السيد مسيلمة ممثلاً عن وزير التربية (1 )

المرداس

¬°•| عضو مبتدى |•°¬
إنضم
21 يوليو 2008
المشاركات
51
شهران ويأتينا الامتحان الوزاري ـ البكى لوريا ـ ونحن نبكي قبل لوريا.. بطرق شتى نركض على جسد من قلق فنحن أولاد الفقراء رزقنا الله بآباء فحول وأمهات وادوات ملأوا بيوتنا بالمواطنين الصالحين ومشاكلنا كثيرة، لكن أبرزها ونحن طلبة هي مكان المذاكرة، فبيوتنا لا تسعنا وتلقائياً اضطررنا للهروب الى العراء جماعات وفرادى.
كنا نتأبط كتبنا وشيئاً من المأكولات المتواضعة ونهيم في مساحة برية على أطراف مدينة بغداد في مكان يقال له ـ الشماعية ـ وقد ارتبط اسمها بمستشفى المجانين.
طرق ترابية تنتهي إلى أشجار وتمتد إلى معامل الطابوق ـ الآجر ـ نمر خلالها بمستشفى المجانين ومدينة الرشاد، حيث توجد إصلاحية الشباب الجانحين، ثم مأوى الأطفال اللقطاء ودار المسنين ومبان مغلقة تماماً لا نعرف عنها شيئاً.
وكالعادة ننطلق أنا وصديقي عبد جعفر الذي ارتدى النظارة الطبية مبكراً وثالثنا جاسم الطيار، ذلك المشاكس الفوضوي الذي يحلم أن يصبح طياراً وهو على خلاف دائم مزعج مع عبد جعفر ونبدأ المذاكرة فوراً ونحن نمشي بهدوء، فواحد يقرأ الدرس بصوت مرتفع وينهي القطعة ليبدأ الثاني بالشرح ويتناول الثالث موضوع القراءة، ثم تبدأ الأسئلة والمحاورة، وهكذا والخلافات النارية مشتعلة بين جاسم الطيار وعبد جعفر وكأني وجدت خصيصاً لحل هذه المشاحنات بدبلوماسيتي المعهودة.
كنا نقطع طريق السدة الترابي الطويل إلى حيث معامل ـ الطابوق ـ التي تلوح مداخنها المزروعة في قلب الصحراء، حيث نلتحق بعشرات الطلبة المنتشرين هناك كالبدو الرّحل، وقبل ان نحل ضيوفاً على صديقنا عبد الله سخي الذي هو معنا في نفس الفصل، لكنه يبدو أضخم منا حجماً ومكانة، بل وأناقة واعتزازاً بالنفس حد الغرور، ففي هذه المدة وصل نزاع جاسم وعبد جعفر إلى مرحلة خطيرة، حيث اشتبكا بالأيدي وتطايرت الكتب والأقلام، ولم تنفع لا دبلوماسيتي ولا توسلاتي بهما، بل شملاني بلكمات طائشة، ومن حسن حظ الجميع هرول إلينا عبد الله وهو يحمل غصن شجرة فأشبع عبد جعفر وجاسم الطيار ضرباً.. وفجأة هدأت المعركة.
بشرفك أتريد أن تصبح طياراً؟ وأنت هل ستصبح أديباً كبيراً؟ تخلف.. مهزلة! قل لي يا كريم ما سبب خصامهما هذه المرة؟
كان موضوع درسنا الفيتامينات وأهمية الجزر لتقوية البصر، فاقترح جاسم على عبد جعفر أن تشتري له عائلته طناً من الجزر فيأكله ويستغني عن النظارة الطبية. قال له عبد جعفر: أأنت متأكد؟ فقال جاسم: نعم فابن جارنا رياض كان شبه أعمى ولما التهم برميلاً من الجزر عاد له بصره. فضحك عبد جعفر ضحكته الشهيرة التي تشبه زمارة سيارة الاسعاف فلكمه جاسم واعادها له عبد وها انت ترى النتائج المحزنة.
هتف عبد الله بحرص وأبوية: الى متى هذه الخلافات التافهة؟ أهالينا يعدون لنا الأيام ونحن نضيع وقتنا الثمين، أرجوكما تصالحا فوراً ولتؤجل كل الخلافات بعد الامتحان، هيا قبلا بعضكما.
وبينما عبد الله يتكلم تناهت إلينا ضجة مدوية هرول باتجاهها كل الطلبة، بل وعمال معامل الطابوق.. ولم نتأخر عن الركب نحن الأربعة ولما وصلنا التجمع الغفير رأينا شابا يعتلي حصاناً وهو ينادي: أرجو الهدوء أرجو الإصغاء.. أرجو الانتباه. فمن أجلكم جئنا إلى هنا. ثم خطب راكب الحصان بلسان فصيح:
 

المرداس

¬°•| عضو مبتدى |•°¬
إنضم
21 يوليو 2008
المشاركات
51
السيد مسيلمة عن وزير التربية (2 )

لما وصلنا التجمع الغفير رأينا شاباً يعتلي حصاناً وهو ينادي: أرجو الهدوء، أرجو الإصغاء، أرجو الانتباه، فمن أجلكم جئنا إلى هنا.. ثم خطب راكب الحصان بلسان فصيح:
ـ اخواني الطلبة.. أنا ممثل السيد وزير التربية، وقد بعثني إليكم أحمل أخباراً سارة لكم، وهو سيحضر شخصياً وبعد دقائق، تصوروا الوزير نفسه سيزوركم في وسط الصحراء.. إخواني الطلبة يا شباب المستقبل وبناة الغد المشرق، بسواعدكم وعقولكم سيزدهر الوطن، فمن بينكم سيبزغ المخترع والعالم والطبيب والأديب والفيلسوف والرياضي ومدير الأمن ورئيس الجمهورية. قد تستغربون اخوتي المكافحين سبب ركوبي هذا الحصان، فأنتم تعلمون أن الأرض التي اخترتموها للمذاكرة وعرة متعرجة رملية ترابية، لا يمكن وصولها إلا بحصان أو مدرعة أو هليكوبتر.
صاحت الجماهير: وما هي الأخبار السارة؟
ـ أخاف أن يغضب السيد الوزير لو كشفت لكم السر، لكني سأخبركم وعلى مسؤوليتي وأرجو أن يسامحني السيد الوزير.
اخواني الطلبة، بعد أن علم سيادته بمعاناتكم في البحث عن مكان للمذاكرة والدراسة فقد خصّص لكم معاليه حديقة غنّاء واسعة تزدان بالمصاطب والكراسي وتزدهر بالأشجار والزهور.
وهنا قاطعته جموع الطلبة بالتصفيق وهتف بعضهم:
ـ عاش وزير التربية.. يا.. يعيش..
ـ يا..
ـ يعيش..
ولكم هناك اخوتي الطلبة مكرمة أخرى أقر سيادته بتجهيز مطعمين عامرين بالمأكولات والمشروبات ومجاناً ومن دون قيد أو شرط.
ـ عاش وزير التربية.. يا..
ـ يعيش..
يا..
ـ يعيش.. عاش عاش عاش..
وبينما جموع الطلبة تهتف بحياة وزير التربية، أقبلت سيارتا نجدة فأيقن الجميع أن الرجل كان صادقاً، فتركته الجموع وهرولت باتجاه السيارتين لاستقبال الوزير، فبقي راكب الحصان وحيداً وهو يصرخ بالجموع:
ـ لم تسألوني عن اسمي؟
صاح بعضهم: ما اسمك؟
أجاب: اسمي مسيلمة، ثم لكز حصانه وهو يسابق الريح..
أحطنا بالسيارتين ونحن نهتف: عاش الوزير.. عاش الوزير..
فهبط رجال الشرطة وصرخ كبيرهم: أي وزير وأي بطيخ؟، هذا مجنون خطير قتل الحارس وخنق اثنين من المجانين وطعن مزارعاً واستولى على حصانه، إنه يحمل مسدساً حقيقياً.. وانفضّت جموع الطلبة والسيارتان تبتلعان السدة الترابية ومسيلمة المجنون يرمي إطلاقاته بكل اتجاه.
قال أحد الطلبة: أتصدّقون أن هذا المجنون كان معي في الفصل وهو أذكى طالب في المدرسة!..
وسأله عبد الله: أتعرف سبباً لجنونه؟
ـ الله أعلم.. لكن أمه تقول فقد ولدي عقله حين تزوج أبوه المرأة الخامسة وأصبح عددهم خمسين نفراً في الدار!.
ثم سأله جاسم الطيار: ولماذا أسموه مسيلمة؟
ـ لم يكن اسمه مسيلمة، كان اسمه صابر، فأنتم تعلمون أن اسم مسيلمة مرتبط بالكذب.
وقال عبد جعفر: أجزم انه ليس مجنوناً ومكانه ليس في مستشفى المجانين، إنما غيره من الكثيرين أجدر بهذا المكان.
قالها عبد جعفر وهو ينظر إلى جاسم الطيار الذي همّ بتسديد لكمة له إلا أن يد عبد الله كانت أقرب له فلواها وهتف: يعيش وزير التربية.. فهتفنا ضاحكين: يعيش.. يعيش.. يعيش!..
 

الفلاحي صاحي

¬°•| عضو مثالي |•°¬
إنضم
10 يونيو 2008
المشاركات
1,536
الإقامة
في قلوب محبيني
انت حلال المشاكل وأحلى شيء يوم نصح صاحبك بأكل طن من الجزر اقتداء بصف عمي جيرانكم المصون أما مسيلمة فضحية أبو وخمس زوجات 50 فرد في نفس البيت قصة الوزير مسيلمة(صابر) حلوة وتذكرني بقصة سمعتها ولها نفس الوقائع وشكرا ننتظر جديدك اخي ولاتحرمنا من هذه الاثارة مثل صاحبك الطيار....
 
أعلى