السياحة رؤية دينية

سعود الظاهري

:: إداري سابق ومؤسس ::
إنضم
15 أكتوبر 2007
المشاركات
6,861
الإقامة
الجنـ هي الهدف ـة
الســيـاحــة .. رؤيـة ديـنـية

قد يذهب كثير من الناس إلى الاعتقاد بأن السياحة فعل لم تأت على ذكره الشرائع السماوية سلبا او ايجابا ولكن الحقيقة على العكس تماما من ذلك، جعل الله سبحانه وتعالى من السياحة وسيلة عظيمة من وسائل تقرب العبد إلى ربّه عزوجل حين امتدح السائحين والسائحات بقوله عز وجل في الآية 112 من سورة التوبة ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) وكما جاء في الآية الخامسة من سورة التحريم ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وابكارا)،ووردت لفظة السياحة في الآية الثانية من سورة التوبة (فسيحوا في الارض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين).

ومعنى كلمة السائح في الآيتين الاوليين هو الصائم الملازم للمسجد، ولذلك فقد ذهب البعض إلى التقريب بين هذا المعنى وبين المعنى اللغوي للسياحة الذي هو التنقل في الأرض طلبا للتنزه أو للاستطلاع والبحث والكشف، وفي اللغة يقال ساح الماء أي سال وجرى وساح فلان في الأرض أي ذهب وسار وأيضا ذهب فيها للتعبد والترهب. وللسياحة معنيان أساسيان، وكل منهما عبادة جليلة، الأول أن يترك العبد وطنه وفيه أهله وبيته وأولاده واقاربه وعشيرته ثم يسيح إلى مكان ليس فيه شيء من ذلك، وهو يتعرض للمخاطر والمشاق خارجا في سبيل الله مجاهدا أو متفكرا أو متعلما ونحو ذلك مما يدخل في قوله تعالى ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم اللهُ ينشئُ النشأةَ الآخرة ان الله على كل شيء قدير) - الآية 20 سورة العنكبوت.


والسياحة في هذا المعنى إما مسيرة اعتبار في ملكوت الله وآياته في خلقه وبديع صنعه واما مسيرة استثمار من الذين يضربون في الارض. والمعنى الثاني هو الصيام من حيث أن السياحة تخرج السائح عما ألفه من أهل ووطن، والصيام يخرج الصائم عما ألفه من عادات وشهوات ومشهيات فالقدر المشترك بين الرجال السائحين والنساء السائحات هو في سياحة الاعتبار «أخذ العبرة» وفي سياحة الصوم. فالسياحة إذن «ممارسة جدية لكل الفضائل المادية والمعنوية من كرم وسخاء وبشاشة، وحفظ اللسان والبطن والفرج وحينئذ يكتب الله له هذه السياحة من أجل ان يرفع الله العبد إلى درجة الصالحين المرافقين للانبياء والصديقين والشهداء».

وينظر إلى السياحة في الشرع الإسلامي من عدة زوايا، فمن زاوية ينظر اليها كونها نشاطا إنسانيا أو فعلا بشريا ينبغي أن يتقيد بجملة التعاليم والادلة الشرعية، والا يفوت فيه واجب ديني أو دنيوي، أو يكون طريقا لارتكاب محظور ومبغوض أو أن يكون هو نفسه فعلا محرما ومحظورا. أو من زاوية كونها تجولا في الأرض، ومشيا في مناكبها، وتأملا في كون الله، والنظر في آياته ومعجزاته، والتدبر في تنوع خلقه واختلاف مخلوقاته. ومن زاوية كونها مناسبة سنوية أو فترة زمنية يجدد فيها السائح نشاطه، ويزيل عن نفسه أعباء الأعمال وأتعاب الاشغال، ويقدم لنفسه ولأهله ضروبا من الترفيه والانتعاش والسرور الأمر الذي يبعث فيهم الحماس والنشاط. وهي من زاوية أخرى تعتبر وسيلة للتعرف على المسلمين وعلى همومهم ،أحوالهم، ولتوثيق الصلة بهم، وتحقيق معنى الاخوة العامة التي يدعو إليها القرآن العظيم ( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين اخويكم).وهي ايضا ينظر اليها من زاوية كونها اطلالة على شعوب وفئات كثيرة واطلاعا على ظروفهم واوضاعهم والافادة من ذلك في التطوير والتوجيه والاصلاح.

وللسياحة في المفهوم الاسلامي ضوابط على رأسها التقيد بمنهج الشرع وتوجيهاته وأدلته ومنها عدم ترك واجب ديني كاقامة صلاة واداء زكاة وإسداء نصح، ومنها عدم ترك واجب دنيوي كتربية ولد وانفاق على زوجة أو والدة وإضاعة مال. ومنها ايضا عدم الوقوع في المحرم أو في طريق يؤدي إليه، ومنها عدم الاسراف في المباح وعدم المبالغة في ممارسة الحق الشخصي مثل الاسراف في النفقات والمصروفات، الامر الذي يؤدي إلى إضاعة المال وكذلك هدر الأوقات والمبالغة في الترفيه واللعب والارتخاء الذي يؤدي إلى الاستخفاف بقيمة الوقت والى تعويد النفس على إدامة الراحة والخلود الى عدم العمل والحركة والعزوف عن الفعل والنشاط.

وقد تكلم علماء الأصول عن السياحة من خلال تناولهم لبعض قواعدها التي اعتبرت إطارا اسلاميا عاما ومستندا دينيا إجماليا ومن هذه القواعد قاعدة «دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح» فإذا علم السائح انه سيرتكب بعض الذنوب أو يقع في بعض المحظورات فلا يتردد في تركها وان كان يغلب على ظنه أنه سيجلب بعض المصالح، كمصلحة تقوية البدن وتنشيطه ومصلحة التعارف مع أناس آخرين ودعوتهم أو مصلحة جلب بعض السلع أو الأمتعة. ومنها قاعدة «الموازنة بين المصالح» ومعنى هذا ان المصالح إذا تعددت وتعارضت فإنه يعمل بالترجيح بينها وتغليب الاهم منها على ما دونها مثل أن يقدم الإنفاق من أجل معيشته على الإنفاق من أجل السياحة والترفيه وأن يقدم تسديد ديونه على تسديد نفقات الفنادق والشواطئ وتذاكر الطائرات وغيرها. ولعل من ذلك ايضا ان يقدم السياحة الداخلية على السياحة الخارجية في بلاد أجنبية. وفي السياحة الخارجية ايضا درجات وموازنات فله أو عليه أن يقدم السياحة في بلاد عربية وإسلامية على السياحة في بلاد غربية او شرقية قد يسيح فيها وقد لا يعود بعد أن عصى وغوى.

وللسياحة في المفهوم الاسلامي آداب وسنن يستحسن اتباعها وهي تنطبق على مجمل السفر والارتحال عامة ومنها قبل كل شيء الاستشارة والاستخارة ثم التوبة من جميع المعاصي ورد المظالم إلى أهلها وقضاء ما أمكن من الديون ورد الودائع وطلب المسامحة وكتابة الوصية وترك لأهل المسافر ما يحتاجونه من نفقة.

ومنها إرضاء الوالدين والزوج واصطحاب الرفيق، وقديما قيل «الرفيق قبل الطريق». والسفر يوم الخميس تحببا بالتأسي بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واداء ركعتين صلاة سنة السفر ووداع الأهل والجيران والاصدقاء واستسماحهم والتكبير والتسبيح عند العلو والهبوط دون رفع الصوت والدعاء عند رؤية بلد بالقول «اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها». وعند بداية السفر على الطائرة او الحافلة او سواهما من وسائل السفر الدعاء بالقول «الحمد لله» ثلاث مرات، ثم القول «سبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون » ثم «الحمد لله» ثلاثا و«الله اكبر» ثلاثا ثم القول «سبحانك اللهم اني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» ويستحب إن يضم إليه «اللهم انا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما تحب وترضى، اللهم هوّن علينا سفرنا واطو عنا بعده، اللهم انت الصاحب في السفر، والخليفة في الاهل والمال، اللهم انا نعوذ بك من وعثاء السفر وسوء المنظر وكآبة المنقلب في الأهل والمال والولد».

السياحة البينية واجب ديني:
تتصدر السياحة قائمة مجالات النشاط الاقتصادي والموارد الاساسية للدخل القومي والعملات الصعبة في كثير من دول العالم ومنها دولنا العربية، وواقع الحال يشير إلى أننا مازلنا الزبائن المستهلكين كشأننا في كثير من المجالات وأننا الى ذلك زبائن متميزون ننفق كثيرا ويتنافس على اجتذابنا اصحاب السلع «مناطق الجذب السياحي».

وتقول بعض الاحصاءات ان هناك مايزيد على 20 مليون سائح عربي ينفقون سنويا مابين 25 الى 28 مليار دولار، وهذه الاموال العربية المهدرة باسم السياحة والسفر يذهب معظمها إلى دول غربية اخرى غير عربية ولعل من قبيل العمل بالقاعدة الشرعية الآنفة الذكر«الموازنة بين المصالح» ومن قبيل ترجيح العقل الذي يقول إنه اذا كانت التجارة البينية بين الدول الاسلامية والعربية لا تزال دون المستوى المطلوب فمن باب أولى أن يتم تدارك هذا التقصير في السياحة البينية وقبلها في السياحة الداخلية في كل دولة. فكثير ممن يتطلعون للسفر إلى الدول الاجنبية لا يعرفون خريطة بلدهم بالضبط او مزايا كل منطقة فيها ناهيك عن الجوار العربي أو الاسلامي.

وبدلا من الانسياق وراء الغرب أرضا وقيما او استدعائه ليؤسس لنا سياحة داخلية بشروطه هو وآلياته ووسائله من صناعة فندقية غربية بكل ما تحتويه من محاذير ومزالق وبدلا من ذلك علينا أن نعيد اكتشاف المكان الذي أنعم الله به علينا، وما اغناها من أرض حقيقية تضم من نعمه الكثير من أجمل صور خلق الله وأنسبها لكل أوجه السياحة والسفر الحلال سواء كانت ترفيهية او علاجية او استكشافية او تعليمية.

وما دمنا نشكو من آثار السياحة الخارجية واستنزافها للاموال الطائلة من مقدراتنا فإن علينا الاتجاه الى البدائل السياحية الداخلية الناجحة التي تكسر الروتين اليومي وتكون اكثر امتاعا من السياحة الخارجية المحفوفة بالمخاطر ومن هذه البدائل:
* الخروج الى المتنزهات لقضاء يوم كامل فيها أو نصف يوم مع اصطحاب الاطفال وألعابهم كالدراجة أو الكرة وتناول وجبة افطار أو غداء. *ارتياد الحدائق العامة والمتنزهات مثل حدائق الحيوانات وحدائق الاسماك ففيها تحفيز للتأمل في خلق الله والتفكر في آياته من خلال مشاهدة هذه الحيوانات والتعرف على انماط حياتها وطبيعتها مما يترك في النفس آثارا حميدة تعمق الايمان بالله وبصفاته وبديع خلقه.
*المسابح .. يمكن الاشتراك الدائم في مسبح معين او الذهاب اليه على فترات واذا صاحب ذلك نية تعليم الاولاد السباحة كما أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسيصبح ذلك ترفيها وعبادة معا امتثالا للسنة المطهرة بتعلم السباحة والرماية.
* الاشتراك في النوادي والجمعيات الرياضية والثقافية لما فيها من فائدة ومتعة وقضاء للوقت فيما يعود بالنفع على النفس والبدن.
* زيارة المعالم التاريخية والأثرية كالمتاحف والمعارض لما في ذلك من ربط للماضي بالحاضر وتوعية الناشئة لما يعاصرونه من وقائع وأحداث.

وعند الحديث عن البدائل للسياحة الخارجية ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا الذهاب وشد الرحال إلى البلد الحرام ففي الحديث الشريف «لا تشد الرحال الا لثلاث: المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا» ففي أداء فريضة الحج أو العمرة او الصلاة عند الكعبة المشرفة سياحة روحية ممتعة تسبح فيها الروح في بحار نورانية تغسل النفس مما علق بها من آثام وكذلك زيارة مدينة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الروضة الشريفة جلاء للنفس من أتراحها وشفاء لما في الصدور.

وكم هو حري بأبناء هذه المنطقة المباركة التي شهدت انبثاق أنوار الرسالات السماوية أن يهتموا بزيارة أماكن هذا التاريخ الديني الفريد الذي لا يتوافر في أي منطقة أخرى بالعالم، ولاشك أن الحرمين الشريفين اللذين تهفو لهما قلوب الملايين من المسلمين في شرق العالم وغربه جديران برحلة محاطة بالأجر والخير العميم، إن ذلك مدعاة لكل المسلمين في أرجاء المعمورة أن يقوموا برحلة نحو تلك الديار المقدسة في جو تحفه الطمأنينة والأمن والأمان


c223.gif
 

ღ أ”أ£أ¦أژ ღ

زائر
تــسلم أخوي الظاهري ع النقل النااااااااااايس والمفيد

ومشكور وما تقصر
 

المشاعر

¬°•| مراقبة سابقه |•°¬
إنضم
19 نوفمبر 2007
المشاركات
2,582
بارك الله فيك اخوي
 

منوة الروح

¬°•| مراقبة عامه سابقه |•°¬
إنضم
4 مايو 2008
المشاركات
4,146
سبحان الله كل شي وحكمته
مثل ماقلت
وفـ السياحه نتفكر بخلق الله سبحانه وتعالى
والتفكر فالخلق يقرب العبد من ربه


بارك الله فيك ع الموضوع المتميز
 

(الكعبي)

¬°•| مُِشْرٍفَ سابق|•°¬
إنضم
24 ديسمبر 2007
المشاركات
2,229
الإقامة
شمال عمان الغاااالية
مبدع يااااااااالظاااااااااهري
 

سعود الظاهري

:: إداري سابق ومؤسس ::
إنضم
15 أكتوبر 2007
المشاركات
6,861
الإقامة
الجنـ هي الهدف ـة
مسآكم ورد جوري

:

تسلمون آلغ ـوآلي ع آلمرور وآلرد آلغ ـآوي ؛
ربي يع ـطيكم آلعآفيـ ه . .

منورين ~


:

لآ تح ـرمونآ من هآلطلـ ه ..!*.


وننتظر ردوود البقية

مب بس تشوفون الموضوع


.
.
 
أعلى