)))--- رعاية كبار السن في المواثيق الدولية ---(((

دانة غزر

صاحبة الروح الطيّبة
إنضم
15 أبريل 2008
المشاركات
20,153
الإقامة
البـــــــــــريمي
رعاية كبار السن في المواثيق الدولية


يشهد العالم تحركاً واهتماماً زائدين في بحث قضية الشيخوخة، وما تعانيه هذه الشريحة المهمة من أمراض صحية وبيئية وأخرى متعلقة بالفقر وخاصة في البلدان النامية، التي تعاني من نقص كبير في تقديم الخدمات والرعاية للمسنين. وتزايد عدد المسنين في العالم يشكل تحدياً كبيراً لكافة المجتمعات.

وقد شهد المجتمع الدولي أكثر من فعالية دولية تمثلت في عقد مؤتمرات دولية لبحث مشكلة الشيخوخة وما تعانيه من معوقات في الكثير من البلدان والمناطق، ولا سيما تلك التي تكثر فيها مشاكل اقتصادية وحروب مستمرة تأخذ أشكالاً وأبعاداً كثيرة.

فقد تبنى مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد في مدريد خلال الفترة من 8 إلى 12 أبريل 2002م خطة عمل لمعالجة مشاكل المسنين في مختلف بلدان العالم، وأقر عدداً من الالتزامات، كزيادة فرص العمل والنشاط لكبار السن لكنها مع ذلك لم تحدد الآلية المناسبة لتنفيذ هذه الالتزامات وطريقة تمويلها. وكما انعقد في قارة آسيا، في سنغافورة أول مؤتمر من نوعه لمقاومة أمراض الشيخوخة وللحفاظ على الصحة والشبابية الدائمة، وناقشت المنتديات العامة في هذا المؤتمر سبل استخدام الطب البديل والعلاج بالهرمونات والعلاج التقليدي لمكافحة الشيخوخة.

واعتمدت الجمعية العالمية للشيخوخة في عام 1982 خطة عمل فيينا الدولية للشيخوخة، وصادقت الجمعية العامة على هذه الوثيقة الهامة في اجتماع لمندوبي 124 دولة، معلنة العقد التاسع من القرن العشرين عقد المسنين، وتعتبر هذه الخطة مرشدا للعمل لأنها تبين بالتفصيل التدابير التي ينبغي للدول الأعضاء اتخاذها من أجل المحافظة على حقوق كبار السن في إطار الحقوق التي أعلنها العهدان الدوليان الخاصان بحقوق الإنسان. وهي تتضمن 62 توصية يتصل كثير منها اتصالا مباشرا بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ورفعت منظمة الصحة العالمية عام 1983 شعار( فلنضف الحياة إلى سنين العمر) وطلبت من فروعها في مختلف المناطق ان تقدم مشروعها العملي الجامع لتحقيق هذا الشعار.

وقدم المؤتمر الدولي الذي انعقد في مكسيكوستي عام 1984 توصية بضرورة قيام الدول بالاهتمام بالمسنين لا باعتبارهم فئة تبعية تلقي بثقلها على المجتمع، بل باعتبارهم مجموعات قدمت معونات كبرى إلى الحياة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والثقافية لعوائلها وما زالت تستطيع ان تقدم ذلك.

وقد أكد المؤتمر الدولي في فينا عام 1988 على قواعد المشروع العملي المتعلق بالمسنين مشيرا إلى ان هدف التنمية هو تحسين رفاه وسلامة كل المجتمع على أساس المشاركة الكاملة في مسيرة التنمية والتوزيع العادل للنتائج الحاصلة، وأن على مسيرة التنمية ان تعمل على رفع مقام الأفراد وتحقيق المساواة من خلال توزيع المصادر والحقوق والمسؤوليات الاجتماعية بين كل فئات من شتى الأعمار. وقد تمت صياغة وثيقة (فيينا) الدولية للشيخوخة، ضمن إطار اهتمامات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة، وتؤكد هذه الوثيقة على أن صياغة السياسات المتعلقة بالشيخوخة وتنفيذها هما حق مطلق ومسؤولية لكل دولة على أن تطبق على أساس احتياجاتها وأهدافها القومية المحددة، لكن في ظل جهد إنمائي متكامل ومنسق في إطار النظام الاقتصادي الدولي الجديد، ومن خلال التعاون الدولي والإقليمي بحيث يسهل تطبيق المبادئ العامة.

والمبادئ العامة التي نادت بها خطة عمل (فيينا) الدولية للشيخوخة، تؤكد على ان هدف التنمية هو تحسين رفاه السكان جميعا وإشراكهم فيها، وهي أساس التوزيع العادل للفوائد الناجمة عنها بما يكفل ويعزز كرامة الإنسان ويضمن الإنصاف بين الفئات العمرية المختلفة في تقاسمها موارد المجتمع وحقوقه ومسؤولياته بحسب قدرات الأفراد، وأن يقدم لهم ما يحتاجون، وعلى كل بلد في إطار تقاليده وأعرافه وقيمه ان يتجاوب ويتكيف مع التحولات الديمغرافية وما ينتج عنها من تغيرات، كما ينبغي ان يسعى الناس من جميع الأعمار إلى إيجاد حلول توازن بين العناصر التقليدية وعناصر التجديد سعيا وراء تنمية منسجمة.

ويعد الإسهام الروحي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للمسنين ذا قيمة في المجتمع ينبغي ان يعترف به ويزداد تشجيعه، وينبغي اعتبار الإنفاق على المسنين استثمارا دائما. وللأسرة أهمية كبرى ودور مهم في مسألة رعاية المسنين. ويمكن ان تقدم إسهامات كبيرة في توفير الدعم والرعاية للمسنين في المجتمع. وعلى الحكومات تأييد وتشجيع أي نشاط طوعي من شأنه تقديم مثل هذه المساعدات.

ولم تغفل الوثيقة آثار الشيخوخة على التنمية في المجتمعات، إذ لابد وأن يشكل الاتجاه المتزايد نحو الشيخوخة المتتالية للهياكل السكانية تحديات للمخططين على الصعيدين الدولي والوطني، وعليه فإنه سيتعين على البلدان التي توجد فيها نظم راسخة للضمان الاجتماعي ان تعول على قدرة اقتصادها على تحمل الأعباء الجديدة المتراكمة وعلى استحقاقات تقاعدية مؤجلة وقائمة على أساس الدخل لعدد متزايد وباستمرار من كبار السن.

وتؤكد الوثيقة على أن هناك عدة مجالات تهم المسنين ينبغي العناية بها وإيلاؤها اهتماماً خاصا، ولعل أهم هذه المجالات : الصحة، والتغذية، وحماية المستهلكين المسنين، والإسكان، والبيئة، والأسرة، والرعاية الأسرية، والرعاية الاجتماعية.

كما أصدرت الأمم المتحدة العديد من الوثائق التي تسعى إلى تقديم المبادئ وتحديد الأهداف والسياسات الكفيلة برعاية المسنين ومن أهمها:

1- تقديم الدعم إلى البلدان في وضع الأهداف الوطنية بشأن الشيخوخة.
2- توليد الدعم لإدماج المسنين في الخطط والبرامج الإنمائية الوطنية والدولية.
3- توليد الدعم للبرامج المجتمعية لرعاية ومشاركة كبار السن.
4- تحسين البحوث الشاملة لعدة بلدان بشأن الشيخوخة بما في ذلك المواءمة بين المصطلحات والمنهجيات.
5- إدراج بند عن الشيخوخة في الأحداث والاجتماعات الدولية ذات الصلة.
6- إنشاء شبكة عالمية للمتطوعين من كبار السن من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
7- تيسير زيادة توثيق التعاون بين المنظمات غير الحكومية المعنية بالشيخوخة.
8- تيسير زيادة توثيق التعاون فيما بين المنظمات الحكومية المعنية بالشيخوخة.

وفي عام 1991، اعتمدت الجمعية العامة مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بكبار السن التي تعتبر بسبب طبيعتها البرنامجية، وثيقة هامة أيضا في هذا السياق، وهي مقسمة إلى خمسة أقسام ترتبط ارتباطا وثيقا بالحقوق المعترف بها في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتقضي بأن (الاستقلالية) تشمل حق كبار السن في الحصول على ما يكفي من الغذاء والماء والمأوى والملبس والرعاية الصحية، وتضاف إلى هذه الحقوق الأساسية إمكانية ممارسة العمل بأجر والحصول على التعليم والتدريب.

و(المشاركة) تعني وجوب ان يشارك كبار السن بنشاط في صوغ وتنفيذ السياسات التي تؤثر مباشرة في رفاههم، وان يقوموا إلى الأجيال الشابة معارفهم ومهاراتهم، وان يكونوا قادرين على تشكيل الحركات أو الرابطات الخاصة بهم، ويدعو القسم المعنون (الرعاية) إلى وجوب ان توفر لكبار السن فرص الاستفادة من الرعاية الأسرية والرعاية الصحية، وأن يمكنوا من التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية عند إقامتهم في مأوى أو مرفق للرعاية أو للعلاج. أما فيما يتعلق بمبدأ (تحقيق الذات)، فينبغي بموجبه تمكين كبار السن من التماس فرص التنمية الكاملة لإمكانياتهم من خلال إتاحة إمكانية استفادتهم من موارد المجتمع التعليمية والثقافية والروحية والترويجية. وأخيرا، ينص القسم المعنون (الكرامة) على أنه ينبغي تمكين كبار السن من العيش في كنف الكرامة والأمن، ودون خضوع لأي استغلال أو سوء معاملة، جسدية أو عقلية، وينبغي ان يعاملوا معاملة منصفة، بصرف النظر عن عمرهم أو جنسهم أو خلفيتهم العرقية أو الإثنية، أو كونهم معوقين، وبصرف النظر عن مركزهم المالي أو أي وضع آخر، وأن يكونوا موضع تقدير بصرف النظر عن مدى مساهمتهم الاقتصادية.

كما أكد المؤتمر الآسيوي الرابع الذي انعقد في جزيرة بالي عام 1992م أن سياسة (التأهيل في جميع سني العمر لمرحلة الشيخوخة) هي وسيلة للوصول إلى تلك الأهداف، ومع الاعتراف بأنه في أكثر الأوقات تقوم الأسر برعاية المسنين فقد أوصى الدول بتوفير امتيازات اقتصادية كالإعفاء من الضرائب لمثل هذه الأسر.

وكذلك في عام 1992 أيضا. وبمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لاعتماد مؤتمر الشيخوخة لخطة عمل فيينا الدولية، اعتمدت الجمعية العامة الإعلان بشأن الشيخوخة الذي حثت فيه على دعم المبادرات الوطنية المتعلقة بالشيخوخة بحيث يقدم الدعم الكافي إلى المسنات لقاء مساهماتهن في المجتمع غير المعترف بها إلى حد كبير، ويشجع كبار السن من الرجال على تطوير قدراتهم الاجتماعية والثقافية والعاطفية التي ربما يكونون قد منعوا من تطويرها في سنوات كسبهم للعيش، ويقدم الدعم إلى الأسر من أجل توفير الرعاية، ويشجع جميع أفراد الأسرة على التعاون في توفير الرعاية، ويوسع التعاون الدولي في إطار الاستراتيجيات الموضوعة لبلوغ الأهداف العالمية في مجال الشيخوخة لسنة 2001. كما تقرر في الإعلان بعام 1999 بوصفه السنة الدولية لكبار السن، اعترافا ببلوغ البشرية (سن النضج) الديموغرافي.

ولقد صدر عام 1993 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة السابعة والأربعين قرار بشأن إعلان الشيخوخة والذي يعد وثيقة مهمة وخطوة إيجابية على مسار إعطاء مزيد من الحقوق والاهتمام بشؤون المسنين في العالم.

أما المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي انعقد في القاهرة عام 1994 ونال شهرة واسعة، فقد أشار في البند (ج) من الفصل السادس للنمو السكاني إلى أن على الدول ان تستهدف مسألة تعزيز الاعتماد على الذات لدى المسنين وتعزيز نوعية الحياة بتمكينهم من العمل والعيش بصورة مستقلة لأطول وقت ممكن، ووضع نظم للرعاية الصحية علاوة على نظم للضمان الاقتصادي والاجتماعي عند الشيخوخة حسب الاقتضاء، مع إيلاء اهتمام خاص بالمرأة (لكونها تعمر أكثر من الرجل – في معظم المجتمعات – ولذلك فإنها تشكل الأغلبية من المسنين وهي في الغالب ضعيفة للغاية فتستحق العناية الأكبر)، ووضع نظام للدعم الاجتماعي على الصعيد الرسمي وغير الرسمي بغية تعزيز قدرة الأسرة على رعاية كبار السن داخلها، وأكد ضرورة ان تكفل الحكومات تهيئة الظروف اللازمة لتمكين المسنين من ان يعيشوا حياة صحيحة ومنتجة يحددونها بأنفسهم، واستغلال مهاراتهم وقدراتهم التي اكتسبوها في حياتهم استغلالاً كاملاً بما يعود بالفائدة على المجتمع، وينبغي ان تحظى المساهمة القيمة التي يقدمها كبار السن للأسرة والمجتمع. وخاصة كمتطوعين ومتقدمين للرعاية. بالاعتراف والتشجيع ودعا إلى تعزيز نظم الدعم وشبكات الأمان الرسمية وغير الرسمية والقضاء على كل أشكال العنف والتمييز ضدهم مع التركيز على المسنات.

وفي الإطار ذاته فإن المؤتمر الذي عقده قادة الدول في مجال (التنمية الاجتماعية) عام 1995 في كوبنهاجن أوصى الدول ببذل مساعي خاصة في حماية المسنين وخصوصاً المعوقين منهم من خلال تقوية نظام الحماية العائلية وتحسين مكانتهم الاجتماعية وضمان وصولهم إلى الخدمات الأساسية الاجتماعية، وضمان الأمن المالي وإيجاد الجو الاقتصادي المساعد لتأمين صناديق التوفير لمرحلة الشيخوخة.

وهكذا يتبين ان المواثيق والخطط الصادرة عن الأمم المتحدة في طريقها إلى استعادة التكريم والتبجيل والرعاية الضرورية للمسنين من خلال آليات حديثة من المؤمل ان تؤدي فعلا إلى ما يطمح الجميع لتحقيقه من أهداف إنسانية نبيلة، وتتوقع الأوساط الصحية في البلدان المتقدمة تزايد الاهتمام بالشيخوخة وقضاياها الصحية والاجتماعية يوماً بعد آخر، ليتضاعف عدد كبار السن من الذين يبلغون الستين سنة فما فوق في العالم، في مؤشر قوي على تحسين نوعية حياة الإنسان.

منقول


 
أعلى