" العولمة وثقافة الإستهلاك "

أبو سلطااان

مؤسس و رئيس الفريق التطويري
طاقم الإدارة
إنضم
8 يونيو 2008
المشاركات
5,874
العمر
112
الإقامة
?!?!
99C2173D-FC20-49B3-9669-82524DB911B3.jpeg


إن مفهوم العولمة في بدايته كان يهدف إلى وجود نظام عالمي يقوم على أساس إنتاجي واحد ، وبناء سوق عالمية واحدة تدار بواسطة الشركات متعددة الجنسيات ، كما أن الفكرة كانت توحي إلى صناعة عالم جديد أكثر أمنا واستقرارا أو كما يقول أصحابها، ولكن كل هذا لم يحدث ، لأن هذه الثورة الكاسحة للعولمة حولت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة يتحكم فيها عدد من الشركات متعددة الجنسيات ، وتمتلك من القدرات والإمكانات ما يجعلها تسيطر على العالم أجمع ، حيث تقوم بنقل ثقافات جديدة وتهدم الثقافات السائدة في المجتمعات التي تسيطر عليها ، كما أنها أصبحت لا تعترف إلا بالأقوى ولا يوجد مكان لديها للأضعف ، وقد ساعدها التطور العلمي في الاتصالات ونقل المعلومات على سرعة انتشارها ، مما أوجد الكثير من الآثار السلبية للعولمة في جميع الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية على شعوب المجتمعات التي سيطرت عليها ، وسنتتطرق في هذا العرض فقط لمفهوم العولمة وثقافة الاستهلاك ، مع التأكيد بأنها لا تخلو من الآثار الإيجابية في بعض المجالات ، ولسنا هنا في تقييم لها ، وإنما نناقش أحد آثارها فيما يخص موضوع الاستهلاك .
إن المجتمعات في دول العالم الثالث والمجتمعات العربية بالأخص ، كان لها أعظم التأثير في موضوع الاستهلاك ، فأصبح الاستهلاك لدينا مفروضا بدل أن يكون اختياريا ، مع العلم أن ديننا الإسلامي أمرنا إلى اتباع ثقافة الاسترشاد وعدم الإسراف في جميع النواحي سواء كان في المأكل أو المشرب وكذلك الملبس ، ولكن للأسف الشديد أصبح الاستهلاك يمثل لدينا رمزا لمكانة الشخص ، فالشخص الذي يستهلك بشكل كبير ، أصبح يعرف بأنه متطور وذو شأن ، ويقتني جميع السلع التي تعرض بالأسواق ، فيتمنى كل فرد أن يكون مثله ، ولكننا إذا ما نظرنا إلى دول العالم المتقدم فسوف نجد أن الاستهلاك معهم يكون في صالح التنمية ، وبالتالي يكون هناك إعادة للإنتاج ، أما في دول العالم الثالث فإنها تقوم باستهلاك ما تنتجه الدول الصناعية ، وبالتالي أصبح فكرنا بعيد عن التصنيع والإنتاج ، لان كل شي يأتينا جاهز ومصنع في الخارج ، لقد أصبحت مجتمعاتنا تهتم بإعلان السلعة أهم عن السلعة نفسها ، لم نعد نسأل عن جودة السلعة ، كما هو سؤالنا عن عدد ألوانها وأشكالها.
إن ظاهرة الاستهلاك الغير مبررة ، التي اجتاحت مجتمعاتنا لم تكن تحدث على سبيل الصدفة ، وإنما هي مصنوعة بعناية في معامل الدول والشركات المهيمنة على اقتصاد العالم ، حيث تقوم أفكارهم على أن الناس قادرون على الاستهلاك في كل مكان ، وهذا فعلا ما نجحت فيه ، فأصبح القادر وغير القادر يجري وراء السلعة ، مما أوجد نوع من الإدمان على الشراء عند بعض الأفراد ، فلا يطرح نوع جديد من الأجهزة أو الملابس إلا وسارع الأفراد إلى شرائه ولو لم يكونوا في حاجة إليه ، إنها الدقة في طريقة الترويج التي تتبعها تلك الشركات ، فكان للقنوات الفضائية دورا بارزا في نشر هذه الثقافة ، ونجد دائما التركيز على الأطفال والنساء في عمليات الترويج .
إن ما يرمى يوميا من الطعام والشراب الزائد عن حاجة الأفراد في براميل القمامة بمجتمعاتنا العربية ، يقدر بمئات الملايين من الدولارات ، كما أن ربع ما يرمى من هذه الأطعمة والمشروبات يكفي لسد حاجة مجتمع من المجتمعات الفقيرة المنتشرة في أرجاء المعمورة ، التي لا تجد مسكن تأوي إليه ولا مأكل تسد به جوعها ولا شربة تملي بها ظمئها ، ويكفي دولنا العربية خجلا أن تكون هناك أزمة غذائية مرت بها دولة عربية اسمها الصومال ولم يجد أطفالها ربع ما تجده القطط من أطعمة في براميل القمامة ببقية الدول العربية.
إن ما أنتجته العولمة من ظواهر سلبية على المجتمعات ومنها ظاهرة الاستهلاك المفرط ، لابد من وقفة لجميع الأفراد والمؤسسات للتنبيه والتوعية لهذا الموضوع ، فعن طريق منابر المساجد ووسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات التعليمية والجمعيات ، يجب أن ينبه المستهلك إن ما يقوم به من استهلاك غير طبيعي ، إنما هو نتيجة تخطيط ممنهج على مجتمعاتنا من قبل شركات لا هم لديها سواء الربح المادي فقط ، ولا قيمة لديها للجانب الديني ولا الإنساني ولا الإجتماعي أو الأخلاقي ، كما أن زيادة الإسراف والتبذير ، أمر غير مقبول شرعا ولا يحصل صاحبه غير الإثم وعاقبة الأمر في المال والحال.

حميد بن فاضل الشبلي
humaid.fadhil@yahoo.com
 
أعلى