التطهير بالقرآن ومعاني القرآن وأنوار القرآن

نسمات القرب

¬°•| عضو مبتدى |•°¬
إنضم
29 ديسمبر 2013
المشاركات
90
[frame="9 10"]
كلُّ من يقتنع بدخول الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخله، وبعد نبذ الشرك وتثبيت عقيدة التوحيد والإيمان بالرسالة، تأتي الخطوة الثانية وهى بيت القصيد المنتج، التربية، وتبدأ بإصلاح القلب خطوة بعد خطوة: إذا كان القلب محتاجاً لجرعة قرآنية تطهِّره يطهِّره النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وعلاجه: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} الإنسان21

فيتلو عليهم القرآن، ويشرح لهم معاني القرآن فيطهِّره الله بالقرآن ومعانى القرآن وأنوار القرآن. والذى ما زال عنده المرض شديداً، يأخذه النبى العدنان بالتؤدة والرحمة واللين إلى أن يجري له العملية الجراحية النورانية الإلهية التي يقول فيها ربُّ البرية في قوله الكريم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47
فالذى يقابل أخاه يقابله بالسرور والإنشراح والإنفتاح والترحيب، وليس بالضغينة والحقد والنفور والإشمئزاز.
فالتربية الإيمانية وإصلاح القلوب هى علاجات المصطفى ووظيفة أهل الصفا والوفا في كل زمان ومكان

فعندما تنصلح القلوب تطهر الصدور وتمتلىء بالنور، ومن امتلأ صدره بالنور يكون بالنسبة لإخوانه المؤمنين كالميت، لا يغتاب أحداً، ولا يحسد أحداً، ولا يحقد على أحد، ولا في نفسه حاجة لما في يدِ أحدهم، وكأكمل الأحياء الذين يمشون بالنور فيما ينفع جميع إخوانهم .... لماذا؟ لأنه مات عن قبيح الأمراض وتخلص منها، وهو من قال فيه الله: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} الأنعام122
أحياهم الله وصاروا يمشون بنوره عز وجل، وخذوا نموذجاً على ذلك:

وصل بهم الحال لما تربوا على المائدة المحمدية وانصلحت قلوبهم أنه أرسل أحدهم رأس شاة مشويَّة لرجل فقير من إخوانه - فقير لكن قلبه غني وبالنور الذي فيه من الله كبير - فلم يسترها عن الجيران لكى لا يحسدونه، ولم يقل أغلقوا الباب جيداً حتى لا يأتينا أحد بغتة أو يسمع بنا أحد، بل قال لزوجته: يا أم فلان، أنا أرى أن أخي فلان وعياله هو أحوج إلى هذه الرأس منَّا، خذيها وأعطيها لهم، فأعطوها للثاني الذى فعل مثل الأول، وأعطاها الثاني للثالث

ليس في قلوبهم مرض ولا غرض ولا عرض، وهو سرُّ تعبنا الآن، لكن عندما شُفِيَتْ الصدور كما رأيتم عندهم، اختلف الأمر وصار كلُّ واحد يؤثر أخاه بالخير، مع شدة حاجته وأهله وأولاده له، {فمرَّت الرأس على سبع منازل}{1}
وقيل تسعة ورجعت للمنزل الأول مرَّة أخرى، وقيل: {فبعثوا به فلم يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم}{2}

هل تصدقون طاف الرأس ببيوت المدينة؟ كيف تربَّى هؤلاء؟ مم صيغت نفوسهم؟ ألم يستشرف واحدٌ منهم للرأس أو تمنعه زوجته أو يرق لصبيته وكلهم فقراء؟ إنها الرحلة العجيبة من الإيثار التي استحقت وسام الإبهار .. الذى يتلى آناء الليل وأطراف النهار، يُذَكر بأثر التربية الإيمانيَّة والأدوية المحمديَّة في أصحاب النبى المختار: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر9

وكان الإيثار يقع في الحرب، فيموت الثلاثة أو الأربعة لأن كلٌّ يؤثر صاحبه بشربة الماء بدلاً عنه إنه إيثار بالروح أيضاً. ولنطير إلى عصرنا الحالي وهاكم مثالاً عصرياً من بيننا اليوم:

كلكم تعرفون جيداً عندما يبتلى أحدنا بواحد متخصِّص يغيظه ويضغط عليه حتى يكاد ينفجر في وجهه، فماذا سيحدث؟ الغيظ يوشك أن يترجم إلى حركات، وربما سُباب وربما يزداد المفعول ويتحول إلى ركلات وضربات، وربما يزيد أكثر فيتحول إلى أعيرة نارية أو غيره.

ولكن إذا جلس هذا الرجل مع أحد من العلماء العاملين الحكماء من لديهم نورٌ من ربِّ السماء، ويعرفون كيف يعالجون هذا الإبتلاء أو ذاك البلاء، فيجلسون ليحدثوه ويرققوه ويواسوه ماذا يحدث يا إخواني؟ يقوم من بينهم وقد ارتاح فؤاده، وذهب غيظه، وشفى داؤه ومرضه بأى دواء؟ بالدواء الذي يحتاج إلى نور حضرة العزيز الغفور عز وجل: {قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} يونس57

فالموعظة جاءت من العالم الصالح أو الرجل المصلح وجاء معها الشفاء لما في الصدر وأذهب الله بها الغيظ، ألا يبين لكم هذا بسهولة ويسر فعل العلماء المصلحين وأثر الإصلاح في الأفراد.

ومثال ثالث لتتلمسوا حاجتنا لصلاح القلب بوضوح فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ربَّاهم صلى الله عليه وسلم على هذه الفضائل، وعلى هذه الصفات العالية، وكان لكل واحد معرفة بنفسه ويقيس حاله ويذهب لرسول الله لطلب الدواء القلبى ويسأل إخوانه ليبصرونه بعيوبه، هذا ما كانوا عليه.

والمثل هو لو أن الواحد فينا الآن لو رأسه آلمته يسارع إلى الطبيب، وإذا لم يجد علاجاً في بلده يسافر للقاهرة وإذا لم يجد في القاهرة، يسافر إلى الخارج، لأن رأسه توجعه ويحتاج لعلاج لها، هذا حسن ولكن عندما يصلي لا يدرى ماذا يقول وليس عنده خشوع أو حضور في الصلاة، ولا يسأل، هل هذا يصح أن يترك قلبه مريضاً هكذا؟ ألا يطلب له الدواء؟ المطلوب أن تعالج نفسك من مرض الشرود في الصلاة، لتكون من الذين أثنى عليهم الله، وقال في حقِّهم في كتاب الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2} {1-2المؤمنون}

فهذه أمثلة ثلاثة مختلفة سقناها لبيان وظيفة وصناعة الإصلاح التي يقوم بها النبيون ومن بعدهم العلماء العاملون، ودعونا نلخص العبرة:

من حلَّ مشاكل هؤلاء الفقراء في المدينة حتى آثر كل واحد أخاه بالرأس وهو في شديد الحاجة لها؟ ما الذي سدَّ فاقتهم وهي على أشدها؟ إنما هو صلاح قلوبهم ووسعة صدورهم، وشفاؤهم من أمراض الأثرة والأنانية والأحقاد والأحساد والغلُّ والشُّحّ والطمع والحرص والبخل، وما شابه ذلك وهى الأمراض التى تدمر كل بلد وواد.

وفي المثال الثاني من الذى منع الشخص الحانق من أن يتطور غيظه إلى فعل مدمر أو عمل مؤسف؟ قد يجر عليه العواقب، ومعظم النار من مستصغر الشرر، إنه برد نصيحة العالم الرباني العارف بأمراض النفوس نزل على حرِّ غيظ نفسه فبردها وطيَّبها، بل وربما التمس العذر لأخيه. ومن الذي يعالج القلب في المثال الثالث من غفلته وقسوته حتى إذا دخل في الصلاة لم يشرد من بين يدى الله؟ بل يعلم أمام من هو واقف فيتصل بالله ويصير كلما دعاه أجابه ولبَّاه.

إنه علاج القلوب الذى لا يوجد في صيدليات ظاهرة ولكنها أدوية ربانيَّة يصرفها ويعرفها النبيون ومن بعدهم العلماء العاملون الذين معهم أسرار العلاج الناجع ومعهم الترخيص الرسمى بذلك كما قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} الإسراء82
لم يقل: (أنزلنا)، بل قال: {وَنُنَزِّلُ} بالمضارع المستمر، أى: يتنزل باستمرار على قلوب العلماء والصالحين ما به يشفون المرضى من هذه الأمراض التي هى سبب كل بلاء ينزل في الأرض أو يهبط على أهلها من السماء، فيصلحونهم، نعم إنها التربية الإيمانية في ورشة الإصلاح النبوية​


{1} أخرجه الحاكم وصححه. وابن مردويه. والبيهقي في «الشعب» عن ابن عمر رضي الله عنهما ( نقلناه بالمعنى).
{2} مصنف ابن أبي شيبة



http://www.fawzyabuzeid.com/كتب/اصلاح-الأفراد-والمجتمعات-في-الإسلام

منقول من كتاب {إصلاح الأفراد والمجتمعات فى الإسلام} لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
اضغط هنا لقراءة أو تحميل الكتاب مجانا}



Book_Eslah_Alfraad_Walmogtmaat.jpg

[/frame]
 
أعلى