شح المياه وجفاف الآبار والأفلاج يهدد قرى ولاية منح بالتصحر

мά∂εмσίşάĻĻe

¬°•| مشرفة سابقة |•°¬
إنضم
28 يوليو 2012
المشاركات
6,002
العمر
33
الإقامة
...
الجدب يكسر رؤوس أكثر من 36 ألف نخلة ومائة مزرعة ذاقت الموت بعد موسم جفاف طويل -
نزوى ــ محمد الحضرمي -
في مشهد تدمع له العين، يقف المزارعون حيارى أمام نخيلهم التي تجف وتموت، بعد أن استوت وأصبحت تنتج ثمرا، وصرفوا لها آلاف الريالات، مشهد يرعش القلب بالكثير من مشاعر الحزن والأسف، على عشرات المزارع التي جفت في قرى ولاية منح بالمحافظة الداخلية، وبالأخص قرى: (المحيول)، و(أبو نخيلة)، و(متان)، و(عز)، وأجزاء من بقية قرى الولاية، حيث اجتاحها الجدب، وتسبب في موت أكثر من 36 ألف نخلة، من مختلف أنواع النخيل المثمرة، وهي ثروة زراعية جفَّت وذبلت وتخشَّبت، ولم تعد اليوم سوى أشباح وخيالات لمزارع، ونخيل نكَّست رؤوسها، وألقت بأغصانها، بعد أن تخلت عنها الحياة.
القصة بدأت بتناقص المياه من الآبار، إذ فجأة انحسرت المياه عن شريط زراعي طويل، بعد أن كانت جنة خضراء من المزارع المنتجة لأصناف الفواكه السَّكرية والحمضية كالسفرجل والليمون، والخضراوات اليانعة، والبصل والثوم، وأجود الأنواع من النخيل المثمرة، فجأة نضب شريان الحياة الدافق في سواقيه، بعد أن كان ينبض بالخصب، ليجد المزارعون أنفسهم في مأزق كبير، أحرق عليهم مزارعهم، وأهدر أموالهم، فالجفاف أشبه بنار حامية، تحرق الأخضر، ويحول وجه النضارة إلى كآبة وعبوس.
الوضع يستدعي التدخل
يقول الشيخ علي بن عبدالله بن رشيد البوسعيدي، عضو المجلس البلدي لولاية منح، والذي أخذني في جولة إلى تلك المزارع الجافة: إن الوضع الذي عليه قرى المحيول وأبونخيلة ومتان وعز، يستدعي تدخل جهات الاختصاص، لابد من إيجاد حل عاجل وسريع، وإلا فإن مزارع أخرى سيلحقها الضرر، وسيكون مآلها الجفاف.
ويضيف أيضا: إن أكثر من 36 ألف نخلة في مختلف أرجاء ولاية منح، وهي من أجود أنواع النخيل، وآلاف الأشجار المثمرة، ومزارع الفواكه والخضار، كلها جفت، وأصبحت مجرد خيال في أذهان الناس، ولم تبق من تلك المزارع إلا ما تبكي عليه العين أسفا، ويتحسَّر عليه القلب وجعا، بقيت النخيل التي نكست رؤوسها، ومن يقف عند تلك النخيل، ويتأمل جذوعها الخاوية، يتأكد أنها كانت قويَّة البُنية وفارعة الطول، ما يعني أنها كانت ريا ومنتجة للثمر، ولكن الجدب والجفاف قضى على كل شيء أخضر.
ويشير الشيخ علي البوسعيدي بأصابع الاتهام إلى بعض الجهات التي حفرت آبارا ارتوازية في الأعماق البعيدة، وعند مصاب الأودية، ومنابع المياه، هناك حفروا آبارا بالآلات الحديثة، وسحبت المياه من المخزون الأرضي العميق، التي كانت تستقي منه مزارع قرى ولاية منح.
من بينها وزارة الدفاع، حيث حفرت آبار عند مصاب المياه لقرية بونخيلة، لصالح معسكر شافع التابع لمدرعات سلطان عمان، إلى جانب وجود مواقع أخرى، كان له تأثير في تفريغ المخزون من المياه الجوفية.
ويضيف الشيخ علي البوسعيدي: بطبيعة الحال، فإن ولاية منح تعتريها مواسم جدب وجفاف، ولكن كل موسم يأتي أشد عن سابقه، ومقابل ذلك لا نجد أي تفاعل من جهات الاختصاص لحل هذه المشكلة، فمثلا: وزارة الزراعة والثروة والسَّمكية لا ترفع تقارير عن هذه الحالات، ونحن نطالبها، كما نطالب جهات حكومية أخرى كوزارة البلديات والبيئة وموارد المياه، بمحاولة إيجاد حل لهذه المشكلة، إنها مشكلة حقا، ولابد من إيجاد حل حقيقي وجذري، وزارة الزراعة والثروة السمكية لا تقوم بحصر النخيل الجافة، ولا ترفع تقريرا عن النخيل الميتة في المزارع بسبب الجدب، وكأنها ليست موجودة، وتكتفي بحصر النخيل الحيَّة، في التعداد الزراعي الذي تقوم به حاليا. وهذا خطأ، لأنه لا يعكس الصورة الحقيقية التي عليها مزارع المواطنين، فماذا يضيرها لو قدَّمت الى الحكومة إحصائية بعدد المزارع التي أجدبت، وعدد النخيل التي جفت، حتى تقارن بين الحالة التي عليها الآن، وبين الحالة التي ستكون عليها في التعداد القادم، لابد من تقديم إحصائية حقيقية، لكل النخيل والأشجار الميتة، فهذه النخيل هي ثروة ضاعت من أيدي الناس لأسباب كثيرة، بعضها بسبب عوامل الجدب، وهذا بإرادة الله سبحانه وتعالى، وبعضه بسبب نزف المياه بآلات السحب الحديثة، وعبر الآبار الارتوازية، والهدر الجائر للمياه، ليس من قبل الموطنين فحسب، بل من جهات أخرى متنفذة، ندعوها فقط إلى رحمة الناس، ودراسة المنطقة التي تنبع منها المياه، والمناطق التي ستتضرر جراء النزف والهدر الجائر للمياه الجوفية.
خطة الإحلال والتجديد
وبدوره يؤكد مصدر من وزارة الزارعة والثروة السمكية أن الوزارة حاولت التصدي لظاهرة جفاف النخيل وموت المزارع في ولاية منح، عبر خطة (الإحلال والتجديد)، وزارعة نخيل جديدة من أجود أنواع النخيل، كبديل للنخيل الجافة، وهي فسائل من النوع الجيد، مثل؛ خلاص عمان، وخلاص الظاهرة، والهلالي، وأبونارنجة، والخنيزي، والفرض، وبوهبيشة، وغيرها من النخيل ذات الجودة العالية في الانتاج، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود مياه، تكفي لري المزارع.
ويضيف أيضا: منذ سنوات طويلة ووزارة الزراعة تدعو المزارعين إلى ترشيد استهلاك المياه، والتقليل من الهدر الجائر له، واستخدام أنظمة الري الحديثة، وبدورها تقدم الوزارة دعما مجانيا لإدخال هذه الأنظمة.
ويضيف أيضا: ان هذه المزارع الجافة أغلبها أموال أوقاف، وهذه المزارع تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وأكثر من مرة حاولت وزارعة الزارعة أن تستغل هذه المزارع، لعمل مشاريع زراعية، ولكن لم نجد منها استجابة ولا تعاونا، وإنما تكتفي ببضعة ريالات يدفعها المواطن للمزرعة الواحدة، كأجرة رمزية سنويا.
ويضيف المصدر: إن الحل في مقاومة الجفاف هو إيجاد مصادر دخل أخرى للمياه، وتوزيعه على المزارع بطريقة دقيقة، فيها ترشيد للمياه، بحيث تأخذ كل مزرعة حصتها منه، وتدفع له أجرا رمزيا، حتى يتم استغلاله استغلالا حسنا، هذا إن وجدت المياه، وإن لم توجد فليست بأيدينا حيلة.
من جانب آخر، سألنا المصدر عن نصيب ولاية منح من مشروع زراعة فسائل النخيل الذي يشرف عليه ديوان البلاط السلطاني، فأكد أن منح ليس لها نصيب من هذا المشروع، وستستفيد منه ولايات نزوى وسمائل وبهلا من محافظة الداخلية، إلى جانب ولايات أخرى من محافظة الظاهرة، ومحافظتي الشرقية.
إغلاق بئر لجامعة نزوى
ويعود علي بن عبدالله البوسعيدي عضو المجلس البلدي لولاية منح، للحديث عن الآبار الارتوازية، التي تأثرت بسببها أفلاج وطويان ولاية منح: إن ثمة آبار تحيط بالولاية من جهات مختلفة، وكلها سحبت المياه عن قراها التي عرفت بزراعة القمح وقصب السكر، منها آبار حفرت لتغذية مواقع وزارة الدفاع، ككتيبة شافع، وكذلك آبار مياه في موقع يدعى: (بوخيسة)، قريبا من موقع البشائر، وهي آبار خاصة بشركة جلفار، وكذلك آبار حيل فرق الواقعة جهة الشمال من ولاية منح، كلها أثرت في جفاف المزارع والأفلاج، كفلج الأخطم الذي ينبع من حيل فرق، وفلج الفيقين، تأثر هو الآخر ببئر حفر لصالح جامعة نزوى، وهذه البئر أثارت نزاعا مع إدارة الجامعة، حيث إنها حفرت في منبع فلج الفيقين، ومباشرة تأثر منسوب الفلج، الذي كان سابقا أحد الأفلاج الخصبة في الولاية، ويغذي قريتي الفيقين وحارة البلاد.
ويضيف أيضا: تمت مخاطبة وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه حول هذا البئر، وتم حسم الأمر بإغلاق البئر نهائيا، وإيقاف تصريح استنزاف المياه منه، لما فيه من ضرر بالغ على فلج الفيقين، وفلج الأخطم بولاية منح، وإعطاء جامعة نزوى مهلة إلى نهاية عام 2012م، والآن انتهى العام، ولم تقم الجامعة بتنفيذ الأمر، وما تزال تستنزفه، وما تزال المشكلة قائمة.
ويطالب عضو المجلس البلدي بولاية منح بإجراء دراسة خاصة بالجفاف الذي لحق ما يقرب من مائة مزرعة من مزارع ولاية منح، دراسة علمية تتناول أسباب الجفاف، وتدرس المشاكل وتقدِّم الحلول، لأن الاستمرار في جفاف المزارع يعني هدر ثروة وطنية كبيرة، وتكبد خسائر كثيرة، وضياع مال من ناس بسطاء، عملوا سنوات طويلة من أجل إعمار مزارعهم، ولكنها فجأة تجف، وتضيع من أيديهم ثروة لا تقدر بثمن.
ويؤكد أن منطقة العويجا بولاية منح، هي من أخصب الأراضي الزراعية، وسابقا كانت تعرف باسم (هند عُمان)، لكثرة مزارع القمح فيها، حيث كانت تصل المزارع بين السَّهل والجبل، وتبلغ مساحة العويجا 300 فدان، وقبل سنوات تم إحراق آلاف النخيل الميتة فيها، بسبب جفاف الفلج، ومعه جفت أشجار السدر التي كانت غذاء لعسل النحل، ومستراحا للزوار في ايام الإجازات.
الجفاف أضربـ 15 مزرعة في قرية متان، و36 مزرعة بقرية المحيول، و50 مزرعة بقرية أبو نخيلة، و10 مزارع في قرية عز، وتسبب في جفاف أكثر من 36 ألف نخلة، عدا المزروعات المتنوعة الأخرى، كأصناف الفواكه والخضار، وأشجار السكريات والحمضيات والفوليات وغيرها، لذلك توجهنا إلى مزارع تلك القرى، فوجدنا ما تبكي عليه العين ندما، ويحرق القلب أسفا.
الخسارة المادية أكثر
بداية زرنا مزرعة عبدالله بن سعيد الحجي، فوجدنا أن صاحبها ماكث تحت عريشه، ينظر بحسرة إلى ما آلت عليه مزرعته من جفاف، يقول: لقد أنفقت لإعمار هذه المزرعة آلاف الريالات، وأدخلت نظام الري الحديث، وبدأت مزرعتي تخضر، ومع ذلك فالخسارة المادية أكثر من الفائدة. نحن مزارعون، نحرث الأرض، وننتظر منها إنتاجا، ولكن مع قلة المياه تضيع الأحلام والطموحات.
ويتحدث خليفة بن حارب بن سيف البوسعيدي، أحد المزارعين المتضررين من الجفاف، ولديه مزرعة تصل إلى عشرة أفدنة في قرية المحيول، يقول: حفرت عشرة آبار، وكل بئر تكلفني أكثر من خمسة آلاف ريال، وكانت مزرعتي بها 160 نخلة، من مختلف أنواع النخيل المثمرة، من بينها 100 نخلة خلاص، والباقي أصناف متعددة، وكلها جفت، وهي كما تراها منكسة رؤوسها.
ويضيف: إن قلة المطر، والهدر الجائر للمياه الجوفية، والآبار الارتوازية التي تحفر بالمعدات الحديثة، حيث تغوص إلى أعماق بعيدة في الأرض، بحثا عن نبع ماء، كلها ساعدت على تفاقم المشكلة.
المزارع سعيد بن حمد بن سالم الحجي، يملك أرض من ستة أفدنة، وفي موسم الخصب زرع فيها 150 نخلة، من أجود أنواع النخيل، وحفر ثلاثة آبار، محاولة منه لتتبع المياه، وتعويض الآبار الجافة بآبار أخرى، ولكن المياه غائرة في الأعماق البعيدة، والنخيل تذبل شيئا فشيئا حتى جفت كلها.
يؤكد سعيد الحجي أنه أنفق على حفر الآبار الثلاث في مزرعته أكثر من عشرة آلاف ريال، وكلفته مزرعته آلاف أخرى، كلها ذهبت أدراج الرياح. أما مزرعة جاره ففيها اخضرار قليل، لأنه يرويها بمياه، يشتريها من شاحنات توزيع المياه، كل شاحنة بخمسة ريالات، ومع ذلك لا تنتج مزرعته محصولا يكفي لسداد التكاليف.
ويرى سعيد الحجي أن على الجهات الحكومية دراسة المشكلة التي عليها قرى المحيول وبو نخيلة ومتان، وغيرها من القرى المتضررة بالجفاف بولاية منح، فالجدب يحرق الاخضرار، ولدى الجهات الحكومية القدرة والاستطاعة أكثر من قدرة المواطن البسيط.
في السابق كنت مزرعة سعيد بن حمد الحجي تنتج مختلف أنواع الحمضيات، والفواكه اللذيذة، كالرمان والليمون، وقام بتربية أكثر من 85 ماعزا، واليوم لا يوجد في المزرعة شيء يذكر.
جفاف 50 مزرعة
وبدوه يؤكد الشيخ ناصر بن سالم بن حماد التوبي، وكيل فلج بونخيلة، أن الفلج جف منذ 18 سنة، وبسبب الجفاف تضررت 50 مزرعة، والعدد في طريقه الى التزايد، بسبب بقاء موسم الجفاف.
ويؤكد ناصر التوبي بالقول: إن قرية «بونخيلة» مشهورة بزراعة مختلف الأصناف، ولكنها اليوم في طريقها إلى الجفاف، القرية كلها ستجف بعد أشهر قليلة، بسبب تناقص المياه، وبسبب وجود الآبار العميقة التي تحفرها بعض الجهات المتنفذة، تلك الآبار تصل إلى عمق مائة متر، فيما آبار المواطنين لا تزيد عن 30 مترا.
ويضيف أيضا: تعاون أهالي قرية بونخيلة، فحفروا 13 بئرا، لتغذية الفلج، وهي من مالهم الخاص، ولم ينالوا مساعدة من أية جهة رسمية، ومع ذلك تطبق عليهم وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه قانون الردم، حيث لا تسمح الوزارة بحفر أي بئر إلا بعد ردم البئر السابق الذي لا ينتج ماء، وبقينا على هذا الحال، نحفر ونردم، حتى بلغ عدد الآبار 13 بئرا، أنفق عليها المواطنون، طمعا منهم في الحصول على ماء وفير، ولكن النتيجة جاءت بلا ماء، لقد غار الماء في الأعماق البعيدة، وجف من منابعه.
ويضيف ناصر التوبي بالقول: لديَّ مزرعة، وحفرت فيها أربعة أبار، ولكن الماء فيه نضب، والآن أسوق الماء من خارج القرية، من أجل تغذية الحيوانات.
ويضيف أيضا: نطالب الجهات الرسمية المختصة بالتعاون معنا، وتقديم دراسة، لمعالجة هذا الوضع، والذي يزداد جفافا يوما بعد يوم، كما نطالبهم بوقف النزف الجائر للمياه، من الآبار العميقة التي حفرت في محاذات قريتنا، أو منحنا تصريح حفر بئر في أحد الأودية القريبة من القرية.
أما عن الخسائر التي تكبدها في عمله بمزرعته، فلا تقل عن 60ألفا، ويقول بشيء من الحزن: صببت كل أموالي في هذه المزرعة، فضاعت مني، أموالي التي نلتها من عملي، وحصدتها من منافع الوظيفة، راح أكثرها في مزرعتي التي جفت أمام عيني.
الري بمياه المجاري!
من جانب آخر تعد قرية بونخيلة التابعة لولاية منح، والتي تقع جهة الشرق من الولاية، قرية سياحية بامتياز، وبها حارة قديمة، ومسجد أثري، وحقول زراعية كثيرة، وأرضها خصبة، وعند وصولنا إليها، كانت شاحنات نقل مياه المجاري تسكب مياه الصرف الصحي في مزارعها، ويؤكد حمد بن علي المشرَّفي، أن هذه المياه إحدى السموم التي تعاني منها القرية، والمواطنون يعلمون أن هذه المياه خطيرة صحيا، وغير لائقة، وبسببها تنتشر روائح كريهة وأوبئة، ولكن ليس بيد الناس خيار آخر غيرها.
إنهم يشترونها من عمال نقل المياه، ويتاجرون بها، يشترونها من الآسويين بمبلغ خمسة ريالات عن كل شاحنة، لتصب سمومها في الضواحي، اتقاء الجدب، حتى تبقي ضواحيهم خضراء.
ويضيف عبدالله بن راشد التوبي، وهو رجالات قرية بونخيلة: لقد جفت المياه في أغلب آبار القرية، والآن ليس بيد الأهالي سوى ريِّها بمياه المَجاري.
ويضيف: لقد حفرت بئرين في مزرعتي وبلا فائدة، تعميق البئر يكلف مبلغا من المال، المتر الواحد باتجاه العمق بتكلفة 40 ريالا عمانيا، جفت نخيل كثيرة من المزرعة.
وسألته عن الري الحديث، لماذا لا يستخدمه؟ فأجاب: الري الحديث مكلف جدا، وبحاجة إلى صيانة ومتابعة دورية، واعتدنا على ري المزروعات بالغمر، من جانب آخر لديَّ عامل آسيوي، يكلفني في العام الواحد مبلغا يصل إلى ألف ريال، والمزرعة لا تنتج نصف هذا المبلغ، ومع خسارتنا هذه إلا أننا باقون في مزارعنا، ونحاول جهدنا التمسك بالزراعة، لعل الله يأذن بساعة غيث، يحل فيها الخصب.
ويضيف حمد المشرفي بالقول: مساحة مزرعتنا تبلغ ثلاثة فدانات، ولا يزال إنتاجها جيدا مقارنة بمزارع أخرى جفت عن بكرة أبيها، ولم يعد فيها عود أخضر، لقد قمت بتعميق البئر، بحثا عن مياه وفيرة في أعماق الأرض، والماء في طريقه إلى التناقص، والآن تنتج البئر 500 جالون في الساعة، وبالكاد يكفي لري النخيل المتبقية.
ويضيف المشرفي: لو تذكرنا الماضي، وقارنَّاه بالوضع الحالي، لوجدنا فرقا كبيرا بين، خصب مثمر، وجدب يكلف خسائر باهظة، لم يبق شيء من تلك المزارع الخصيبة، أصبحت مجرد ذكرى وخيال في بال المزارعين.
ويضيف محمد بن علي بن حمد التوبي: لا نعلم هل قامت الجهات الرَّسمية المعنية بالزراعة، بدراسة لإصلاح الحال أم لم تقم!، لذلك من خلال جريدة عمان نطالب جهات الاختصاص بمد أنبوب ماء، أو حفر بئر في أحد الأودية القريبة من القرية، ونقل المياه إليها.
مخالفات صحية وأوبئة
أما بدر بن سيف التوبي فيؤكد أنه يمارس مهنة الزراعة منذ 20 عاما، وكانت مياه القرية وفيرة، كانت بونخيلة أشبه بجنة خضراء. ويضيف: كان في مزرعتي أكثر من مائتي قطعة برسيم، كل قطعة بمساحة تصل إلى عشرين مترا مربعا، وزرعت فيها مختلف أصناف النخيل، كنا نبيع منها الكثير، وكانت الزراعة مصدر دخل لنا.
واليوم كما ترى الآن، الناس تسقي مزارعها مكرهة بمياه الصرف الصِّحي، وفي استخدام هذه المياه مخالفة صحية بالغة، وفساد للأرض والزراعة، لأنها مشوبة بسموم وأوبئة خطيرة.
أما موسى بن عبدالله التوبي، فقد جرَّب مهنة الزراعة، ولكن مشروعه باء بالفشل، حيث جفت لديه 80 نخلة، وجملة خسائره المالية التي أنفقها في إعمار مزارعه تصل إلى 40 ألف ريال عماني، واليوم مزرعته مجرد أرض مقفرة.
ما هو الحل؟ يجب حمد المشرفي: الحل في إعمار الفلج، وتوقيف الآبار التي تنزف المياه بصورة جائرة، لابد من وجود حل لهذه الأزمة التي نعيشها، ولابد من توعية المواطنين بعدم استخدام مياه الصرف الصحي، لأنها على المدى البعيد تصبح وباء على الأرض، وستجعلها أرضا بورا لا تصلح للزراعة. ويؤكد المشرفي: أن أهالي قرية بونخيلة متمسكين بمهنة الزراعة، وقد توارثوها عن آبائهم، وكل أفراد الأسرة تتعاون مع آبائهم في سبيل الاستزراع، وفي أيام الإجازات يقضون أوقاتهم فيها، ويمارسون الفلاحة، وهذا يبشر بالخير، فالتمسك بالمهنة يعني الاصرار على البقاء، ومقاومة الموت.
هذا وقد رحت في جولة داخل مزارع قرية بونخيلة، فتذكرتها يوم أن كانت خصبة، وكانت مزارعها خصيبة، وكأنها دوح ظليل، أما اليوم فأكثر أشجارها متخشبة، والمعاناة ستستمر، ما إن يأذن الله بخصب وفير، أو توجد جهات الاختصاص حل أمثل لهذه الضائقة.
 
أعلى