" وطني العربي ماذا أصابك "

أبو سلطااان

مؤسس و رئيس الفريق التطويري
طاقم الإدارة
إنضم
8 يونيو 2008
المشاركات
5,874
العمر
112
الإقامة
?!?!
0A94E028-44AD-4557-95DD-BCB09FC3502B.jpeg

عندما كنا صغاراً على مقاعد الدراسة ، هام بنا الشاعر العرباوي فخري البارودي في قصيدته ( بلاد العرب أوطاني ) ، وجعلنا نزداد شوقاً لزيارة بعض المدن والمناطق العربية ، التي تغنى بها في أبياته ( الشام - بغدان - نجد - يمن - مصر - تطوان ) ، هذا الربط لموقع خريطة الوطن العربي كما وصفه الشاعر ، أضاف له رابط آخر أشد قوة وتماسكاً في قوله ( لسان الضاد يجمعنا ) ، لذلك كبرنا وكبرت معنا أحلامنا ، ولعل أهمها ما ذكره البارودي حين قال ( فهبوا يا بني قومي إلى العلياء بالعلم ) ، فتطلعنا إلى مواصلة مسيرة العلم والمعرفة في إحدى هذه المدن التي عددها الشاعر في قصيدته الرائعة بجمال وصفها وقوة معانيها ، وسار بنا الشوق إلى بلاد الرافدين التي تميزت في ذلك الوقت ، بالطفرة العلمية والحركة الثقافية الذي إزدهر به العراق في الثمانينات ومع بداية التسعينات ، ناهيك عن وفرة المناظر الطبيعية وكذلك المواقع الأثرية التاريخية ، ولكن سرعان ما تبخر ذلك الحلم وتلك الأمنية المتعلقة بالتجول في حدائق بابل المعلقة ، مع دخول منطقة الخليج مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر ، فبدأ المواطن العربي يتعرف إلى كلمات ومصطلحات كانت بعيدة كل البعد عن مجتمعنا الخليجي بشكل خاص مع ظهور مخلوقات غريبة تغزو فضائنا الخليجي والعربي مع انطلاقة شرارة حرب الخليج ، ممثلةً في ظهور أسماء ( المقاتلات والقاذفات والصواريخ ...الخ ) وغيرها الكثير والكثير من السموم والأسقام التي أمتلأت بها السماء ببلاد العرب أوطاني.
ولذلك بدأنا في البحث عن بديل آخر لتحقيق تلك الأمنية ، فهام بنا الشوق إلى بيروت الفن والجمال ( باريس الشرق ) ، التي كانت سباقة في الحركة الثقافية العربية ، ولعل أبرز مثال على ذلك هو وجود الكاتب والفيلسوف العربي جبران خليل جبران ، الذي أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته ، ولكن دولة العدو الإسرائيلي لم تترك لهذا البلد الجميل حرية تمتع أبناؤه بالمقومات التي أنعمها الله عليهم ، وأوجدت للزائر لهذه الحضارة الشك والخوف من تجدد العدوان الصهيوني ، ناهيك عن الخلافات الداخلية التي عصفت بالمجتمع اللبناني ، مما تطلب تغير الوجهة إلى منطقة أخرى أكثر أمناً واستقراراً.
بعد ذلك بدأت الأوضاع في بلدان الوطن العربي تتدهور تباعاً ، قديماً كنا نسمع في كل نشرات الأخبار موضوع واحد يردد في كل نشرة ألا وهو القضية الفلسطينية ، ولكن مع دخول الأمة العربية في الألفية الجديدة ، أخذ المستمع والمشاهد العربي في كل نشرة يستمع إلى قضية جديدة ، فمن دارفور وجنوب السودان ومشاكل الصومال ، ظهر لنا مسمى جديد عرف بثورة الربيع العربي ، في المحطة الأولى كانت تونس ومن ثم أعقبتها مصر ، ثم تواصلت حتى غدت في ليبيا واليمن وتغلغلت في سوريا ، وظلت تظهر يوما بعد يوم في عدة أقطار ومدن عربية مختلفة .
في الحقيقة الشاعر فخري البارودي في أبياته ( بلاد العرب أوطاني ، من الشام لبغدان ، ومن نجد إلى يمن ، إلى مصر فتطوان ) ، كان يحلم أن يسود بين هذه الدول المحبة والتعاون والتحضر ، والسعي إلى مواصلة العلم والتقدم التكنلوجي ، ولكن للأسف بلاد العرب أوطاني لم تكن كما حلم بها شاعرنا العربي ، فتحولت فجأة إلى مقبرة للموتى ، ولانتشار الجرحى واليتامى والمشردين ، لم يكن ذلك ليحدث لو لم يكن هناك عوامل أفرزت هذا الغليان المجتمعي العربي ، ولعل أبرزها انتشار الجهل والظلم والفساد بين أطياف المجتمعات العربية ، مما حذا بظهور هذا الجرح العميق في واقعنا المعاصر ، ولذلك نقول نيابة عن شاعرنا ( وطني العربي ماذا أصابك ).
أعزائي ذات ليلة أثناء عودتي من السفر ، حيث كانت تشير الساعة إلى الثالثة فجراً ، وعند وصولي لمنزلي وجدت عائلتي تركت أبواب المنزل مفتوحة ، عندها شعرت بالنعمة التي أنعمها الله تعالى على وطني العزيز ، من خلال ما نتمتع به من أمن وأمان واستقرار ، فلا فتن ولا خراب ولا دمار مما ابتليت به بعض البلدان الأخرى ، فاللهم أدم هذه النعمة وأحفظها من الزوال..

حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com
 
أعلى