخطوبة أثرا سعيدا على الجميغ أفراد العائلة والمقربين ، باستثناء عادل الذي أحس بمدى الصفعة القوية التي وجهتها له ابنة عمه بعد طول اﻻ‌نتظار ، كما أن كاميليا استقبلت الخبر بدموع حاولت منعها فهي مرتبطة وعﻼ‌قتها بعمادانتهت وليس من حقها اﻻ‌عتراض على زواجه . سيتزوج من المتعجرفة ريم متناسيا وعوده وكﻼ‌مه لها . متناسيا كﻼ‌مه بأنه يراها زوجته المستقبلية وشريكة حياته وأم أوﻻ‌ده ، والمرأة التي أندفع نحوها بطريقة ﻻ‌ يفهمها ، وتأثيرها عليه مثل السحر الذي ﻻ‌ يستطيع فكه .

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
"

الفصل 23.


شعر عماد بألم في بطنه وهو يعقد ربطة العنق ، ويمشط شعره اﻷ‌سود ويضع العطر في يده ويربت على وجهه وعنقه استعداد للذهاب إلى منزل عمته . نزل الدرج ببطء وأخته تستعجله . ركب سيارته بصحبة نسرين صامتا ، ورغما عنه تذكر كاميليا وعينيه تقع على خاتمه . أوصى قلبه أن يكتم دقاته وحنينه وأشواقه لها ، وكفى تفكيرا بها فالليلة سيتغير كل شيء . قالت له نسرين لتكسر الصمت بينهما :
- تبدو رائعا يا أخي .. وأوصيك بعدم اﻻ‌رتباك عندما تضع خاتم الخطوبة في أصبع ريم.
ابتسم وهو يتمنى أن يكون الحفل صغيرا ومقتصرا على العائلة ، فضحكت وطمأنته :
- العائلة وبعض الصديقات فقط .. ﻻ‌ تقلق .
تأفف فهو ﻻ‌ يرى داعيا ﻹ‌قامة حفلة للخطوبة فزواجه قريب . كان يريد الزواج قبل شهر رمضان فطلبت منه أخته أن يختار تاريخا مختلفا عن موعد زواج كاميليا المقرر في اﻷ‌ربعاء الثالثة من الشهر . تنهد بأسى وعينيه على الميدالية الزجاجية المعلقة في مرآة سيارته وقال :
- ليكن اﻷ‌سبوع الذي يلي زواجها إذن .
توقف إمام محل الزهور بناء على طلب أخته التي نزلت معه ﻻ‌ختيار باقة ورد جميلة يقدمها لخطيبته ، لم يرد أن يختار ورودا مشابهة للورود التي كان يشتريها لكاميليا فاشترى ورودا زهرية اللون وابتسم وأخته تقول له ضاحكة :
- يجب أن تكون رومانسيا لتملك قلبها .

انطلقا إلى منزل العمة نورة ، دخل هو إلى المجلس الرجال وسلم على الجميع وأتخذ مكانه بجانب صديقه ماجد ، وبدأ بمراسيم عقد القرآن وأصبحت ريم زوجته أمام الله والناس ، وبقيت كاميليا ذكرى في القلب فقط ﻻ‌ يعرف بها أحد سواه . أحس بأنه سيختنق وهو يتذكر ما قالته له يوم خروجها من منزلهم وأنقده اتصال ندى تدعوه للدخول فالجميع بانتظاره . دخل الصالة وأختيه باستقباله ونهضت أمه بسرعة لتعانقه وكذلك فعلت عمته ، وجلس بجوار ريم التي بدت بغاية الجمال ، وترتدي فستانا أسود تملؤه ورود حمراء ، ووردة حمراء على جانب شعرها الكثيف الذي غطى كتفها العاريين ، وبدأ الجميع يوف لهما التهاني . وضع الخاتم الخطوبة الماسي في يد ريم ، والتقطا عددا من الصور ثم خرج معها لتناول العشاء خارجا . ركبت بجواره في السيارة وسألها عن المطعم الذي تفضله ، فأجابته بابتسامة :
- المطعم اللبناني .
وصﻼ‌ إلى مطعم في الخبر وبدءا يأكﻼ‌ن بصمت قطعته ريم عندما سألته :
- أخبرتني أمي بأنك تريد الزواج بسرعة .
أجابها بابتسامة :
- منزلي جاهز ومؤنث بالكامل ولم يبقى غير أثاث غرفة النوم .. لقد جلبت رسام إيطاليا ليرسم اللوحات في أسقف المنزل كلها .
عرض عليها فكرة الزواج في نهاية شهر شعبان فوافقت ، وقالت له مستدركه :
- أود أن أسافر لشهر العسل .
- بما أن شهر رمضان سيكون على اﻷ‌بواب فدعينا نؤجل السفر قليﻼ‌ .
انتهت سهرته مع ريم في الواحدة عندما أوصلها لمنزلها وعاد إلى المنزل ووجد والديه وأخته في الصالة ينتظرونه ليستمعوا لردة فعله وانطباعه عن أحداث هذه الليلة ، لكنه فاجأهم عندما صعد لغرفته وسط اندهاش أمه تأففت وهي تقول لزوجها :
- ابنك هذا سيجنني وبسببه سأموت قبل أواني .. لقد احترت معه فﻼ‌ قبل الخطوبة وﻻ‌ بعدها .. حالته ﻻ‌ تتغير وعليه أن يستثير طبيبا نفسيا ﻷ‌ني تعبت منه .
تنهد حسن بصمت كعادته ، فغضبت سميرة وقالت له :
ولماذا أنت ساكت ؟.. أنا أعطيك الفرصة اﻵ‌ن .. غرد وسمعني .
بلغ ريقه ووعدها بأن يتحدث معه فهو اﻵ‌ن متزوج من ابنة أخته وعليه أن يكون لطيفا معها .

لم يستطيع عماد النوم بسهولة وهو يفكر بكاميليا رغما عنه . هي متزوجة وﻻ‌ تقربه بأي صلة وﻻ‌ تربطه بها أي عﻼ‌قة ، ﻻ‌ حب وﻻ‌ صداقة وﻻ‌ أي شيء آخر . أحس بالشوق لرؤيتها ولسماع صوتها ، وتمنى لو يراها من بعيد بدون أن تعلم به ..ولكن كيف ؟ فلم تعد تزور أخته في البيت كما مضى فالعمل التدريبي يشغلها . نام وهو يفكر بها ويحاول تشتيت ذهنه عنها .
خرجت نسرين من المنزل ومرت بكاميليا وتوجهتا سويا لزيارة أمل في منزل العمة نورة ، استقبلتهما في غرفة اﻻ‌ستقبال العلوية . جلسن يتحدثن وهن يشربن الكوﻻ‌ المثلجة مع رقائق البطاطس ، وتحدثن كثيرا في أمور شتى بدأت بعﻼ‌قة كاميليا بناصر وانتهت بالحبيب المجهول ، قالت أمل وهي تضحك :
- وكيف استطعت إخفاء اﻷ‌مر عنا .. ﻻ‌ بد أنه سحرك .
تنهدت وهي تعبث بشعرها ، وقالت بأسى :
- كنت مستعدة لفعل أي شيء لينتهي بنا اﻷ‌مر سويا .. كنت سأضحي بأشياء كثيرة .. لكنه رفض فكرتي .
سألتها نسرين بخوف بان واضحا من نبرة صوتها :
- ألم تتورطي معه ؟
بلعت ريقها وأغمضت عينيها للحظة وكأنها تبتلع علقما ، ثم قالت مدافعة عن حبها :
- كنا نلتقي في مطعم المجمع وبرغم من تواضعه الشديد كان أجمل مطعم في الدنيا بالنسبة لي .. لقد عرضت عليه فكرة إيهام عائلتي بهروبي معه لنتزوج بعدها ولكنه رفض .
- ستحدث فضيحة كبيرة .. وستذهبين في ستين داهية .
لوت فمها وقالت مدافعة عن نفسها وعن حبها :
- يقول هتلر (ﻻ‌ كرامة في الحب وﻻ‌ في الحرب )
تنهدت نسرين وقالت :
- بﻼ‌ هبل .. وحاولي أن تنسي .
وقالت لها أمل موبخة :
- حبك له وصل إلى مرحلة مؤذية وكنت سترتكيبين حماقة ستدفعين ثمنها طوال حياتك .. ودعي هتلر عنك فهو انتحر في النهاية.
- لن أكون أول فتاة تتزوج بهذه الطريقة .
- تذكري بأن الحب يجب أن يرفع من شأن اﻹ‌نسان ﻻ‌ أن يفضحه .. عليك أن تعطي ناصر فرصة .. أفتحي قلبك له .
شربت كاميليا رشفة من الكوﻻ‌ وقالت بغضب :
- ﻻ‌ أستطيع أن أفتح له قلبي .. ﻻ‌ أستطيع أن أتخيل بأني سأعيش مع نذل ومنحط وسافل في بيت واحد يشاركني سريري وطعامي وحياتي .. أنا أرغم نفسي على الجلوس معه لساعة واحدة وأشعر خﻼ‌لها بالغثيان ..أكرهه وأشعر بالنفور منه .. منذ خطوبتنا وأحاديثه مقتصرة على ما يعرفه من فساد أخﻼ‌قي وانحطاط على وجه اﻷ‌رض.. ﻻ‌ يوجد فاجر في البلد ﻻ‌ يعرفه .. وﻻ‌ مدمن أو سكير إﻻ‌ والصدف جمعته به .. وﻻ‌ امرأة لم تتحرش به ولم تغازله .. والفتيات يحمن حوله وهو يصدهن كما يقول .
وشربت بقية كوﻻ‌ دفعة واحدة وقالت بقرف:
- يقول بأن أصحابه في أمريكا كانوا يدعوه إلى مﻼ‌هي القاذورات والدعارة وذهب معهم على مضض .. لقد تجرأ وقال لي بأنه شرب حتى السكر في أحد المﻼ‌هي الليلة احتفاﻻ‌ بحصوله على شهادة الماجستير .. وعندما أخبرت والدي بذلك .. قال لي بكل بساطة بأنه طيش الشباب أثناء الغربة والسفر وليس من حقي محاسبة خطيبي أو زوجي على الماضي .. لماذا يسامحون السفلة الذين يسافرون إلى الخارج والله وحده يعلم بأفعالهم هناك وﻻ‌ يسامحون على سبيل المثال امرأة مطلقة اختارت العيش بكرامة بعيدا عن رجل يسبب لها معاناة فتحيط بها الشبهات واﻷ‌قاويل .
ذرفت كاميليا مزيج من دموع الظلم والقهر واﻻ‌نكسار ، نشجت بالبكاء وهي تشعر بأن الدنيا تظلمها ، وكلما أرادت أن تبدأ حياتها بعيدا عن حبيبها المجهول تصدها . وما أخبرها به ناصر عن ماضيه جعل نظرتها سوداوية للحياة التي تنتظرها معه ، ولذا طلبت من خالها أن يسأل ويتحرى عنه لتستعد للحياة التي ستعيشها معه . بقدر ما كانت سعيدة مع عماد ، هي اﻵ‌ن تعيسة دونه . قالت لها نسرين :
- هوني عليك فﻼ‌ يوجد رجل يستحق اﻷ‌سف .
صبت لها مزيدا من الكوﻻ‌ وقالت لصديقتها بأن حبيبها المجهول كان مختلفا عن البقية واﻵ‌ن أصبح في نظرهم مثلهم ، كاذب ومخادع وحقير .
************

بدأ عماد بالخروج بصحبة خطيبته للتجول في أرقى محﻼ‌ت اﻷ‌ثاث ﻻ‌ختيار غرفة النوم ، وقع اختيار ريم على غرفة خشبية راقية بلون الخشب المعتق ، وأريكة مناسبة ومرآة كبيرة ، ومن ثم ذهبا لمحﻼ‌ت أقمشة المفروشات من أجل تفصيل ستائر مناسبة لها . وبعد ذلك عادا ﻻ‌صطحاب العمة نوره معهما لرؤية المنزل الذي كان لكاميليا واﻵ‌ن أصبح لريم ، بانقﻼ‌ب عاطفي من الدنيا التي أبت جمعهما معا . أعجب المنزل بديكوراته وأثاثه وألوانه ريم وشعرت براحة كبيرة ﻷ‌ن عماد أثثه بالكامل فهي ليست متفرغة للتأثيث وﻻ‌ تعلم بأن هناك من أسهم في تأثيثه وكان دافعا لخطيبها ليقوم بكل شيء بسرعة .

كانت ريم سعيدة بزواجها من عماد فهو شاب مثالي بنظرها ، لكنها تنزعج من بروده معها وصمته الدائم . هو سارح وﻻ‌ يحب الخروج كثيرا ويقضي وقته في العمل وقراءة الجرائد ومشاهدة التلفزيون وأحيانا يلبي دعوات رجال اﻷ‌عمال . كانت تقول ﻷ‌مها دائما بأنه جاف معها وكأنه مرغم على الزواج بها ، وأمها تطمئنها بأنه شاب خجول وفترة الخطوبة قصيرة والحب يأتي بعد الزواج ، وستعرف معنى المشاركة عندما يضمهما بيت واحد .
"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
"


الفصل 24.



( الليلة ستتزوج وسيفرح أهلها وعائلتها بزفافها حتى لو كانت مجبرة .. هل هي سعيدة بهذا الزواج ؟.. وهل ستتذكر الليلة رجﻼ‌ أحبها بصدق .. هل ستفكر بي وستتذكرني وأنا هنا واﻷ‌لم يمزقني .. هل ستسمح له باﻹ‌مساك بيدها وبتقبيلها ومداعبتها .. كيف ستكون لغيري ؟ .. متناسية كل عواطفي والحب الذي وهبته لها ) . شعر بأنه السبب فيما يحصل له لو أنه نفذ ما طلبته منه ، لو أنه هرب معها واختفيا لعدة أيام ، لو أنه قتل ابن عمها وتخلص منه ، لو أنه أمسك بيدها ورحﻼ‌ في ذلك اليوم لكانت له وحده وأصبحت حبيبته وزوجته وحياته كلها . كان يجب أن تكون له فقلبه بيتها ومكانها . يجب أن تكون له ليحبها ويعانقها ويقبلها ويسعدها بمشاعره وأشواقه ويقول لها ما لم يقوله قبﻼ‌ . هو نادم على رفضه وغروره وغبائه ، ويتجرع كأس اﻷ‌لم والهزيمة والجراح ، ويرقص على أنغام الكرامة والرجولة ، والليلة سيدفع الثمن بالكامل ..

استلقى عماد على سريره وهو يتذكر بكاء كاميليا عندما طردها وأهانها . تذكر عينيها العسليتين غارقتين في الدموع وهي تطلب منه التفكير مجددا قبل أن ينتهي كل شيء وتضيع من بين يديه . شعر بضعف وانكسار ..الوقت يمر واﻷ‌لم يزداد والدموع البخيلة تخرج بصعوبة من عينيه وكأنهما ترفضان غسل ذنوبه . شعر بالندم والسعادة التي حلم بها في الماضي تنتحر أمام عينيه وﻻ‌ يستطيع منعها . أشرقت شمس الخميس غير آبهة به وبألمه وندمه ، أشرقت تبث الضياء إلى جميع البشر وهو الوحيد يعيش في ظلمة ﻻ‌ يعرف متى تنتهي . جاءت أمه ظهرا لتوقظه ووجدته على سريره ، نائم ووجهه أصفر وعينيه نصف مغمضتين والعرق يضيء جبينه ويتأوه من التعب ، قالت له بقلق أحست به عندما رأته :
- أستيقظ يا ولدي .. الساعة تجاوزت الواحدة .
فتح عينيه بصعوبة وحرك شفتيه الجافتين متمتما بكﻼ‌م لم تفهمه ، فاقتربت منه أكثر ووضعت يدها على وجهه وجبينه ولمست حرارة جسمه المرتفعة ، وقالت :
- حرارتك مرتفعة جدا ..أنت مريض.
أسرعت تنادي نسرين وطلبت منها إحضار الماء البارد ، وجاءت بسرعة وبيدها قارورة ماء ، وقالت ﻷ‌مها :
- هو نائم بمﻼ‌بسه منذ البارحة .. يبدو مريض جدا .
وضعت أمه منشفة صغيرة مبللة على رأسه وفتحت أزرار قميصه وبللت صدره ، واتصلت بسرعة بزوجها لينقله إلى المستشفى.
في قسم الطوارئ في المستشفى الخاص والديه بجانبه والممرضات حوله ، واحدة تغرز إبرة في وريده وتمده بالمحلول السائل ، وأخرى تضع الكمادات الباردة على رأسه وتبلل وجهه وصدره ، وتقيس درجة حرارته بين حين وأخر ، جاء الطبيب وألقى عليه نظرة وذهب . قالت سميرة لزوجها بقلق :
- بقي أسبوع على زواجه وهو مريض .
تنهد اﻷ‌ب وحمد الله الذي ﻻ‌ يحمد على مكروه سواه وزوجته تقول :
- ﻻ‌ بد أنه محسود فمنذ صغره والعين تؤثر فيه بقوة وﻻ‌ يتحمل النظر .
وبعد لحظات جاءت ريم إلى المستشفى حالما سمعت بخبر نقل خطيبها ورأته وهو نائم على السرير اﻷ‌بيض وأنينه يوجع قلب أمه الجالسة بجواره تترقب وتنذر بالصدقة وقالت لريم :
- ﻻ‌ أعرف ما الذي أصابه ؟..باﻷ‌مس كان متضايقا ولم يأكل ولم يخرج من غرفته .. واليوم وجدته مريضا ويهذي من الحرارة .. لكن الطبيب اخبرنا بأنه سيتحسن حالما يستجيب جسمه للدواء .
عاد عماد لغرفته يتهادى من التعب والده ممسك به من وجهة وأمه من الجهة اﻷ‌خرى وتلحق بهم نسرين وريم . استلقى على السرير وهو يتأوه .أسندت أمه رأسه على وسادتين وغطته باللحاف وخرجت ولحق بها زوجها وابنتها . بقيت ريم معه ، جلست بجانبه على سرير وأمسكت بيده . قالت له بابتسامة :
- الحمد الله بأنك بخير اﻵ‌ن .. كنت خائفة عندما وصلت حرارة جسمك إلى اﻷ‌ربعين ولم تنخفض بسهولة .. كنت تهذي وتحرك رأسك ورجليك ﻻ‌ إراديا من شدة الحرارة .
سألته :
- هل تعرضت لهواء المكيف البارد بعد الحمام مباشرة ..أو أنك ..
تنهد وقاطعها :
- ﻻ‌ تكوني طبيبة معي يا ريم .. فما فيّ يكفيني .
اعتذرت فلم تقصد مضايقته . كانت قلقة فلم يبقى على زواجهما غير أسبوع وتريده أن يشفى . جاءت أمه وبيدها صينيه بها طبقا من شوربة الخضار الدافئة وآخر من السلطة وعصير البرتقال الطازج ، وطلبت من ريم مساعدته ، فأمسكت بالملعقة لتحثه على الشرب :
- هيا اشرب فالسوائل الدافئة ستساعدك على التعافي بسرعة .
- ﻻ‌ أريد شيئا .
أصرت ريم على تناوله الطعام فلم يشأ مجادلتها . أطعمته وأعطته دواءه وتركته مستلقيا بهدوء ، وعادت أمه بعد قليل لتبخره باللبان والحرمل وتقرأ عليه المعوذتين وآية الكرسي .
ظل مستلقيا على سريره ولم يستطيع إبعاد أفكاره عن المرأة التي يهيم حبا بها أصبحت زوجة لغيره اﻵ‌ن ، تذكرها بغصة رغما عنه ، وأغمض عينيه بألم وصورتها تمر بسرعة أمامه في مشاهد سريعة بدأت بلقائه اﻷ‌ول بها في منزل عمه عندما كان مشدودا لها ويحاول تفحصها بالكامل وكأنه يريد حفظها عن ظهر قلب ، وانتهى بلقائهما العاصف في منزلهم وهي تطلب منه مساعدتها في منع إتمام الزواج .

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
.
"""

الفصل 25

استيقظت كاميليا من نومها ولم ترى ناصر في الغرفة . غسلت وجهها وبدلت مﻼ‌بسها ونزلت الدرج ببطء متوجهة إلى المطبخ ، وهناك وجدته يجلس على الطاولة ويأكل فطوره ، قال لها :
- تعالي لتأكلي معي .. لقد طلبت من الخادمة أن تعد لنا الفطور .
عبست وجهها وقالت :
- ﻻ‌ أريد .. سأشرب الكوﻻ‌ فقط .
كان يراقبها بعينيه وهي تسكب لها الكوﻻ‌ وتجلس بعيدة عنه ، فأقترب منها وأمسك بكتفها وقال :
- مرت ثﻼ‌ثة أيام على زواجنا وأنت لم تسمحين لي باﻻ‌قتراب منك وممارسة حقي الزوجي ..لماذا هذا الدﻻ‌ل يا حلوتي ؟
استمرت بشرب الكوﻻ‌ وكأنها لم تسمعه ، فاقترب منها أكثر وقبل وجنتها ، وعندما انزعجت منه وقالت له :
- ﻻ‌ تتكلم معي بهذه الطريقة الرخيصة .. وابتعد عني فأنا متعبة .
ضحك بقوة وقال :
- اعلمي بأني سأذبح القطة الليلة .
وعاد للضحك وهو يبتعد عنها .أحست بالقرف منه وآلمتها معدتها ، ورغما عنها جاءت صورة عماد أمامها برقته ولباقته وسحره . حاولت تفادي التفكير به فبدأت تشغل نفسها باﻻ‌ستعداد ﻻ‌ستقبال صديقاتها عصر اليوم وإعداد الضيافة بمساعدة الخادمة .

جلست في صالة المنزل ترحب بأمل ونسرين ، وأخذت راحتها معهما عندما خرج ناصر . أخبرتهما بكل ما حدث ، وبموضوع القطة التي سيذبحها الليلة . قالت لها أمل :
- حاولي أن تكسبيه لتعيشي بﻼ‌ مشاكل .
بلغت ريقها وقالت بامتعاض :
- أنا أكرهه وﻻ‌ أطيق النظر لوجهه .. كلما أستيقظ من النوم وأراه يصيبني بالغثيان لذا أشرب فنجان القهوة أو كأسا من الكوﻻ‌ مباشرة .. يقول خالي سعيد بأنه يتردد على شقة مشبوهة في الخبر .
تنهدت وأكملت :
- ﻻ‌ يوجد من هو أتعس مني على هذه اﻷ‌رض .. لكن أفضل ما في هذا الزواج أنني سأتمكن من استقبال وزيارة ناهد وقتما أشاء.
قالت نسرين بجدية :
- اﻷ‌هل يغمضون عين ويفتحون أخرى على ابن العم وابن الخال .. ومن المهين أن تعيش المرأة مع رجل مكرهة .. تبا لهذه التقاليد العائلية وصلنا للقرن الواحد والعشرون ومازال أبائنا يجبروننا على الزواج بمن ﻻ‌ نريد .. أﻻ‌ يوجد من ينقذنا من اﻷ‌مراض اﻻ‌جتماعية الوراثية .
تنهدت كاميليا بحسرة وألم ، وذرفت دموعا صادقة لتؤكد على كﻼ‌مها ، فمسحت دموعها بصمت ، وأمل تهدئها :
- حاولي أن تتأقلمي مع وضعك الجديد .. وإﻻ‌ ستصابين باكتئاب إن ظللت بالتفكير بزوجك ومساؤه وبالتنقيب عن ماضيه وأخطاءه .. حاولي العيش بأقل قدر من المشاكل وﻻ‌ تزيدي التراكمات في نفسك .. ناصر قد يتغير ..أكثر الرجال لهم تجاربهم السوداء قبل الزواج .
أغمضت عينيها وقالت بمرارة :
- لو كان سيتغير لتغير مع زوجتيه السابقتين .. ذيل الكلب يبقى أعوجا وﻻ‌ يعتدل .. وإذا كان عليّ فنهايتي هي الجنون.. تعاسة وتفكير متواصل .
وطلبت منها نسرين اﻻ‌متناع عن التفكير بحبيبها المجهول ، فحاولت منع نفسها من اﻹ‌جهاش في البكاء وهي تقول :
- مازلت أفكر به .. مازلت أحبه برغم كل الذي فعله بي .. لقد كتبت له قصيدة عبر جريدة "اليوم " وأتمنى أن يقرأها ويشعر بالقليل من الكآبة التي أعيشها .
ووبختها نسرين قائلة :
- ولماذا ﻻ‌ تتركيه في حاله وتتعقلي ..أنت امرأة متزوجة اﻵ‌ن .
زمت شفتيها وقالت بإصرار وهي تمسح دموعها :
- سأرسل له الرسائل ﻷ‌نغص عليه حياته .
أرادت نسرين تغير مجرى الحديث فراحت تخبرهما :
- التقت أمي البارحة بسماح وأمها في حفل زفاف ابن جيراننا ..عادت من أمريكا ولم تتصل بنا .
لم تكن أمل مكترثة بسماح الناقمة على الدنيا والمجتمع الذي بسببه اضطرت ﻹ‌لغاء حفل زواجها وقالت :
- لقد تغيرت منذ سفرها ولست حزينة عليها . وسنبقى نحن ثﻼ‌ث منذ طفولتنا وحتى نصبح عجائز .
لم تستطيع نسرين إخفاء تأثرها واندهاشها من تصرفات سماح وعدم اتصالها بهن عندما جاءت :
- مازلت مندهشة من تصرفاتها وكأنها تريد أن تنسى حياتها الماضية وتعيش من أجل زوجها فقط .
قالت كاميليا بتأثر :
- مخبولة ..والوقت كشف حقيقة صداقتها المؤقتة .. الوقت قادر على كشف الحقائق دائما .

*****.

دخل عماد غرفته مساءا ، نظر لوجهه في المرآة بسرعة . أحس بأن مﻼ‌مح السعادة والرضا التي سكنت قسمات وجهه منذ تعرف بكاميليا قد زالت . بدل مﻼ‌بسه وجلس على السرير وبدأ يقرأ الجريدة ، وعندما أتصل به ماجد رد عليه بملل وأعتذر عن الخروج معه ليﻼ‌ ﻷ‌ي مكان . عاد إلى الجريدة وبدأ يقرأها إلى أن وصل إلى الصفحة الثقافية ،.

وزاوية (همسات من قلبي ).

"عيني لم تنساك بعد.
وقلبي لم ينساك بعد.
مازلت محفورا على عمري
مازالت مزروعا على جفني.
تشبه الريحان والياسمين
وأشجار العنب والتين.
جميل .. طاهر .. وشهي.
مازال أسمك مكتوب على جبيني.
ومرسوم بالوشم على كتفي.
وقلبك ينبض في قلبي.
ورائحتك تعطرني.
يا رجﻼ‌ يسكن في قلبي "

كاميليا الناصر.
هذه الرسالة اﻷ‌ولى .. والبقية تأتي.

كاد قلبه أن يتوقف عندما رأى توقيع الكاتبة . تنهد بقوة وهو يقرأ هذا العتاب الموجه إليه في الجريدة ، وتساءل في نفسه ( إنها هي وهذا توقيعها ماذا تقصد كاميليا بهذا الكﻼ‌م ؟ .. تريدني أن أتذكرها .. وهل تعتقد بأنني نسيتها ؟.. تريدني أن أتذكر بأني تخليت عنها وتحملني مسئولية فراقنا .. هذا ما تريده ) رن هاتفه الجوال ، وللحظة ظن بأنها المتصلة ، فأمسك بالهاتف بسرعة ورأى أسم ريم ظاهرا ، أجابها بملل وبرود:
- أهﻼ‌ ريم .
- اتصلت ﻻ‌طمأن عليك فأنت لم تتصل بي منذ اﻷ‌مس .
- كنت مشغوﻻ‌ .. هل تحتاجين إلى شيء ؟
دعته إلى زيارتها ومساعدتها في نقل ما تبقى لها من أغراض إلى منزلهما الزوجي . المنزل الذي أرادته كاميليا وساعدته في اختيار أثاثه وفرضت ذوقها فيه . أنهى حديثه معها وألقى نظرة على الجريدة وخبأها في درج مكتبه . جاءت أمه تعرض عليه مساعدته في تجميع ثيابه وأغراضه استعداد لنقلها إلى منزله الجديد ، لكنه طلب منها أن تقوم بذلك بمساعدة الخدم . دخل الحمام ليستحم وهو يشعر بالضيق ، خلع مﻼ‌بسه ووقف تحت رشاش الماء وهو يفكر بكاميليا ، ﻻ‌ بد أنه سعيدة مع زوجها وكتبت في الجريدة لتضايقه وتسخر منه . تبا لها ولليوم الذي سمع صوتها فيه وأحبها . خرج بسرعة وارتدى مﻼ‌بسه ومشط شعره وتعطر ، وركب سيارته متجها لمنزل عمته ، وهو يستمع لفيروز ..

يا قمر أنا وياك صحبة من صغرنا.
حبينا قمرنا وعشنا أنا وياك.
وياما أنا وياك .. لونا سمانا وزرعنا هوانا.
يا قمر أنا وياك ..

جلس مع ريم وهي تتحدث معه ولم يسمع ما كانت تقول . كان شاردا ومشغوﻻ‌ ، يفكر برسالة كاميليا . وبعد مدة من سرحان والسكوت المطبق طلبت منه نقل أغراضها إلى المنزل الجديد ، فذهبا سويا وفي صالة المنزل اﻷ‌نيقة قرب تمثال برج إيفل قالت له ممازحة :
- أنت ديكتاتوري .
تفاجأ من كﻼ‌مها وظل ساكتا ، فأردفت:
ﻷ‌نك اخترت كل شيء في البيت وأثثته بالكامل ولم تترك لي شيئا . زم شفتيه ثم قال بفخر :
- أﻻ‌ يعجبك المنزل ؟.. تصميمه مميز جدا ومهندس مختص أشرف على اﻷ‌ثاث والديكور ..
رفع رأسه إلى السقف وقال :
- ﻻ‌ يوجد منزل في القطيف كلها أسقفه مزينة بلوحات رسمها فنان إيطالي .. العيش في هذا المنزل يجلب السعادة .
أومأت برأسها وقالت :
- البيت جميل ومترف .. واﻷ‌هم من ذلك هو السعادة يا ابن خالي .
امتعض مما قالته وأكملت :
- إذا لم أكن سعيدة من صميم قلبي فالبيت ولوحاته وديكوراته ﻻ‌ تعني لي شيئا ..وإذا كنت سعيدة فسأرى أسوأ البيوت قصرا جميﻼ‌ .
أراد أن يقول لها بأنه لم يبني ويؤثث المنزل من أجلها ، فلقد بناه من أجل امرأة أخرى لكنه تراجع فما سيقوله سيؤذيها بالتأكيد وهي ﻻ‌ ذنب لها .

**********
جلست كاميليا تشرب الكوﻻ‌ أما شاشة التلفزيون تشاهد بعينين سارحتين وعقل مشغول وقلب وجل ، تفكر بعماد هل وصلته رسالتها في الجريدة . هل شعر بما تحسه وبعذابها ، قالت في سرها ( هو يقرأ الجريدة يوميا .. وﻻ‌ بد أن الرسالة وصلت إليه وفهمها .. وربما لم يقرأها ﻻ‌نشغاله بموعد زفافه .. تبا له وﻻ‌بنة عمته المتعجرفة التي سيتزوجها .. سأذهب ﻷ‌راه وهو بجانبها .. سأرى عينيه السوداويين وهما ينظران إليها .. وربما يقبلها أمام الناس كما قبلني تلك الليلة في باريس .. وهل سيتذكرني ..أم ..
وقطع دخول ناصر حبل أفكارها ، قال لها :
- لقد أحضرت العشاء من المطعم الذي تحبينه .. هيا تعالي لنتعشى .
سكتت عنه ، فاقترب منها وأمسك بيدها بقوة وطلب منها أن تنهض قبل أن يحملها بنفسه . ذهبت معه إلى المطبخ وبدأت تأكل بﻼ‌ شهية ، وهي تنظر له وهو يأكل بشهية مفتوحة فﻼ‌ شيء ينغص عليه حياته . سكبت لها كوبا من الكوﻻ‌ وعادت لشاشة التلفزيون ، قلبت المحطات بسرعة واستقرت إحدى المحطات الغنائية تشاهد بﻼ‌ اهتمام . وبعد دقائق جاء وجلس بجانبها ، وقال لها وهي تتظاهر بالمتابعة :
- جلبت فيلما جميﻼ‌ لنشاهد سويا .. فيلم خاص بالمتزوجين حديثا .
رشقته بنظرة حادة وقالت :
- ﻻ‌ أريد أن أشاهد شيئا .. مزاجي معكر ورأسي يلومني وأحتاج إلى الراحة . قالت جملتها ونهضت متوجهة لغرفة نومها ، فنهض ولحق بها بسرعة وحاولت أن تغلق الباب وأخبرته بأنها تريد النوم بمفردها . دفع الباب بقوة وقال لها وهو يضحك :
- تريدين التهرب مني يا صغيرة .
بلغت ريقها وقالت بحدة :
- أريد أن ارتاح بمفردي ولست مستعدة للشجار .. سأنام في الخارج ونم أنت هنا لوحدك ..
أخذت وسادتها وهمت بالخروج لكنه أقترب منها وأمسك بيديها بقوة وقال :
- سئمت من تصرفاتك الغيبة .. أنت زوجتي وستنامين معي في هذه الغرفة .. وعلى هذا السرير .
ضمها إليه عنوة وراح يلقي بقبﻼ‌ته على وجهها رغما عنها وهي تصرخ طالبة منه اﻻ‌بتعاد عنها . شعرت بالقرف ورائحة فمه النتنة تدخل أنفها .واستمرت في الصراخ حتى تعبت واستسلمت ووجدت نفسها بين ذراعيه وهو يحملها ويضعها على السرير . صرخت فيه :
- ابتعد عني .. ابتعد يا خايس .
شعرت بالغثيان وهو يجثو عليها ويحاول خلع مﻼ‌بسها . سكتت بخوف والدموع تنحدر من عينيها العسليتين ، لكنها تفاجأت عندما نهض فجأة وارتدى مﻼ‌بسه وأخذ علبة السجائر وخرج . نهضت وراءه وأغلقت الباب براحة ونامت وهي تشكر ربها وهي تشكر ربها على ما حصل .

"
 

أمير ورد

¬°•| مشرف سابق |•°¬
إنضم
1 يناير 2013
المشاركات
854
متابـــــــــــــــــــــــــع

جميلة القصة ..تحاكي أدق التفاصيل ... وأللي يقرأها يعيش في جوها وبين كلماتها كأنه أحد أبطالها

رائعة أنتي باختيارك أخيتي .... واصلي الابداع ...
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
متابـــــــــــــــــــــــــع

جميلة القصة ..تحاكي أدق التفاصيل ... وأللي يقرأها يعيش في جوها وبين كلماتها كأنه أحد أبطالها

رائعة أنتي باختيارك أخيتي .... واصلي الابداع ...





حيالله بأخوي العزيز

شــٍَّـٍَّـٍَّـٍَّــٍَّـٍَّـٍَّـكراٍَّ لمتابعتك لنا
لا عدمنا هالطلة
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
"
الفصل 26.


وقفت أمام المرآة تلقي على نفسها النظرة اﻷ‌خيرة قبل أن تخرج من البيت متجهة إلى الفندق حيث يقام زفاف عماد . رشت المزيد من نفحات عطر " ألور" الذي استخدمته للمرة اﻷ‌ولى عندما أهداها إياه ، ومن يومها أصبح عطرها المفضل . وضعت اللمسات اﻷ‌خيرة على شعرها وماكياجها وهي تشعر بألم يعتصر قلبها وتتخيله مع زوجته المتعجرفة . أحست باﻷ‌لم يصل إلى رأسها وفكرت بالتراجع عن الذهاب فهي تخشى أن يغمى عليها إذا رأته ، ولكنها ﻻ‌ تستطيع فنسرين وأمل صديقتيها وﻻ‌ تستطيع التخلف عن الذهاب . كانت على وشك البكاء عندما أحست بدوار فجلست على اﻷ‌ريكة المجاورة لسريرها وناصر يفتح عليها باب الغرفة ويقول لها بلهجة غير موزونة عرفت من خﻼ‌لها بأنه أسرف في الشرب قليﻼ‌ :
- تتأنقين من أجل الزفاف وأنا تتجاهليني .
تأففت وراحت ترتدي عباءتها بصمت ، فقال لها :
- ﻻ‌ تخلعي عباءتك في الفندق ففستانك يكشف أكثر مما يستر .. ألم تجدي غيره .. سيصورونكِ في الفندق وعندها تكون الفضيحة فلقد رأيت بنفسي نصف فتيات البلد .
نفذ صبرها فقالت له بغضب :
- أوﻻ‌ المﻼ‌بس المكشوفة والتي تظهرني مثيرة تعجبني وأحب ارتداءها .. وثانيا ﻻ‌ شأن لك بي فمن تظن نفسك ؟
ضحك وهو يقترب منها وقال :
- أنا زوجك ولي الحق بمنعك من لبس هذا الفستان العاري .
صرخت به قائلة :
- وأنت تعرف بأني تزوجتك رغما عني .. فعلت المستحيل لتﻼ‌في هذه المصيبة ولكن دون جدوى ..أنا أكرهك وﻻ‌ أتحمل البقاء معك ..أنت ﻻ‌ تحترمني وأصبحت تأتي إلى المنزل والسكر أفقدك توازنك .. طلقني ودعني أعيش بهدوء .. عليك أن تفهم بأنك تعيش مع امرأة أجبرها أبوها على الزواج بك باﻹ‌كراه .
غضب ناصر لكﻼ‌مها واقترب منها وأمسك بذراعها بيد ، وجهها باليد اﻷ‌خرى وقال لها وعينيه ستخرجان من محجرهما :
- ﻻ‌ تحسبي فشلي في معاشرتك دليﻼ‌ على ضعفي .. لن أطلقك يا غبية .. ولو علم أحد بما جرى بيننا سأقطع لسانك ..
وتغيرت نبرة صوته وهو يعيد على مسامعها بتهديد بأن ما يحدث في غرفة النوم يبقى فيها . شعرت بالخوف أكثر وهو يقول لها :
- أذهبي مع أهلك إلى العرس وعودي معهم .. والليلة لنا موعد جديد .
وطلب منها أن تعطي وجهها المزين عندما تخرج ، فردت عليه بحدة :
- ﻻ‌ شأنك لك بي .
جلست تنتظر أمها وأختيها لتذهب معهن إلى زفاف حبيبها ، شعرت بالحاجة ماسة للبكاء بقوة ، ولكن وصول أمها وأختها أنقذها.
دخلت القاعة المزينة بالورود والشموع ، وصوت الموسيقى يصدح بفرح وطرب ، ورائحة البخور تعطر المكان . خلعت عباءتها ونظرت إلى نفسها في المرآة . بدت جميلة ومثيرة وتعيسة وتشعر بغصة تكتمها في قلبها رغما عنها ، فلقد أوصت قلبها بالصبر والتحمل . فهذا الحفل الذي تحضره ليس كباقي الحفﻼ‌ت ، هذا حفل زفاف عماد . سلمت وباركت على أمه وعمته ، وندى ونسرين وبقية أفراد العائلة واختارت لها مقعدا مع أمها وأختيها على إحدى الطاوﻻ‌ت اﻷ‌مامية . كان كل شيء يدل على الرفاهية والترف ، الطاوﻻ‌ت مزينة بمفارش راقية وورود ملونة وشموع ، والمضيفات يوزعن الهدايا التذكارية والشوكﻼ‌تة الفاخرة على المدعوات .

جلست تراقب نسرين وأمل وهما ترقصان ، وجاءت أم عماد تدعوها إلى الرقص معهما ، فاعتذرت منها بحجة كونها عروس جديدة أيضا . ظلت شاردة حتى جاءت من تحمل أسم حبيبها اﻵ‌ن ، جاءت من ستكون زوجته وستعيش معه تحت سقف واحد ابتداء من الليلة . ستسكن في البيت التي هي صممته وفرضت ذوقها في اﻷ‌ثاث واﻷ‌لوان . هي زوجته اﻵ‌ن وستعطيه كل شيء لتكسب حبه فهو يستحق . تنهدت بأسى والمتعجرفة ريم تقترب أكثر وتجلس على المنصة الفخمة ، والجميع يعانقها ويهنئها .

رقص الجميع على أنغام الموسيقى والغناء ورقصت ريم بسرور مع صديقاتها وقريباتها . لم تتحرك كاميليا من مكانها وظلت تشرب العصير وتراقبهن بألم ، فهن يرقصون فرحا لزواج عماد وريم ، ونهاية سعادتها هي . يرقصن على جرحها وألمها وتعاستها . أحست بأن نار تعتمل في قلبها وكلما مر الوقت زاد الجمر اشتعاﻻ‌ . في الواحدة والنصف فجرا أعلن بأن عماد سيدخل القاعة .إرتعشت أوصالها ورجف قلبها .إرتدت عباءتها ولفت على رأسها حجابها وتنقبت ولم تظهر غير عينيها . لم تكن تريده أن يراها في حفل زواجه فيتجاهلها . وستكتفي برؤيته مع عروسه دون أن يراها أو يميزها . دقائق وعماد بكل وسامته وجاذبيته وثقته بنفسه يقف عند البوابة وأمه وأختيه وقريباته خلفه ، لم تصدق عينيها فهو يبدو أنيقا وهو يرتدي الثوب والغترة ويضع البشت اﻷ‌سود على كتفيه . كان يمشي الهوينى وريم واقفة على المنصة تنتظره وعينيها عليه وابتسامة السعادة تعلو وجهها .

انحدرت الدموع من عيني كاميليا العسليتين ، ولم تستطيع التحمل أكثر وحبيبها يقترب من زوجته ويقبل رأسها أمام الناس ويجلس بجانبها . الرجل الذي كانت تحلم به والذي وعدت نفسها بأن يكون لها ، أصبح لغيرها اﻵ‌ن ناسيا كل شيء كان بينهما . كانت قريبه منه ، وبعيدة في نفس الوقت . لمحت خاتمه الفضي بفصه الياقوتي الجميل وتحسست خاتمها الذي أهداها إياه ليوصل مشاعرها به والدموع تتساقط من عينيها العسليتين بكل حسرة . كان الرقص دائر على أشده نهضت من مقعدها وطلبت من السائق الذي ينتظرهن بالخارج إعادتها إلى المنزل . لم تكن قادرة على الصمود أكثر وعينيها تدمع وقلبها يعتصر من اﻷ‌لم . وطوال الطريق من الخبر إلى حي الجزيرة كانت تبكي بحسرة وألم وتتذكر كﻼ‌م عماد ووعوده ، وورود الكاميليا البيضاء وزجاجات عطر "ألور " المتراكمة في خزانتها . كيف تمكن من نسيان حبها بسهولة وكأنه لم يحبها ولم يعرفها يوما .

دخلت المنزل بدموعها ، ارتمت على سريرها وبكت بحرقة بالغة ، وصورة عماد ووعوده وكﻼ‌مه تمر في ذاكرتها وتعذبها . رائحة " ألور " والياقوت اﻷ‌حمر جعﻼ‌ها تبكي كما لم تبك قبﻼ‌ في حياتها . أفرغت ما في قلبها من ألم ودموع وقهر . ﻻ‌بد أنه نسيها ليتمكن من اﻻ‌بتسام أمام زوجته بكل الفرح الظاهر عليه. هو لم يحبه أصﻼ‌ لكي يتذكرها ، كان كاذبا ووغدا وسافﻼ‌ كبقية الشباب . دخلت إلى الحمام ومﻸ‌ت المغطس بالماء الدافئ وسكبت فيه علبة الرغوة بكاملها . بقيت لبعض الوقت حتى هدأت نفسها قليﻼ‌ وهي تحاول منع نفسها من التفكير بعماد وما يفعله اﻵ‌ن مع زوجته .

شعرت بالقليل من الراحة وهي تمسح زيت الشاي اﻷ‌خضر على بشرة جسمها . ارتدت مﻼ‌بسها وجلست على اﻷ‌ريكة وهي مازالت تفكر به .كانت تشعر بيأس كبير لذا نهضت لتخرج علبة سجائر خاصة بناصر . كانت مستعدة لفعل أي شيء لترتاح وتنسى عماد . أشعلت سيجارة وبدأت تسحب نفسا قويا تلو اﻵ‌خر وبالمقابل تسعل بقوة . كانت تفكر بعماد وكيف سيقضي ليلته مع زوجته . شعرت بأنها ستختنق فأطفأت السيجارة ونهضت إلى المطبخ . ابتلعت قرصين مسكنين وعادت لغرفتها استلقت على السرير لتفكير بعماد من جديد .

********.

استيقظت ريم من نومها ظهرا بينما ﻻ‌ يزال عماد نائما . استحمت وهي تفكر بتصرفه معها البارحة ، لماذا تصرف معها بﻼ‌ مباﻻ‌ة ؟ . تجاهلها في ليلة زفافها ، لم يقترب منها ولم يبح لها بحبه وأشواقه ولهفته ولو كاذبا ، لم يجاملها ولم يداعبها ولم يقبلها كأي عروسين ، كانت ليلتهما باردة . إرتدت ثوبا قصيرا ومكشوفا ، واقتربت منه وأريج عطرها يسبقها . أيقظته من نومه ، فنهض بصمت واستحم بسرعة وارتدى مﻼ‌بسه ، وعندما خرج من غرفة النوم وجدها جالسة في الحديقة الداخلية أمام بركة السباحة . جلس بقربها وسألها :
- هل أنت جائعة ؟
- ليس كثيرا .
دعاها لتناول الغذاء في المطعم اللبناني وبعدها يذهبا لمنزل والديه فوافقته وطلبت منه أن تذهب لمنزل والديها أيضا . نهض ومد لها يده ، كانت سعيدة ﻷ‌نه أمسك بيدها ومشى معها لغرفتهما وانتظرها حتى ترتدي عباءتها وتأخذ حقيبتها ، فهذه أول مرة يفعل ذلك منذ عقد قرانهما ، حتى عندما خرجا من الفندق بعد نهاية الزفاف لم يمسك بيدها كأي عروسين .
وصﻼ‌ إلى المطعم بعد ساعة من الصمت ، قضياها في السيارة من القطيف إلى الخبر . جلسا متقابلين واختار ما سيأكﻼ‌ن . وأثناء انتظارهما للطعام ، تذكر كاميليا وصوتها وضحكاتها وعينيها وحبة الخال في زاوية فمها . أحس بأنه يحبها أكثر من الماضي ، ربما ﻷ‌نها بعيدة عنه ومتزوجة من أخر . تذكر ليلة البارحة بكل رفاهيتها وبهجتها بالنسبة للجميع سواه . تنبه على آهة حزينة أطلقتها ريم من قلبها ، قالت له :
- ما بك ؟.. ولماذا هذا الضيق البادي على وجهك المتجهم .
سكت للحظات وهو يستشعر غضبها منه وكأنها تقرأ بحدسها بأنه مشغول عنها ويفكر بامرأة أخرى في اليوم الثاني لزفافها ، قال لها :
- أشعر باﻹ‌رهاق .
وسكت للحظة ثم سألها :
- متى ستعودين إلى العمل في المستشفى ؟
تضايقت أكثر لسؤاله فقالت له :
- ألم تجد ما تحدثني به غير العمل .. أنا في أجازة لمدة شهر ..
وقطع صوت النادل كﻼ‌مها عندما جاء يطلب اﻷ‌ذن بوضع الطعام .

****************.

جلست ريم مع أمها في المطبخ بعيدا عن عماد الجالس في الصالة مع عصام وأمل ، واستشفت ضيق ابنتها ، فسألتها بقلق :
- لم تبدين حزينة ؟.. هل ضايقك عماد بشيء ؟
نزلت دموعها من عينيها وقالت :
- تجاهلني البارحة .. أحسه حزينا وشاردا ومهموما .. لقد تعودت على قلة كﻼ‌مه وجديته الزائدة منذ عقد قراننا .. ولكنه أزعجني بعدم اهتمامه بي ..
وسألته أمها :
ألم يقترب منك ؟
سكتت وهي تشعر باﻹ‌حراج ، فعاودت أمها الكﻼ‌م :
- ﻻ‌ تكوني محرجة ... هل أقترب منك البارحة أو اليوم كزوج ؟
هزت رأسها نافية ، وقالت :
- هو لم يبارك لي الزواج كحد أدنى .. ذهبت لغرفة المﻼ‌بس ﻷ‌خلع فستاني وعندما عدت للغرفة وجدته مستلقيا على السرير يتظاهر بالنوم ..
طلبت منها أن تنتظره ليومين ودعتها لشد انتباهه :
- تدللي عليه وارتدي المﻼ‌بس المثيرة وحاولي أن تكوني قريبه منه .
وسكتت للحظة ثم قالت :
- عصام كان منسجما مع أمل في فترة الخطوبة وأنهيا أمورهما منذ الليلة اﻷ‌ولى .

أنهت ريم حديثها مع أمها وتوجهتا للصالة حيث يجلس عماد مع عصام وأمل ، واندهشت عندما رأت زوجها يضحك مع أمل بتلقائية وراحة دون تكلف كما يتحدث معها . جلست مع أمل تتحدثان في ترتيبات احتفال اليوم الثالث للزواج الذي ستقيمه سميرة ، وستقيم عشاءا دعت إليه النساء الﻼ‌تي لم تدعوهن في الفندق ﻷ‌نهن لم يكن بالمستوى النخبوي المطلوب .

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
"
الفصل 27.

جلست سميرة تشرب الشاي مع زوجها بعد إفطارهما في ليلة الناصفة ( النصف من شهر رمضان ) وهما يأكﻼ‌ن السكسبال المحمص ( الفول السوداني ) ويشاهدان مسلسل طاش ما طاش . جاءت نورة لزيارتها ، جلست معها لبعض الوقت وبعد أن أصبحتا وحدهما ، سألت زوجة أخيها إذا ما تحدثت مع عماد عن عﻼ‌قته بريم فقالت :
- سألته عدة مرات فقال لي بأن كل شيء على ما يرام .. عماد متكتم. تنهدت نورة وقالت :
- هذه ليست الحقيقة .. فأمورهما ليست جيدة .. عماد يتجاهل ريم وهي تشكو من قلة اهتمامه بها وكأننا أجبرناه على الزواج .. هو حتى اﻵ‌ن لم يدخل بها وﻻ‌ شيء بينهما .
شهقت سميرة وقالت :
- ﻻ‌ أصدق .. لقد مر أسبوعين على زواجهما .. لماذا لم يدخل بها حتى اﻵ‌ن .. هل تشاجرا ؟
- عماد بالكاد يتحدث معها .. فأي شجار سيحدث بينهما ..
سكتت سميرة للحظات مصدومة من ما سمعته ، ثم قالت :
- سأتصل به اﻵ‌ن وسأتحدث معه بصراحة .. فما يفعله بالفتاة غير مقبول .. الليلة سيدخل بها وسيكون لطيفا معها رغما عنه .. بعض الرجال يتأخرون ليلة أو اثنتين.. ولكني لم أسمع بهذا أبدا .
وبعد أن خرجت نورة، اتصلت سميرة بابنها تطلب منه أن يأتي لزيارتها . جاءها بعد ساعة وقد بدأ اﻷ‌طفال يتجولون في الحي يحملون أكياسهم ويطرقون أبواب البيوت ليأخذوا نصيبهم من السكاكر والحلوى واﻷ‌لعاب والمكسرات وباﻷ‌خص السكسبال . طلبت منه الجلوس لوحدهما في المجلس وسألته بابتسامة مصطنعة:
- ألم تحمل ريم بعد ؟.. أريد أن أرى حفيدا منك .
رفع حاجبيه وقال مستنكرا :
- تزوجنا منذ أسبوعين فقط وتسألين عن الحمل .
زمت شفتيها وأخبرته بأن الكثيرات من النساء يحملن من اﻷ‌يام اﻷ‌ولى ، ففرك جبينه بإصبعه وظل ساكتا فباغتته أمه بالسؤال :
- كيف هي أموركما ؟
بلع ريقه وتمتم لها بأنهما بخير ، فاخترقته وكشف كذبه بعينيها القويتين :
- لكن ريم تقول كﻼ‌ما مختلفا .. أنت لم تدخل بها حتى اﻵ‌ن !
- هل أخبرتك ؟
وبنبرة قوية قالت :
- لماذا لم تدخل بها حتى اﻵ‌ن ؟..أتظن بأن الفتاة تركت منزل والديها وتزوجتك لتتجاهلها وﻻ‌ تسأل عنها فشلتنا .
تنهد وسكت ﻷ‌نه ﻻ‌ يجد ما يقوله فغيرت أمه نبرة صوتها وقالت له آمرة :
- الليلة كل اﻷ‌مور ستتغير وغدا صباحا سأتصل بريم ﻷ‌طمأن .
تأفف وطلب منها أن ﻻ‌ تتدخل في أموره الخاصة . غضبت منه وقالت :
- ما تفعله مهزله .. ما الذي يحدث لك ولماذا ﻻ‌ تصارحني ؟ .. كن لطيفا مع زوجتك والحب سيأتي تدريجيا .
- أنا ﻻ‌ أشعر بأي شيء تجاهها .
- لم يكن والدك يذوب تحت قدمي عندما تزوجنا ولكن اﻷ‌مور تغيرت مع الوقت .. أذهب لزوجتك اﻵ‌ن وعاملها بلطف وﻻ‌ تكن جلفا وغليظا .
سكت للحظات ثم قال :
- ﻻ‌ أستطيع فعل شيء ﻻ‌ أشعر به.
وبصرامة قالت :
- معظم الرجال يفعلون وﻻ‌ يشعرون .
سكتت للحظات وعينيها السوداويين تحدق بعينيه :
- ﻻ‌ أريد لقصتك مع سوسن أن تتكرر .. تلك كانت قبل الزواج أمام الناس واﻷ‌مر مختلف .
وأكملت بحدة :
- إذا أخبرتني ريم غدا بأنك لم تدخل بها فسأخبر والدك وعندها ستصبح مهزلة أمام الجميع وربما تخبر ريم والديها .. فماذا سيقولون عنك .. هل فهمتني ؟

خرج عماد من منزل والديه عائدا لمنزله . لم يكن يريد الذهاب مباشرة فأخذ جولة سريعة في شارع القدس المليء بالمحﻼ‌ت ومراكز التجميل واستوديوهات التصوير النسائية. مر بالمجمع التجاري وتذكر لقاءاته بكاميليا . أنعطف يسارا وعبر شارع الملك عبد العزيز المزدحم والمعروف بشارع المطاعم وأمضى بعض الوقت وهو يفكر في ريم . كان عابسا ولكنه ضحك رغما عنه عندما التقى بالفتى اﻷ‌بله الذي طلب منه رياﻻ‌ فأعطاه عشرة ولم يقبلها فهو ﻻ‌ يريد إﻻ‌ رياﻻ‌ واحد . مشى عنه وذهب لمنزله وجد ريم جالسة في الصالة تشاهد التلفزيون . أراد أن يوبخها لحديثها مع أمه ولكنه تراجع ، وﻷ‌ول مرة أحس بأنه يظلمها فهي ﻻ‌ ذنب لها بهاجسه بامرأة يحبها ولم تكن له . جلس بالقرب منها وقال لها بابتسامة :
- ما رأيك لو نذهب إلى السوق اﻵ‌ن .. وبعدها نتسحر في أحد المطاعم .
ابتسمت وقالت بلطف :
- ﻻ‌ مانع لدي ..أود الخروج معك .
أمسك بيدها وقربها لشفتيه وطبع عليها قبلة وطلب منها أن تستعد . ظلت في مكانها غير مصدقة فسألته :
- هل أنت متأكد ؟.. فهذه المرة اﻷ‌ولى التي تدعوني فيها إلى الخروج .
اقترب منها أكثر ونفذت ﻷ‌نفه رائحة عطرها وقال لها :
- طبعا متأكد .. قد أكون قليل الكﻼ‌م وﻻ‌ أعبر عن مشاعري ولكني لست سيئا .. أصبري علي قليﻼ‌ .
نهضت وهي تمسك بيده ، وبدت له جميلة ومثيرة فأحاطها بذراعه وطبع قبلة أخرى على خدها ، لم يشعر بنفسه إﻻ‌ وشفتيه تبحثان عن شفتيها . قبلها وهي مازالت تحت تأثير الصدمة من تغيره المفاجئ فلقد كانت بين يديه ﻷ‌سبوعين ولم يفكر باﻻ‌قتراب منها برغم كل الذي بذلته في إغراءه . أمسك بيدها وذهبا سويا لغرفة نومهما ولم يذهبا إلى السوق .

*****.

عادت كاميليا من منزل خالها ليﻼ‌ بعد أن قضت مع ناهد وقتا طويﻼ‌ في الحديث وأعطتها الهمسة الثانية التي سترسلها لعماد . ذهبت إلى المطبخ مباشرة وأخذت كأسا كبيرا وضعت فيه عددا من مكعبات الثلج ومﻸ‌ته بالكوﻻ‌ ، وعندما همت بالخروج جاءتها الخادمة وهي مرتبكة وخائفة ، أخبرتها بأن ناصر جاءها في غرفتها وأراد الجلوس والحديث معها . تذكرت أن اليوم الثﻼ‌ثاء وهو موعد عودة ناصر من عمله . سألت الخادمة عنه فأخبرتها بأنه خرج من المنزل . توجهت لغرفتها وألقت عباءتها جانبا . جلست على السرير تشرب الكوﻻ‌ وأفكارها المتطايرة تقلقها . فكرت فيما قالته الخادمة عن ناصر ، وبسرعة أنتقل تفكيرها لعماد وكأن المقارنة تفرض نفسها عليها . شهرين مضيا منذ أخر مرة رآته فيها في ليلة زواجه . شغلت نفسها بقراءة المجﻼ‌ت وقطع دخول ناصر خلوتها ، أقترب منها وقال بابتسامة أرعبتها :
- لدي حبوب جيدة وسأبتلع واحدة اﻵ‌ن لكي ...
ابتعدت عنه وراقبته وهو يخرج من جيبه حبة زرقاء صغيرة ابتلعها وقال لها :
- سيبدأ مفعولها بعد نصف ساعة وس...
قاطعته قائلة :
- أدلف عن وجهي .. لقد أتعبتني بمحاوﻻ‌تك الفاشلة .
- لن أبتعد فأنتِ من حقي ..أنتِ زوجتي .
وشدها من يدها وراح يرعبها من جديد وقاومت كالعادة وما لبثت أن استسلمت بعد مدة وجيزة . بكت وهي تراه ينهض من السرير ويخرج بعد أن تكررت هزائمه أمامها ولم تنفعه الحبة التي جلبها ..

"
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
شكرا لكل من مر من هنا

سأضع الفصول لهذا اليوم

انتظروني
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه

الفصل 28


أمطرت سماء عينيها العسليتين وهي مستلقية على سريرها وناصر بجانبها . نام بعد أن أرهبها بصراخه واتهاماته بأنها السبب في فشله ، وتجرأ وضربها هذه المرة . بكت بمرارة وتذكرت عماد وقسوته عليها يوم ذهبت لزيارته . ليتها لم تذهب ولم تذل نفسها أمامه .أحست بالندم والألم وهو يأكل روحها ويتعبها وأثر الضربة القوية التي وجهها ناصر تؤلم كتفها تمنت لو تخنقه وهو نائم وتتخلص منه لكنها لم ترد ارتباك حماقة فخرجت من الغرفة بدموعها وبكائها . جلست على إحدى الكنبات تعبث بجهاز الكمبيوتر المحمول الذي تستخدمه نادرا وهي تفكر بترك المنزل بعدما حدث والذهاب لمنزل والديها ولكنها أيقنت بأن والدها سيعيدها رغما عنها . لم تكن تذهب لمنزل والدها كثيرا لإحساسها بأنه خرجت منه بإذلال وذهبت لتعيش مع ناصر رغما عنها . شعرت بكآبة وحزن عميقين ، وفكرت بزيارة طبيب نفسي أو استخدام أي دواء قد يريحها مما تعانيه وأخيرا غفت على الكنبة بعد أن قضت ليلة حزينة واستيقظت وهي تفكر به .

*********

كان عماد يقود سيارته متوجها لمزرعته بعد عودته من الشركة مباشرة فزوجته ستبقى في المستشفى مناوبة لأربع وعشرون ساعة ، كان يسير بسيارته بمحاذاة شاطئ الخليج في سيهات يستمع لفيروز تغني ...

" ع هدير البوسطة الكانت ناقلتنا
من ضيعة حملايا على ضيعة تنورين
تذكرتك يا عليا وتذكرت عيونك
يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين "

وصل إلى القطيف وسلك الطريق المؤدية إلى المزرعة بسمائها الصافية التي تزينها الطيور البرية . دخل إلى الاستراحة بدل ملابسه ووضع القبعة على رأسه واتجه مباشرة إلى إسطبل الخيول . سرج خيله وركبها وراح يمشي ببطء ونسمات الهواء الجافة تداعبه والشمس توشك على الغروب لتأذن بحلول الظلام . صلى المغرب واستلقى على الأرض وهو يشعر بالراحة لوجوده وحده ، لا يعكر صفوه أحد وهو في حالة هدوء وتصالح مع نفسه ، وعندما اتصلت به ريم لم يجبها رغم اتصالها المتكرر .

*******

عادت ريم من المستشفى صباح اليوم التالي منهكة بعد انتهاء مناوبتها الحافلة بالكثير من العمل وعدد كبير من الولادات في الليل . لم تجد عماد في البيت ولا نائما في سريره ، فاستحمت واتصلت به عدة مرات لم يرد عليها . شعرت بالغضب فهي لا تعرف عنه شيئا منذ الأمس وإحساسها يخبرها بأنه يتعمد تجاهلها . ارتدت عباءتها وأمرت السائق بالتوجه لمنزل والديها . ذهبت بدموعها وغضبها واستياءها من زوجها الذي لا يهتم بها وهم في الأشهر الأولى لزواجهما ، كم هي بداية تنبئها بحياة باردة وتعيسة وخالية من الحب والعاطفة . تمنت لو تعرف ما الذي يشغله عنها ولماذا يتجاهلها . لم تعلم بأنه يعيش بأفكاره وذكرياته مع امرأة أخرى . لم تتمنى شيئا كما تمنت أن تفتح قلبه وترى ما فيه فربما تفهم أسباب بعده وبروده . لو فتحت قلبه لوجدت كاميليا مستلقية بأريحية وهدوء . وكما هي تعيش في عذاب من جراء تجاهل زوجها فحبيبته تعيش عذاب أيضا . هم الثلاثة يشتركون في عذاب واحد . وجدت أمها في المطبخ ، وسرعان ما هبت لها عندما رأتها تدخل بدموعها . بكت على كتف أمها بحرقة وهي تقول :
- لا أعرف عنه شيئا منذ الأمس .. هو لا يهتم لأمري ولا يحبني .. اتصلت به عدة مرات ولم يكلف نفسه عناء الإجابة علي كما أنه نام خارج المنزل .
- ألم تتحسن طريقته في التعامل معك .
- هو لا يعرف عني شيئا .. نحن نعيش كغرباء في بيت واحد .. ولا يتذكرني إلا في غرفة النوم .
رن هاتفها الجوال كان المتصل عماد فآثرت عدم الرد عليه لكن أمها طلبت منها إجابته ، فردت على مضض :
- آلو .. أين كنت منذ الأمس .. ولماذا لا ترد على اتصالاتي ؟
- أنا في المزرعة وسأعود بعد آذان المغرب .. هل عدت من المستشفى ؟
- عدت قبل قليل وأنا في منزل والدي .. وعندما تعود من المزرعة تعال هنا لنتفاهم .
أغلقت الهاتف وراحت تمسح دموعها وهي تقول لأمها :
- لماذا تزوجني إذا كان لا يريدني ؟ .. أنا السبب رفضت الذي يحبني وتزوجت من لا يحبني .
اقترحت عليها أمها الذهاب لامرأة مكشوف عنها الحجاب لتعرف سبب جفاء زوجها ، فقالت لها :
- لن أذاهب لأي مكان فهذا ما كان ينقصني .. أذهب للمشعوذين ليحلوا مشاكلي الزوجية .
- أم يوسف ليست مشعوذة .. هي ستقرأ القرآن الكريم وستقول لنا عن السبب الذي يجعل عماد بعيدا عنها .
شعورها باليأس جعلها تردد فقالت :
- أنا الدكتورة ريم أذهب للمشعوذات وأرى لماذا زوجي لا يحبني .

وافقت ريم بعد أن أقنعتها أمها بأنها لن تخسر شيئا ولن يتعرف عليها أحد ، وذهبت معها بالسيارة إلى المنزل تلك المرأة الكائن في أحد أحياء " حلة محيش " القديمة والمتهالكة . توقفت السيارة في بداية الشارع الضيق ومشيا بسرعة متجهين لمنزل أم يوسف . كانت ريم خائفة وهي تنظر إلى البيت القديم الذي توقفت أمها عند بابه ، بدا مخيفا ورائحة كريهة تنبعث منه . رفضت الدخول وأرادت العودة إلى السيارة لكن أمها أمسكت يدها بقوة ودخلت بصحبتها . جلسا في الصالة حيث تجلس عدد من النسوة المنقبات ، وكل واحدة تدخل لغرفة أم يوسف حسب دورها . تفاجئت ريم من وجود عدد من الفتيات الصغيرات يخرجن من غرفة أم يوسف . وجاء دور ريم فدخلت مع أمها إلى الغرفة ووجدت أم يوسف مختلفة عن الصورة التي رسمتها لها . وجدتها امرأة تبدو في الأربعين من العمر ، وتجلس على مكتب وأمامها مصحف كبير وعدد من الأوراق البيضاء ودفتر صغير وجهاز كمبيوتر . قالت أم يوسف :
- أنا لا أستقبل سوى الحالات الطارئة يومي الخميس والجمعة .. من منكما بحاجة للمساعدة .
أجابت أم عصام :
- ابنتي .. تزوجت من قريبها منذ عدة أشهر لكنه لا يهتم بها ويتجاهلها .. هو بعيد عنها ويعيشان كغريبين في بيت واحد .
- ما هو أسم ابنتك ؟.
- ريم بنت نورة .. وزوجها عماد ابن سميرة .
كتبت المرأة الأسماء على الورقة وفتحت القرآن الكريم وقالت :
- سورة الطور .
وسكتت للحظات ومن ثم سألت ريم :
- هل كنت تريدين الزواج بآخر ؟.. أو مترددة بينه وبين آخر .
سكتت ريم مندهشة من الكلام المرآة وأجابت أمها نيابة عنها :
- تقدم لها عماد وشخص آخر في الوقت ذاته .. وابنتي ترددت ومن ثم اختارت عماد .. وهي تشكو من تجاهله لها من خطوبتها وحتى الآن وهو لم يتغير .
- يبدو لي بأن فتاة من عائلة زوجك تريد الزواج به ولذا عملت له عملا ليصده عنك ، وأسمها من أربعة أحرف.
أجابت أم عصام :
- من أين جاءت هذه الفتاة .. في عائلته لا توجد بها فتاة غير متزوجة سوى أخته .
أطرقت المرآة مفكرة ثم قالت :
- إذا عماد يعرف امرأة من خارج البلاد وهي من عملت له العمل .. ولدي علاج مناسب لمثل هذه الحالة .. والعلاج يبدأ بألف وخمسمائة ريال .
أخرجت نورة من حقيبتها ثلاثمائة ريال وأعطتهم للمرأة وعادتا إلى المنزل جلستا في الصالة وقالت ريم لأمها :
- إنها كاذبة .. وغير موضوع ترددي بين عماد وعادل لم تنطق بكلمة صحيحة .. وأي فتاة هذه التي تريد الزواج بعماد؟. كما أنه لا يسافر إلى الخارج وحده .. هذه المرأة محتالة .. كيف وافقتك على الذهاب لها .
بقيت ريم مع أمها تنتظر عودة عماد لترى ما ستفعله معه . أقنعتها أمها أن لا تتحدث معه إلا في بيتهما ، وعندما جاء أصطحبها إلى المنزل وهو يعرف بأن شجارا ينتظره . جلسا في الزاوية الفرنسية . ظلت ريم صامتة ومستاءة وهو لا يعرف كيف يبدأ بالحديث معها ، فقال لها بأنه قضى وقتا ممتعا في المزرعة ودعاها للذهاب عصر الغد ، فردت عليه بحدة بأنها لا تريد الذهاب معه لأي مكان . وسألها ببرود :
- ولماذا أنت غاضبة ؟
اقتربت نحوه وأجابته وقد أغاظتها لا مبالاته :
- لأنك ذهبت إلى المزرعة ونمت هناك ولم تكلف نفسك عناء إخباري .. كنت أتصل بك ولا تجيبني . تأفف وقال لها بضيق :
- لديك مناوبة في المستشفى فماذا تريد مني ؟
فاجأته بسؤالها والدموع أندت عينيها :
- لماذا تزوجتني يا عماد ؟
كررت عليه السؤال مرة أخرى وسكت وهو يتأمل وجهها وهو يحمر . بلع ريقه وقال لها بهدوء محاولا التملص من الإجابة :
- ولماذا يتزوج الناس ؟!
كانت على وشك البكاء عندما صرخت :
- يتزوجون ليحبوا بعضهم ويعيشوا بهناء واستقرار ويكونوا عائلة جديدة .. لا ليتجاهل الزوج زوجته ويدير لها ظهره .. لم أتخيل بأني سأعيش معك حياة زوجية تعيسة كحياتي هذه .
كان مصدوما من كلامها فسألها :
- وهل أنت تعيسة معي ؟
- نعم .. وهذا البيت الكبير ولوحات الرسام الإيطالي الذي أعطيته الآلاف لا تعنيني .. أنا أحب الرفاهية لكني أفضل السعادة عليها .. منذ خطوبتنا وأنا لأشعر بغير الغم والكآبة .
وبكت بقوة وهي تقول له :
- لماذا تتجاهلني .. ولماذا تزوجتني إذا كنت لا تريدني ؟.. لو تزوجت بابن عمي عادل الذي يحبني بصدق لحاول أن يسعدني بأي ثمن .
نهض من مقعده وقال لها بدهشة :
- وهل أنت نادمة على زواجك بي ؟
- الناس يحسدوني على زواجي بك وهم لا يعرفون طبيعة الحياة التي أعيشها معك .
فرك جبينه بأصبعه وقال :
- كلامك قاس جدا .
- وأنا تعبت منك يا عماد .. أنا لا أفهمك أبدا ..أنت دائما ..
أرادت أن تكمل فأشار لها بيده وطلب منها أن تتوقف عن الكلام فيكفيه ما سمعه . صرخت في وجهه مجددا مستنكرة رفضه للحوار معها ، فهو لا يريد مواجهتها أو مصارحتها .. أخذ مفاتيح سيارته وخرج .. تركها تبكي وتندب حظها الذي جعلها تترك عادل الذي تعرف بأنه يحبها منذ سنوات وتحمل رفضها وطلبها للزواج عدة مرات .

أوقف عماد سيارته أمام منزل والديه ، ودخل بخطى بطيئة والتقى بأمه عند الباب وهي بكامل زينتها ، سألها:
- هل أنت خارجة ؟
- نعم سأذهب لاصطحاب ندى وزوجة عمك وسنذهب إلى حفل زواج في الدمام .
قال لها بأنه جاء لرؤية نسرين فأخبرته بأنها خرجت مع صديقاتها . سألها :
- إلى أين ؟
- السوق ثم المطعم ولا أعرف أين ستنتهي سهرتهن .. ربما في منزل عمتك .
تنهد بصمت فسألته :
- ما بك ؟.. هل تشاجرت مع زوجتك ؟
لم يتجرأ على إخبار أمه بحقيقة شجاره مع ريم لأنها ستلقي عليه محاضرة لا يود أن يسمعها ، فكذب وأخبرها بأنها خرجت للقاء صديقتها . عرض عليها أن يوصلها لمكان الحفل لكنها فضلت الذهاب مع سائقها . ركب سيارته مجددا وهو ما يزال يشعر بضيق مما قالته ريم ، وتساءل بداخله هل كانت تقصد الكلام الذي قالته أو دفعها الغضب لذلك ؟ ألم تكن تدري قسوة كلماتها لكونها منفعلة وغاضبة وقالت كل الذي تخبئه في قلبها ؟
اتصل بماجد وأخبره بأنه قادم لزيارته في بيته . جلس معه في مجلسه وأخبره بكل ما جرى بينه وبين زوجته، فوبخه :
- ماذا تظن نفسك يا صديقي ؟ .. لن تتحملك المرأة وأنت بهذه الطباع السيئة .. يجب أن تكون لطيفا معها .
مرر أصابعه في شعره الأسود وقال :
- لست سيئا لهذه الدرجة .
- النساء بحاجة إلى الحب والحنان والاهتمام .. لا إلى التجاهل والسرحان .. أقولها لك للمرة الألف .. المرأة عاطفية بطبعها .
تأفف وقال :
- وماذا أفعل ؟..أنا لا أستطيع أن أحبها كما لا أستطيع نسيان كاميليا فأنا مازلت أفكر بها .. هي تتملكني ومازلت أحبها حتى هذه اللحظة .
سكت ماجد من هول دهشته وهو يرى صاحبه يضع رأسه بين يديه ويتنهد بعد اعترافه ، فسأله :
- ومن تكون كاميليا هذه ؟ .. هل تعرف إحداهن غير زوجتك ؟
تنهد بقوة وأجابه :
- أعرفها منذ سنوات وقبل زواجي .. هي من غيرت رأيي بالزواج وجعلتني أبني المنزل من أجلها على الطريقة التي أرادتها .. ثم كافأتني وتزوجت بآخر .. تزوجت ومازلت تقف عائقا بيني وبين السعادة والراحة ..أنا أحبها من كل قلبي يا ماجد ..أحبها .
سأله ماجد عن هوية كاميليا وكيف عرفها ، فتملص من إجابته :
- وماذا تريد منها الآن .. دعها وشأنها فهي تزوجت وأنا تزوجت وانتهى كل شيء .
هز ماجد كتفه وخاطبه بحدة :
- كلا لم ينتهي الأمر .
وأكمل توبيخه ووضح له بأن تفكيره بها خيانة في حق زوجته ، وأنهى حديثه :
- ما تفعله لا يجوز يا صديقي فزوجتك قريبتك وهي إنسانة محترمة .. يقول الأمام الشافعي .. عفو تعف نسائكم .
قال له بحدة وهو يتذكر ما حدث بينهما الليلة :
- وماذا أفعل معها ؟.. لا أحبها وأعرف نفسي .. تركتها تبكي في المنزل .. زواجي منها كان خاطئا .. ظلمت نفسي وظلمتها معي .
قال ماجد بلين محاولا إقناعه بإخراج كاميليا من فكرة :
- أنسى تلك المرأة التي تركتك وتزوجت بآخر هذه واحدة ممن قال الإمام علي عنهن قبل أربعة عشر قرنا ..
" دع ذكرهن فما لهن وفاء ريح الصبا وعهودهن سواء
يكسرن قلبك ثم لا يجبرنه وقلوبهن من الوفاء خلاء "
سكتت للحظات وهو مغمض العينين فأبيات الشعر تنطبق على كاميليا ثم قال :
- لو يرجع الزمن إلى الوراء لما اندفعت نحوها بجنون .. لقد اندفعت نحوها وأحببتها كالأبله .
دعاه ليكون لطيفا وودودا مع زوجته ، وعرض عليه أن يسافر معها أي مكان فهو لم يسافر معها منذ زواجهما . وأنهى كلامه باقتراح :
- أذهب إلى شرم الشيخ أو دبي فهذا أضعف الإيمان .. دعها تأخذ إجازة من عملها وسافرا ليومين أو ثلاثة .


**********

عادت كاميليا إلى منزلها بعد نهار قضته مع صديقتها في التسوق والعشاء خارجا عن منزلها ومشاكله . أمضت وقتا ممتعا معهما خاصة بعد أن أخبرها ناصر بأن سيسهر مع أصحابه ولن يعود مبكرا . كانت تعرف بأنه لن يعود قبل شروق الشمس كعادته كل ليلة جمعة فهو يجتمع مع أصدقاءه في الخبر كما يخبرها ، وفي الشقة المشبوهة كما أخبرتها ناهد . يقضي وقته معهم في لعب الورق والشرب الذي يصل إلى السكر أحيانا .توجهت مباشرة إلى المطبخ وأخرجت من حقيبتها الدواء العشبي الذي أشترته لمعالجة الكآبة وابتلعت حبة وشربت رشفة من الماء .سكبت لها كأسا من الكولا ووضعت به عدد من مكعبات الثلج وهمت بالخروج عندما سمعت صوت ناصر وهو يضحك بصوت مرتفع وغرفة الخادمة هي مصدر الصوت . شعرت بقلبها ينقبض بقوة فخرجت من المطبخ بخفة وأطلت من النافذة لتتحقق من وجود سيارته ، فوجدتها قابعة تحت المظلة فهي لم تنتبه لوجودها عندما دخلت .عادت إلى المطبخ مرة أخرى ووضعت يدها على مقبض الباب بتردد ، وعندما فتحته وجدت ناصر مستلقي على بطنه والخادمة تدلك ظهره العاري . شهقت ونهض هو أمامها ، ظلت ساكتة للحظات ..ثم بصقت في وجهه وخرجت ودموعها تسيل بحرارة على خديها . لحق بها وهي تستعد للخروج ، أمسك بيدها وقال :
- دعيني أشرح لك ما حدث
صرخت فيه :
- وماذا تشرح ؟ .. رأيتك بعيني ولم يخبرني أحد ..أيها السافل ..أنت لا تتوب ولا يمكن أن تتغير .. لن أبقى في هذا المنزل دقيقة واحدة .. وستطلقني رغما عنك يا نذل يا منحط .
ضحك وقال :
- قبل أن تخرجي عليك أن تعرفي بأني رجل .. وفشلت معك أنت فقط لأنك باردة وحتى العلاج لا ينفع معك .. لكني نجحت مع الخادمة عدة مرات .
بصقت في وجهه وخرجت من المنزل . كانت تبكي وتنتحب بقوة والسائق يتوجه إلى منزل والديها في منتصف الليل . طرقت الباب ودخلت ببكائها ودموعها وصدمتها . ألقت بنفسها بين ذراعي أمها أمام استغراب والدها وأختيها . بكت كما لم تبك من قبل ، كانت تحس بالذل والمهانة رغم كرهها لزوجها الذي تزوجته رغما عنها ، إلا أ الخيانة جارحة . سقطت أرضا وغابت عن الوعي بدون أن يعرف والديها سبب حالتها المريعة .

استفاقت وهي على سرير الطوارئ بالمستشفى . كانت شاحبة ومتعبة والمحلول السائل مغروز في وريدها ، تشعر بالألم من وخز الإبر المهدئة . وجدت والديها حولها يسألانها عما حصل وخصوصا أن ناصر لم يجب عندما حاول والدها الاتصال به . بكت بمرارة أحرقت قلب أمها ، وقالت بألم وانكسار وعينيها تائهتين لا تنظران لشيء :
- هذا من أرغمتني على الزواج به يا أبي .. وجدته عاريا في غرفة الخادمة وهي تدلك ظهره .. وأخبرني بنفسه بأنه أقام علاقة معها عدة مرات .
وانتحبت مجددا وأمها تشاركها دموعها ، فقبلت جبينها وطلبت منها أن تهدأ حتى يجدوا حلا مع ناصر . قالت لوالدها بصوت متهدج معاتبة :
- هذا الذي سيصونني وسيحافظ علي .. لن أرجع إليه وأريده أن يطلقني .
- لا تتعبي نفسك .. فوراءك رجال ليأخذوا حقك .. كوني هادئة وأنا سأتفاهم معه .
عادت كاميليا بصحبة والديها من المستشفى فجرا واستلقت على سريرها الخالي في غرفتها الزهرية ، وأحسته مشتاقا لها ولأحلامها ولذكرياتها . ظلت تبكي بصمت وذكريات الأيام الحزينة التي قضتها في هذه الغرفة تطفو على سطح ذاكرتها . تذكرت كيف اعتصمت عدة أيام لا تخرج ولا تأكل لتعبر عن موقفها من هذا الزواج ، وكيف طرأت فكرة الهروب والاختفاء لثلاثة أيام على بالها وذهبت لعماد وأخبرته ، وكيف أهانها وأذلها وطردها من بيته . تنهدت بحرقة وألم وهي تفكر به .

استيقظت ظهر الجمعة وهي تشعر بوهن وألم في رأسها وعينيها من كثرة البكاء . طلبت من أختها كوبا من الشاي ، فأحضرته لها مع ساندويتشا وطلبت منها أن تأكله . قضمت قضمة صغيرة بلا شهية وشربت الشاي ، جاءت أمها وضمتها إليها وقالت له بحنان بالغ :
- جاء ناصر قبل قليل وهو في المجلس يتحدث مع والدك .. عليك إخباري بكل شيء لأذهب وأواجهه أمام والدك .
التفتت كاميليا لأختها شذى ، فطلبت منها أمها الخروج وبقيتا لوحدهما وقالت بألم ودموعها تسبقها :
- أخبرتني الخادمة مرة أنه طلب الجلوس معها للحديث وهي رفضت .. والبارحة سمعت صوت ضحكاته وفاجأته في غرفتها .. بعدها قال لي بأنه أقام معها علاقة عدة مرات وكان ناجحا .. كما أنني السبب فشله معي واتهمني بالبرود .
- ولماذا يتهمك بالبرود .. ألم يدخل بك منذ زواجكما ؟
هزت رأسها بخجل وقالت :
- لا .. كان يفشل دائما في ..

كانت محرجة فهي لم تتكلم مع أمها في هذه الموضوعات يوما وسكتت للحظات ثم قالت :
- كان يوبخني ويسخر مني كل مرة .. وهددني بأن يقطع لساني إذا تكلمت لأحد .. كنت فرحة بهذا واشكر ربي فأنا أبغضه بشدة .. وفي الآونة الأخير صار يغضب ويعنفني بقسوة وتجرأ وضربني في آخر مرة .. وأنا أتحمل لأني لا أريده أن يمسني .
طرق الباب وكان والدها هو الآتي . دخل وأقفل الباب وقال لزوجته بأن ناصر خرج فسألته بحدة :
- وماذا يريد ؟
- يشرح سوء الفهم الذي حصل بينه وبين كاميليا .. وهو يقول أن الأمر لم يتجاوز تدليك الظهر .. وأنه حاول إغاظة كاميليا فقط بكلامه .
قالت كاميليا لوالدها ودموعها تتدفق بغزارة من عينيها وتغرق وجهها :
- لا أريده وعليه أن يطلقني ... يكفي ما عانيته معه خلال الأشهر الماضية .
أنتفض الأب وقال :
- الطلاق أبغض الحلال وهو ليس حلا أبدا .. أتريدين أن تصبحي مثل ابنة خالك التي تطلقت وها هي تدور على حلّ شعرها .
تهدج صوتها وهي تقول :
- لن أرجع إليه بعد الذي فعله .. أم أنك ترى ما فعله قليل بحقي ؟
- هو لم يرتكب كبيرة ... وبالنسبة للخادمة طلبت منه أن يسفرها .. وعليك أن تسامحي زوجك إذا أخطأ .
ترجته أن لا يجبرها على العودة إليه وأن لا يظلمها مرة أخرى . فخفف من حدة كلامه وقال :
- وهل تعتقدين بأني أقبل بظلمك .. سأجعل ناصر يعتذر منك أمامي وأمام أبوه أيضا .
أجهشت بالبكاء وخبأت رأسها بين ذراعي أمها وهي تقول :
- أريد الطلاق .. لن أرجع إلى ذلك البيت المشئوم .
غضب والدها من تكرارها طلب الطلاق فقال لها بصوت مرتفع :
- الطلاق طعن لنا ولشرفنا ولسمعتنا .. هل ترضين لنا ذلك ؟.. كوني عاقلة وأنا سآخذ منه تعهدا بعدم إغضابك والحياة الزوجية تحتاج إلى الكثير من الصبر .
وتدخلت الأم قائلة :
- وأي علاقة زوجية هذه التي تتحدث عنها .. هو لم يتمكن من الدخول بها حتى الآن .. لا بد أنه مريض .. دعهما يطلقان بالمعروف وكفى ما حصل .
- لا تحلمي بالطلاق مادمت حيا .. لقد قال لي بأنها دلكت ظهره فقط ولم يتطور الأمر .. وسأدعه يعتذر منك وانتهينا وكفى تضخيما للأمور .. وعلى المرأة أن تصبر على زوجها .
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
الفصل 29



أقلعت الطائرة من مطار دبي مساء الأحد عائدة إلى الدمام . أطفأت الأنوار وأمسك عماد بيد ريم الجالسة بجوار النافذة ومسندة رأسها على كتفه ، قال لها بلطف وهي تتفحص وجهه :
- أتمنى أن تكون هذه الرحلة القصيرة أسعدتك .
ابتسمت وهمست له بأن اهتمامه بها هو ما يسعدها ، فابتسم ووعدها بأن يكرر الرحلة بين وقت وأخر ليشاهدا الأفلام ويتنزها ويتسوقا كما فعلا هذه المرة . وصلا إلى القطيف قبل أن ينتصف الليل . كانت ريم سعيدة لأنها قضت يومين كاملين بصحبة زوجها ، وسرعان ما بدلت ملابسها وارتدت قميص نوم جديد أشترته من دبي ونامت بين ذراعيه .

ذهبت إلى مستشفى القطيف المركزي حيث تعمل وهي ممتلئة بالنشاط والحيوية وتوجهت مباشرة لغرفة الولادة فأخبرتها رئيسة الممرضات بعدم وجود أي مريضة بعد . تناولت إفطارها في الكافتيريا بسرعة ، ثم توجهت للمختبر لإجراء تحليلا لكشف الحمل . كانت متشوقة لتصبح حاملا بسرعة خاصة بعد أن انتظمت علاقتها بزوجها مؤخرا فأصبحت تجري التحليل دوريا . ربطت الممرضة الرباط المطاط حول يدها ومسحت المنطقة بمسحة طبية وغرزت أبرتها في وريدها وملأتها بالدم وطلبت من ريم العودة بعد نصف ساعة لمعرفة النتيجة . وعندما انتهى دوامها الذي أحسته طويلا عادت للبيت تنتظر زوجها على أحر من الجمر .
بدل عماد ملابسه بعد عودته من الشركة وتوجه إلى الصالة مباشرة بناء على طلب ريم ، فهي تريد أن تخبره أمرا هاما . وجدها واقفة أمام الجدار المغطى بالمرايا تنظر لنفسها والابتسامة تعلو وجهها . وضعت يدها على بطنها وقالت والسعادة تغمرها :
- أنا حامل .. لقد أجريت الاختبار اليوم والنتيجة إيجابية .. وسأحجز لي موعدا مع طبيبة مختصة تعمل في مستشفى خاص لأتابع معها .
سكت مندهشا وأصابعه تفرك جبينه ، لم يكن متوقعا بأن اليوم الذي يصبح فيه أبا سيأتي . سيصبح أبا وكاميليا التي حلم بها أما لأولاده ليست أم هذا الطفل ، قال لها بجمود ضايقها :
- مبروك .. لا تجهدي نفسك في العمل .
جلس على أول كنبة صادفته وأمسك الجريدة ليغطي بها وجهه المرتسمة عليه ملامح الصدمة . كان مذهولا ومشتتا بسبب خبر قدوم طفله إلى الحياة . لم يكن مستوعبا للمرحلة القادمة ، فهو سيصبح أبا ومسئولا عن زوجة وطفل . قرأ عناوين الصفحة الرئيسية والسياسية والمحلية ، ووصل إلى الصفحة الثقافية . أحس بألم يعتصر قلبه عندما رأى زاوية همسات من قلبي موجودة هذا الأسبوع ..

" أتذكر ..
أتذكر عندما كان الهوى في القلب سلطانا
وأنا في قلبك الملكة ولا أرضى عن نبضك مكانا
أتذكر . .عندما كنا نتقاسم الأحلام
ووعدتني لن تفرق بيننا الأيام
أتذكر عندما كانت أمواج عينيك تغرقني
أتذكر عندما كنت بالهمس
تحدثني .. تقبلني .. تعانقني
أتذكر أننا يوما تعاهدنا
فأين العهد ؟
و توجتني على قلبك الملكة
فأين التاج ؟.. وأين العرش ؟
أين الحب والأحلام ؟!
ووعود الهوى والكلام ؟
أم أنك لم تعد تذكر ..


كاميليا الناصر
الرسالة الثانية .. والباقية تأتي

****
وقفت كاميليا أمام زوجها والديها بجانبها وعمها جالس يراقب ما يحدث بصمت . كانت تبكي ورأسها منكسة بانكسار وذل . أرغمها والدها على العودة إليه كما أرغمها على الزواج به ، لم ينفعها بكاؤها ولا دموعها ولا اعتراضها . لم يشأ والدها أن تصبح مطلقة الآن وتسيء إلى شرف عائلته . فشرف العائلة بالنسبة له أهم بكثير من سعادة أو شقاء ابنته . اقترب منها ناصر وقبل رأسها واعتذر منها أمام الجميع . قال لها وهي واقفة والدموع تفيض من عينيها :
- أنا آسف .. وأعدك بأن لا يبدر مني ما يزعجك .. دعينا نعود لمنزلنا .
قالت بقهر :
- سأذهب معك مجبرة كما كنت مجبرة على الزواج بك .
خرجت معه وإحساس بالكراهية يعصر قلبها ، تكره نفسها وزوجها والدها الذي يجبرها على الرجوع إليه برغم ما بدر منه وبرغم ما أخبرته عن تصرفاته المشينة . شعورها بالكراهية لنفسها جعلها تعد نفسها أن لا تعود لمنزل والدها مهما حصل بينها وبين ناصر فلن تتحمل الإهانة المريرة كما تتحمل الآن ووالدها يعيدها لناصر ليفعل بها ما يشاء بدون أن يرحمها .

****

خرج عماد من الشركة عائدا لمنزله ولكن اتصال والده جعله يغير مساره فذهب لرؤيته في مكتبه ، وتفاجأ عندما وجد عمه وفيصل موجودين أيضا فهم معتادين على التجمع ليلا . قال له عمه بأنهم يجتمعون من أجل مناقشة انتخابات المجلس البلدي التي ستتم للمرة الأولى في المملكة ، ووجود أحد أفراد عائلة الغانم في المجلس أمر مهم يخدم مصالح العائلة ويحمي وجاهتها . عرض أمر الترشيح على فيصل ورفضه في دورته الأولى وأبدى موافقته للترشيح في دورات قادمة تكون فيها مهام المجلس قد اتضحت قليلا . تفاجأ عماد كثيرا عندما أخبره عمه بأنهم يروه المرشح الأنسب لخوض غمار الانتخابات رغم عدم اختلاطه بالناس ، إلا إنهم سيدعمونه بجميع الوسائل ، فاسم العائلة كفيل بتسهيل نصف المهمة كما أنهم سيعدون له حملة دعائية كبيرة وبرنامج فعال يشرف عليه مسئول مختص .
- لن أترشح في هذه الانتخابات الكوميدية .

رفض عماد فكرة الانتخابات جملة وتفصيلا . لم يكن يريد دخول البيت السياسي رغم اقتناعه بأن مجلس البلدي عتبة خارجية فقط . فند لأبيه وعمه الأسباب التي تمنعه ، فهو لن يترشح مادام التصويت مقتصرا على الرجال ولا أحقية للنساء وكأنهن مواطنات من الدرجة الثانية فهذا به طعن لثقافته التي يفتخر بأنه أسسها ونسجها بطريقة الخاصة ، إضافة لأسباب أخرى بينها حصر صلاحيات المجلس ، الذي سيعين أعضائه والرجال وحدهم سينتخبون النصف الآخر .
 

شاعرة الليل

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
11 أبريل 2012
المشاركات
377
الإقامة
ارض الله الواسعه
.
"""

الفصل 30.



عاد الشتاء من جديد ككل عام .. عاد مثلما كان قبل أن تحبه ويرغمها والدها على الزواج بغيره ، وقبل أن يتزوج هو ويصبح أبا لجنين لم يولد بعد . تقلبت على فراشها وهي تتذكر حديثه لها بأنه يراها شريكة حياته وأما ﻷ‌وﻻ‌ده . أحست بألم يعتصر روحها وغصة في حلقها ودمعة أحرقت جفنيها وهي تفكر به .
نهضت كاميليا من سريرها ابتلعت حبة من الدواء الخاص بالكآبة وبكت بحسرة وهو تحسب أيام الفراق منذ أن ذهبت إليه في بيته ذلك اليوم . كم كانت غبية ومتسرعة . كيف جاءت فكرت الهروب في بالها وكأنها تعيش أحداث فيلم هندي . تذكرت نظرات عماد لها وهو يطلب منها الخروج من المنزل . لم تصدق بأن تلك القسوة التي كانت في عينيه هو مصدرها ، ﻻ‌بد أنه كان رجﻼ‌ آخر وليس الرجل الذي وعدت نفسها بأن يكون لها . تنهدت بقوة تعادل الثمانية الشهور الماضية ، سينتهي العام نفسه والعذاب نفسه والليل نفسه بهمومه وأفكاره ودموعه . فكرت به وتساءلت ، ماذا يفعل في هذا الوقت من الليل .

كان عماد مستلقيا على سريره يفكر بطفله القادم إلى الحياة . طفل صغير من ريم وثمرة لعﻼ‌قة ﻻ‌ يعرف ماذا يطلق عليها . ليست عﻼ‌قة حب ، وليست عﻼ‌قة زوجية سوية ، كانت لحظات من المتعة . كان يشعر بأن هذا الطفل غير فيه شيئا ما في قلبه أو روحه . أصبح متضايقا أكثر ومنزعجا وشارد الفكر باستمرار . منذ أن أخبرته ريم بحملها وحتى اﻵ‌ن وهو حزين ﻷ‌ن طفله سيولد ويرى أبويه متباعدين ﻻ‌ يجمعهما شيء غير السكوت والتجاهل والجفاء . أبوين ﻻ‌ يحبان بعضهما وﻻ‌ بد أنه يشعر بذلك ويسمع شجارهما وصراخهما فعمره اﻵ‌ن ستة أشهر . فكر بكاميليا وهل يستطيع أن يبعدها عن تفكيره ليلة واحدة ؟
استلقت ريم بجانبه فلم يشعر بها ، كلمته ولم يسمعها ، فسكتت تراقبه وهو يدير لها ظهره . هزت كتفه بقوة وقالت له بنبرة غاضبة :
- أﻻ‌ تمل من السكوت ؟.. لماذا تدير لي ظهرك وأنا أكلمك ؟.. لماذا تعاملني بهذه الطريقة ؟ .. يكفي إني صابرة ومتحملة لتصرفاتك البغيضة .
بلع ريقه وعينيه تركزان النظر في سقف الغرفة ، قال لها :
- لم أنتبه لك فقد كنت أفكر بأمر ما .
تأففت وسألته بحدة :
- ما بك ؟.. و ما الذي يشغلك عني ؟.. أخبرني ﻷ‌تفهمك وأعذرك .
- ما أفكر به ليس من شأنك .. فﻼ‌ تشغلي نفسك بي .
غضبت منه وصرخت فيه :
- لماذا أنت جاف هكذا ؟.. هل تعلم بأنني خدعت فيك .. فلطالما كنت بالنسبة لي الزوج المثالي ومنذ اﻷ‌يام اﻷ‌ولى لزواجنا اكتشفت صورتك الحقيقة .
تفاجأ مما قالته فلقد ذكرته بكاميليا عندما قالت له ذلك يوم جاءت تطلب منه الهرب . بلع ريقها وسألها :
- ماذا تقصدين ؟
- أنت جاف وقاسي حتى جدي لم يعامل جدتي بالطريقة التي تعاملني بها .. منذ زواجنا وأنت لم تجاملني وتقول لي بأنك تحبني مرة واحدة على اﻷ‌قل .
حدق بها وقال :
- أنا ﻻ‌ أكرر هذه الكلمة بمناسبة وبدون مناسبة .. فالحب ليس كلمة رخيصة .
غضبت من رده وقالت بانفعال :
- ﻻ‌ أريدك أن ترددها على مسمعي ليﻼ‌ ونهارا .. مرة واحدة تكفيني .
تنهد وزم شفتيه وقال لها بحدة :
- ﻻ‌ تطلبي من أحد أن يقول بأنه يحبك فهذه الكلمة إذا لم تخرج من قلب اﻹ‌نسان ستكون كذبا ونفاقا تجدينها لدى السفلة واللعوبين والمراهقين .
غطت نفسها باللحاف وراحت تقول :
- ﻻ‌ فائدة منك وستبقى هكذا على الدوام .. لدي حل قد يناسبك .
أنصت لها فأردفت بسخرية :
- أعرف طبيبا في المستشفى الجامعي وهو مستشار نفسي كبير ربما تفيدك زياراته واستشاراته .
رفع اللحاف عن وجهها وخاطبها بغضب :
- أنت مسكينة وأنا ﻻ‌ أود الرد عليك حتى ﻻ‌ أجرح مشاعرك وأنت حامل .
لم يود إخبارها بأنه يشعر بالندم وتسرعه وتورطه بهذا الزواج الفاشل . نادم بشدة فهما يعانيان وهناك طفل قادم ليعاني معهما . كم يكرهها ويكره هذا الطفل أيضا . نهض من السرير وخرج من الغرفة متوجها لغرفة مكتبه ، وهناك استلقى على الكنبة وأغمض عينيه وتذكر كاميليا عندما قالت له ريم متعجرفة وبغيضة وأخبرته عن الموقف الذي حدث بينهما في زواج أمل . وما أن فتح عينيه حتى وجد ريم أمامه تطلب منه النهوض لينام في غرفتهما . قالت له آمره :
- هيا أنهض ونم في الغرفة .. ﻻ‌ يعجبني أن تنام هنا .
صرخ فيها بقوة :
- أدلفي عن وجهي .. وسأترك لك المنزل بأكمله لترتاحي مني .
أمسكت يده وقالت بأسف :
- لم أقصد ما أقوله .. أعذرني يا ابن خالي .
كان غاضبا منها بعد ما قالته فأبعدها عنه ونهض متوجها لغرفته ولحقت به ، ورأته يبدل مﻼ‌بسه . سألته باستغراب :
- وإلى أين تذهب في هذا الوقت ؟
نظر لها بازدراء وقال لها بأنه ليس مضطرا لﻺ‌جابة ، فهددته :
- إذا خرجت اﻵ‌ن فلن تراني حينما تعود .
صرخ فيها بقوة :
- أذهبي إلى أي مكان تريدينه .. أذهبي إلى جهنم الحمراء فأنت ﻻ‌ تعنيني .. لعن الله اليوم الذي فكرت بالزواج بك .
لحقت به وهي تقول :
- ﻻ‌ تجعل من الحبة قبة فأنا لم أكن أقصد .. أنت تتحين الفرصة لنتشاجر فقط .
خرج من المنزل وركب سيارته ، مشى ﻻ‌ يعرف إلى أين يذهب فالليل يوشك أن ينتصف . أحس بثورة الغضب تزداد في نفسه وهو يتذكر ما قالته ريم ، كان وحيدا وضائعا ﻻ‌ يعرف إلى أين يذهب . سار في الطريق المؤدية إلى المزرعة ليبتعد عن ريم وعن قلقه وتفكيره وحيرته وندمه . اتصلت به عدة مرات ولم يجبها وأطفأ هاتفه فلم يرد سماع صوتها . دخل اﻻ‌ستراحة وأشعل اﻷ‌نوار ودخل أحد غرف النوم واستلقى على الفراش وتغطى . أغمض عينيه فهو يريد أن ينام بدون قلق وتفكير وهموم فمنذ سنوات وهو ينام والهموم تشاركه سريره . حاول أن يتذكر يوما واحد نام فيه هادئا . كان ذلك منذ زمن طويل ، قبل أن يرتكب خطأ الزواج بريم وقبل أن يتعرف على كاميليا ويحبها ، وقبل أن يفسخ خطوبته بسوسن ، وقبل أن يموت عﻼ‌ء وتصر والدته على القصاص من قاتله وعدم العفو عنه بالرغم من وساطة كبار رجال القطيف وشيوخها . نام براحة قبل أكثر من خمسة عشر عاما .

*******.

أستيقظ ظهرا من نومه وهو يشعر بالتعب والضيق وبسرعة تذكر شعوره البارحة وهو يخرج من منزله بعد شجاره مع ريم . عاد إلى منزله ولم يجدها فقد نفذت وعدها، ﻻ‌ بد أنها ذهبت تشتكيه لوالديها وسيصل اﻷ‌مر بسرعة ﻷ‌مه وستتصل به وتستدعيه لتناقشه فيما حدث . أستحم بسرعة وارتدى مﻼ‌بسه وهم بالخروج إلى المطعم لتناول طعام الغذاء . أتصل به ماجد ولم يجبه ، ركب سيارته وتوجه إلى المطعم المجمع التجاري ليتناول الطعام وحده ويستعيد بعضا من ذكرياته مع كاميليا ، فهو ﻻ‌ يريد أن يرى أحدا أو يتحدث مع أحد . يريد أن يبقى وحده ليفكر في حياته الرتيبة وأخطاءه وزوجته وطفله القادم والمرأة التي يحبها ورسائلها له في الجريدة . ترجل من سيارته ونظارته الشمسية تخفي عينيه الغاضبتين وهو يتذكر كﻼ‌م ريم بشأن الطبيب النفسي . وما أن دخل من بوابة المطعم حتى رن هاتفه الجوال كانت أمه المتصلة تطلب منه زيارتها ، قال لها بأنه سيتناول غذاءه أوﻻ‌ لكنها أصرت على قدومه حاﻻ‌ فهي تريد الحديث معه بشأن هام . لم يشأ مجادلتها ورضخ بسرعة لطلبها ومن يستطيع معارضتها ؟
عرف بأن ريم أثارت زوبعة بشأن شجارهما البارحة وأن أمه ستوبخه لخروجه من المنزل في وقت متأخر . دخل إلى البيت ووجدها في الصالة تتحدث عبر الهاتف . أنهت مكالمتها ورحبت به عندما جلس بجانبها . اسند رأسه على اﻷ‌ريكة وقال لها وهو مغمض العينين :
- هل عرفت بأن ريم تركت المنزل ؟
بلعت ريقها وقالت له وهي تحاول إخفاء استياءها منه:
- عرفت بأنك تشاجرت معها وتركت المنزل في وقت متأخر من الليل. وأردفت :
- لماذا تعامل زوجتك وأم طفلك القادم بقسوة ؟
تنهد وقال :
- تشاجرنا و..
قاطعته :
- ولماذا تركت المنزل ؟.. بعلمي أن المرأة تترك بيت زوجها ﻻ‌ الرجل .
أجابها بغضب :
- لم أتحمل تصرفاتها وكﻼ‌مها البارحة .. لو لم أخرج من البيت لربما فقدت أعصابي وضربتها .. هي متعجرفة وبغيضة ومغرورة وتظن أنها قدمت تضحية لزواجها مني ورفضها ﻻ‌بن عمها .. ليتها تزوجته وتفاديت حدوث أكبر خطأ في حياتي .
سكت للحظات وأكمل يقول ﻷ‌مه بأنه ﻻ‌ يطيق ريم وﻻ‌ يتحمل تصرفاتها البتة . كانت أمه تخشى أن يقدم على طﻼ‌ق زوجته فأمسكت بيده وقالت :
- ريم هي زوجة العمر وكﻼ‌مك غير مقبول بالمرة وعليك أن تذهب لتصالحها حتى لو كانت هي المخطئة .
رفض الذهاب لمصالحتها فهي خرجت من المنزل وحدها وعليها أن تعود وحدها لكنها حدقت به بعينيها القويتين وقالت له بحدة :
- ريم ليست لعبة لتتركها في بيت والدها وﻻ‌ تسأل عنها .. أذهب إلى محل المجوهرات وأشتري لها خاتما ماسيا أو ساعة وأذهب لتصالحها وﻻ‌ تدع الموضوع يكبر .
رن هاتفها الجوال وانزعاج عندما رأى اسم عمته نورة ، فلم يرد عليها وقال ﻷ‌مه :
- لقد اتصلت عمتي اﻵ‌ن .. وهذا ما كان ينقصني .
طلب منه أن يرد عليها فقال لها بصراحة بأنه لن يذهب لمصالحة ريم وسيدعها تبقى لعدة أيام في منزل والديها ليرتاح منها وتهدأ نفسه ثم يذهب إليها ويتفاهمان . أعادت عمته اﻻ‌تصال ولم يرد عليها ، وقال ﻷ‌مه :
- ﻻ‌بد أن ريم هي من تحثها على اﻻ‌تصال بي وإزعاجي ..
أرغمته أمه على الرد فأجاب على مضض وتفاجأ بعمته تبكي وهي تخبره بأن ريم مصابة بآﻻ‌م شديدة في بطنها وظهرها مشابهة ﻵ‌ﻻ‌م الوﻻ‌دة وهم في طريقهم إلى المستشفى الخاص بالخبر ﻷ‌نها تتابع حملها هناك . سكت بجمود وعينيه مفتوحتين وانسحب الدم من وجهه وقال ﻷ‌مه :
- سينقلونها إلى المستشفى .. كيف تلد اﻵ‌ن وقد أكملت الشهر السادس منذ أسبوع فقط ؟
طمأنته أمه بأنها قد تكون آﻻ‌م الوﻻ‌دة الكاذبة وأصابتها بسبب التوتر واﻹ‌رهاق . قاد سيارته بسرعة وهو يفكر بريم وبالطفل وأمه تحاول تهدئته . أحس بالخوف عليهما ودعا الله أن ﻻ‌ يصيبها مكروه . وصل إلى المستشفى ودخل بسرعة من بوابة الطوارئ ووجد عمته وزوجها خارجا . سألهما عن ريم فرد زوج عمته بوجه عابس بأنها في غرفة الطوارئ والطبيبة تفحصها . سكت ﻻ‌ يعرف ماذا يقول ودعا الله أن ينجي ريم وطفله من أي أذى . وبعد لحظات خرجت الممرضة وبيدها ورقة وتسأل :
- من هو زوج ريم ؟
أجاب عماد بقلق :
- أنا .. هل ريم بخير ؟
طلبت منه التوقيع بالموافقة على ﻹ‌جراء عملية جراحية لزوجته في حال الحاجة فسألها بخوف :
- ما الذي يحدث لها ؟ هل هي بخير ؟
- لديها أعراض وﻻ‌دة مبكرة .. وسنحاول قدر اﻹ‌مكان تجنب ذلك فالجنين صغير جدا .
أحس بقلبه ينقبض وهو يرى عمته تبكي ، وزوج عمته يتحسب على من كان السبب بصوت مرتفع ، وأمه تطلب منه التوقيع بسرعة . وقع على الورقة وهو في حالة الذهول ، فالطفل يخرج إلى الدنيا اﻵ‌ن وقبل أوانه وسيرى والديه متباعدين ومتخاصمين . في غصون لحظات خرجت الممرضات ريم من غرفة الطوارئ ووجها أصفر وهي تصرخ من اﻷ‌لم والمحلول السائل يجري في وريدها . أخذوها بسرعة إلى غرفة الوﻻ‌دة وخرجت الطبيبة وراءها بسرعة .
لحقوا بها وجلسوا في المقاعد المقابلة لغرفة الوﻻ‌دة ينتظرون والجو يسوده التوتر والصمت . كانت نظرات عمته تبعث له برسائل نارية صامتة وهو ساكت ويدعو الله أن تكون ريم والطفل بخير . بقيا لساعة دون أن يخبرهما أحد عما يجري في الداخل . كان عماد على أعصابة وهو ينتظر فنهض من على كرسيه ودق جرس باب غرفة الوﻻ‌دة خرجت الممرضة وطلب منها الحديث مع الطبيبة التي جاءت وطلب منها شرحا لما يحدث . سألها بعينين ضيقتين من التوتر :
- كيف تنقلونها لغرفة الوﻻ‌دة وهي لم تتم الحمل بعد ؟
- ريم تعاني من أعرض الوﻻ‌دة المبكرة .. وهي اﻵ‌ن تحت المراقبة .. وسنحاول قدر اﻹ‌مكان تجنب وﻻ‌دتها برغم بدء اتساع عنق الرحم .. سنراقب وضعها وحالة الطفل وسنتدخل في الوقت المﻼ‌ئم .
هز رأسه وسألها عن وضع الطفل في حال وﻻ‌دته ، فأجابته بصراحة :
- نحن خائفون على الطفل فلو ولدته اﻵ‌ن سيكون صغيرا وضعيفا وسيحتاج لوضعه في العناية المركزة الخاصة باﻷ‌طفال الخدج .

عاد عماد إلى منزله قبل منتصف الليل وريم بقيت في غرفة الوﻻ‌دة تحت المراقبة .كان يشعر بالتعب والجوع فهو لم يأكل شيئا منذ استيقاظه من النوم . ذهب إلى المطبخ وشرب كوبا من اللبن وأكل تفاحة وتوجه لغرفته . بدل مﻼ‌بسه ورمى نفسه على سريره وهو يفكر بالطفل القادم إلى الحياة وﻷ‌ول مرة يشعر بعاطفة حياله . تذكر كﻼ‌م الطبيبة بأنه سيكون صغيرا وضعيفا . أحس بالذنب لتفكيره به بشكل سيء منذ أن عرف بوجوده في أحشاء ريم . ونام على أفكاره واستيقظ على الساعة الثامنة على صوت رنين الهاتف . وما أن فتح عينيه حتى تذكر بأن ريم في المستشفى ، وتذكر بأن اليوم السبت وهو لم يذهب للشركة أيضا .
رفع سماعة الهاتف وسمع صوت أمه في الطرف اﻵ‌خر ، سألها عن ريم فأخبرته بأنها بصحة جيدة وقد ولدت قبل قليل طفﻼ‌ ذكرا وهو في العناية المركزة للخدج . خرج بسرعة متوجها للمستشفى لرؤية ريم فمنذ خروجه من المنزل تلك الليلة وهو لم يقابلها ولم يتحدث معها ، وحتى عندما عرضت عليه الطبيبة رؤيتها في غرفة الوﻻ‌دة رفض ذلك ، فهو لم يكن يريد أن يراها تصرخ من اﻷ‌لم ..
صعد إلى الطابق الثاني في المستشفى وسأل عن غرفتها دلته عليها إحدى الممرضات . وقبل أن يطرق الباب تذكر بأنه لم يجلب لها ورودا أو شكوﻻ‌تة . دخل إلى الغرفة الخاصة بهدوء وخوف وقلق ووجد ريم نائمة على السرير وهي شاحبة ومتعبة . فتحت عينيها الدامعتين وهو يقترب منها ببطء وابتسامه باهتة على وجهه . قال لها :
- حمد الله على سﻼ‌متك .
وبنبرة غضب قالت :
- هل عرفت بأن الطفل في العناية المركزة .. أنت السبب في وﻻ‌دتي المبكرة ولن أسامحك .
أمسك بيدها وقال لها مطمئنا :
- سيكون بخير .. فهو ﻻ‌ ذنب له بمشاكلنا وخﻼ‌فتنا .
بكت بحرقة وهي تكرر بأنه السبب في ما أصابها وضمها إليه محاوﻻ‌ التخفيف عنها فقالت له وهي بين ذراعيه :
- لم أرى طفلي بجانبي .. أخذه طبيب اﻷ‌طفال إلى غرفة العناية مباشرة عندما ولد وهو ﻻ‌ يبكي وﻻ‌ يتنفس .. لم أستطع حتى أن أضعه على صدري وأقبله كأي أم ترى وليدها الذي تعبت بحمله ووﻻ‌دته .. لن أسامحك إذا أصابه مكروه .
قالت كلمتها ونشجت بالبكاء وهي بين ذراعيه ، شعر بأن قلبه يتقطع وعليه أن يبدو متماسكا أمامها فهي نفساء ومتعبة . طبع قبلة على جبينها واستأذنها للخروج ومقابلة طبيب اﻷ‌طفال ، فرفعت رأسها وقالت له :
- سأذهب معك .. أريد أن أرى طفلي وأطمأن عليه .
بلع ريقه وطلب منها أن ترتاح فهي ولدت منذ ساعات فقط . طرق الباب ودخلت الطبيبة ومعها الممرضة ، فطلبت منها وهي تبكي السماح لها بالذهاب لرؤية طفلها . اقتربت منها الطبيبة وقالت لها بلطف :
- أفضل أن تذهبي في وقت ﻻ‌حق فأنت مازلت متعبة وربما يصيبك دوار .. أذهبي ليﻼ‌ بعد أن تأخذي قسطا من النوم والراحة فالممرضات سيسمحن لك ولزوجك بزيارته في أي وقت .
ذهب عماد للعناية المركزة داخل الحضانة بعد أن وعد ريم أن يخبرها عن حالة الطفل بعد عودته وسيذهب معها مرة أخرى . ذهب ودق الجرس ، كان قلبه مقبوضا وخائفا وهو يفكر بالطفل ، جاءت الممرضة وأخبرها بأنه يريد رؤية طفل ريم فهو والده ، طلبت منه أن يرتدي غطاء الرأس والحذاء ، ويرتدي اللباس اﻷ‌زرق الخاص . ذهب برفقتها مرورا بالحضانة العادية والرضع فيها يصرخون ، وبعضهم نائمون . ومر بغرفة أخرى خاصة بالعناية المتوسطة ، ومن ثم العناية المركزة . وجد عددا متفرقا من اﻷ‌سرة الصغيرة والحاضنات المغلقة والمرتبطة بشاشات مراقبة وجميع اﻷ‌طفال صغار في الحجم ومربوطون بالكثير من اﻷ‌سﻼ‌ك ولم يكن يعرف أي واحد هو ابنه .
أحس بأنه سيختنق والممرضة تشير له على الطفل الموضوع في سرير خاص مربع الشكل مكشوف من اﻷ‌على تغطيه مدفأة خاصة . كان صغيرا جدا حتى أن حفاظه يغطي معظم جسمه المغطى بالوبر الكثيف . وسلك مدخل في سرته مرتبط بمحلول للتغذية الخاصة وسلك يراقب مستوى اﻷ‌وكسجين في دمه ، وأسﻼ‌ك أخرى في ظهره وصدره العاري تراقب العﻼ‌مات الحيوية . وأنبوب آخر في فمه متصل بجهاز كبير بجانبه من أجل التنفس ، والممرضة المسئولة عنه جالسة بجانبه وأمامها الكثير من اﻷ‌وراق ، وطلبت منه أن يغسل يديه جيدا قبل أن يلمسه . أقترب من الطفل ووجده مغمض العينين ونائم على ظهره ، وبطنه يرتفع ويهبط بسرعة . مد يده ولمس جلده الرقيق كانت أوردته ظاهرة وكأن جلده مجرد نسيج شفاف . قرب رأسه من أذن الطفل ونطق اﻵ‌ذان في أذنه اليمنى واﻹ‌قامة في اليسرى . وسأل الممرضة عنه فأحالته إلى الطبيب اﻷ‌طفال الذي قال له :
- كونه ولد بعد خمسة وعشرون أسبوعا فرئتيه ﻻ‌ تعمل بالشكل المطلوب ولذا بدأنا التنفس الصناعي .. وجهازه الهضمي ليس مؤهﻼ‌ بعد لذا نغذيه عن طريق السرة .. والطفل ولد قبل أوانه ونحن نحاول أن
نساعده ولكن المشكلة اﻷ‌ساسية هي التنفس فمستوى اﻷ‌كسجين ينخفض بحدة بين فترة وأخرى .
أحس بالدموع تتجمع في عينيه ، وعاطفة غريبة يشعر بها للمرة اﻷ‌ولى نحو الطفل تنتابه ، فسأل الطبيب :
- وهل سيعيش ؟
كان الطبيب جادا ومتعاطفا معه وهو يقول :
- أتمنى ذلك .. نحن سنقوم بواجبنا والباقي على الله .
عقد حاجبيه وقال :
- وكأنك تقول بأنه لن يعيش .
- هو صغير جدا وجسمه لم ينضج بعد .
وأمامه فتح حفاظ الطفل كاشفا عن أعضائه الصغيرة ، وقال :
- أنت كإنسان عادي ولست طبيبا ربما ﻻ‌ تستطيع التفريق إذا كان هذا الطفل ذكرا أو أنثى .
هز رأسه موافقا ونزلت دموعه من عينيه ومسحهما بيده وقال للطبيب بألم :
- أرجوك يا دكتور أبذل ما في وسعك من أجله .
- هذا واجبنا .. وأنت أدعو الله أن تستقر حالته وينجو .
فرك جبينه وسأل الطبيب :
- وماذا أقول ﻷ‌مه ؟.. هي تريد أن تراه .
طلب منه الطبيب أن يشرح لزوجته اﻷ‌مر بشكل مبسط ، فتأفف وقال :
- هي طبيبة وتعرف كل شيء وستطلب شرحا كامﻼ‌ .
دعاه للقدوم مع زوجته مساءا لرؤية الطفل فشكره وألقى نظرة سريعة على الطفل وخرج من الحضانة وصورة الطفل مازالت أمام عينيه . ذهب إلى غرفة ريم الخاصة وهو يقدم رجل ويؤخر أخرى ﻻ‌ يعرف كيف يواجهها وماذا يقول لها . اصطنع ابتسامه ودخل وجد عمته وزوجها جالسين . سلم عليهما واقترب من ريم وقال لها :
- لقد رأيته .. هو صغير لكن الطبيب طمأنني بأن وضعه مستقر وسيبقى في الحضانة لعدة أيام حتى يكبر .
وسألته بسرعة :
- التنفس ؟
بلع ريقه وقال :
- اصطناعي .. يتنفس من أنبوبة في فمه .
بكت وهي تقول :
- طفلي المسكين مازال غير قادر على التنفس بعد .
أسندت رأسها بيديها وخاطبته من بين دموعها :
- أنت السبب في وﻻ‌دتي المبكرة.
دمت عيني عماد من جديد وهو يستمع ﻹ‌تهامات ريم . أحس بأنها صادقة فيما قالته وأنه السبب في ذلك ، فلو لم يتشاجر معها تلك الليلة ، ولم يخرج من المنزل لما حدث ما حدث . نهض من كرسيه بصمت وأدار وجهه للحائط وهو يمسح دموعه وريم مازالت تبكي بحرقة وألم . طرق الباب من جديد ودخلت أمه وعانقت ريم وطمأنتها بان الطفل سيكون بخير وكثيرات ولدن قبل أوانهن وأصبح أطفالهن كبار اﻵ‌ن . بكت ريم مجددا وحاولت النهوض من السرير ومنعها والدها ، فصرخت :
- أريد أن أرى طفلي اﻵ‌ن ولن أنتظر حتى الليل .. أنا بصحة جيدة .
بقي عماد صامتا وريم تدق الجرس ﻻ‌ستدعاء الممرضة وتصرخ بصوت مرتفع . جاءت الطبيبة مع ممرضة أخرى على صوت صراخها القوي . قالت للطبيبة وهي تنتحب من البكاء :
- أريد أن أرى طفلي اﻵ‌ن .
أوصتها الطبيبة بالذهاب مع زوجها والعودة سريعا لترتاح . فأقترب عماد منها وأمسك بيدها وذهبا إلى الحضانة . طرقا الباب وأرتديا المﻼ‌بس الخاصة وتوجها لغرفة العناية المركزة . أوصلتهما الممرضة إلى الطفل في سريره الخاص . وبسرعة أمسكت به ريم وقبلته وهي تبكي وجاء الطبيب بسرعة وشرح لها حالته . فسكنت قليﻼ‌ وبقي الطفل بين ذراعيها لدقائق قبل أن يطلب منها الطبيب إعادته إلى سريره الخاص .
***

ودعت كاميليا صديقتيها أمام بوابة المجمع العسكري الطبي وركبت سيارتها وطلبت من السائق التوجه إلى المستشفى الخاص بالدمام . كانت تشعر بالضيق واﻹ‌نزعاج عندما أخبرتها نسرين بشأن وﻻ‌دة طفل عماد المبكرة . تضايقت وشعرت بألم في قلبها سرى بسرعة إلى جميع أطرافها . كانت تشعر بالتعب واﻹ‌رهاق فهي لم تنم البارحة أبدا وظلت مستيقظة تفكر بعماد وبحياتها البائسة ومشاكلها مع زوجها . غطت عينيها ودموعها بنظراتها الشمسية وهي تفكر بالخطوة المقدمة عليها وهي زيارة الطبيبة النفسية . كانت تريد حﻼ‌ لوجعها وقلقها وعدم قدرتها على النوم ، تريد أن ترتاح من التفكير واﻷ‌رق فالدواء العشبي الذي استخدمته ضد الكآبة لم يفدها بشيء . دخلت على الدكتورة ليلى . سلمت عليها ونزعت النظارة وبانت عينيها العسليتين الغارقتين بالدموع ، فقالت لها الطبيبة بابتسامة رزينة :
- خير يا كاميليا .. لماذا البكاء ؟.. على فكرة اسمك جميل .
مسحت دموعها بمنديل وقالت :
- أنا تعيسة ومتعبة .. منذ عدة أشهر وأنا أعاني من صعوبة في النوم وكآبة لم أستطع التخلص منها .
حكت للطبيبة عن أحداث السنوات اﻷ‌خيرة ، منذ لقائها بعماد وعﻼ‌قتها به ﻷ‌ربع سنوات مرورا بزواجها اﻹ‌جباري بناصر وحتى اﻵ‌ن . أخبرتها عن تفاصيل عﻼ‌قتها الزوجية وعن الفشل والبرودة وكل شيء ، واستمعت لها الطبيبة بإصغاء شديد . أحست براحة بمجرد تفريغ ما في قلبها ﻷ‌حد يتفهمها وينصت لها بدون أن يلومها أو يعاتبها أو يحملها أدنى مسئولية .
حكت لها عن عماد والحب الذي ينهش قلبها ، وعن ناصر وخيانته اﻷ‌خيرة وعودتها إليه رغما عنها . طلبت منها الطبيبة قطع العﻼ‌ج العشبي وأعطتها حبوبا مهدئة بنسبة قليلة جدا . وحبوبا أخرى لتساعدها على النوم ، وموعدا بعد أسبوعين من أجل تقييم وضعها من جديد . اشترت الدواء من الصيدلية وركبت سيارتها . كانت تفكر بعماد وبطفله الصغير وتتمنى أن يكون بخير ووصلت إلى بيتها وهي مازالت على أفكارها ..
"
 
أعلى