مذكرات طفل من اخر ايام ثورة ظفار

ملاك البلوشي

¬°•| عضو مميز |•°¬
إنضم
2 مايو 2012
المشاركات
204
الإقامة
مكرااان
ولدت في ولاية ضلكوت كانت أمي من سكان جبل ضلكوت أما أبي فكان من جبل صلالة ولم يكن من الثوار وانتقل إلى ولاية ضلكوت مثل الكثير من سكان جبل صلالة الذين اضطرتهم الظروف المعيشية الصعبة والحرب الدائرة بين الثوار والجيش العماني (والتي كانت ديارهم مسرحا لهذه الحرب) إلى الخروج إلى ضلكوت كما أن الوضع في مدينة صلالة قبل السبعين لم يكن مريحا إطلاقا, فكانت ضلكوت المجاورة لمدينة حوف اليمنية تعتبر مكانا جيدا إلى حد ما وكان كل السكان هناك عاطفيا مع الثورة خاصة في بدايتها أما أنا فكنت أتمنى أن اكبر بسرعة لكي تكون معي بندقية حقيقية بدل الخشبة التي ربطت بها حبل لكي أعلقها على كتفي لتبدوا مثل البندقية وأكون من الثوار الرجال بدل أن اجلس مع النساء أنفذ أوامر الاهتمام بصغار الغنم لم أكن أصغي لهم جيدا عندما بدوا بنقد التوجهات الجديدة والأفكار التي أدخلت على الثورة حتى أن بعض المنتقدين اختفوا في ظروف غريبة وأحيانا يتم أخذهم من بين الأهالي بحجة التحقيق معم بتهمة العمالة لحكومة عمان ولا يعودون أبدا, كانت الحياة في جبل ضلكوت تمشي بطريقه مملة وغير مستقره هروب وقصف وأحيانا لا يجدون بعض المتطلبات الغذائية في ضلكوت أو حوف وسمعت أن الطيران العماني قام بقصف حوف وصارت مدينة حوف مضطربة وغير أمنه وبدأ الناس في تركها والتوجه للجبال واذكر أحيانا النيران المضيئة ليلا التي تأتي من البحر حيث كانت عبارة عن قذائف من البحرية العمانية للجبال والكهوف التي يعتقد ان الثوار يختبئون فيها، كانت والدتي تعاني من خوف شديد عند سماعها لأصوات القصف وكانت تطفي النار ليلا لكي لا يشاهدها الطراد الحربي العماني حيث أن السكان نبهوا الناس إلى عدم إشعال النار ليلا لكي لا يتعرضوا للقصف ظنا من البحرية العمانية أنهم من الثوار, كان الناس بين توجهين مختلفين بعضهم يميل لمساندة الثورة وبعضهم يترقبون ما ستفسر عنه الأيام القادمة بعد ان تولى السلطان قابوس الحكم 1970 حيث الخطاب الذي ألقاه السلطان الجديد والوعود الجيدة التي قدمها لهم شجعت الناس فعلا للتوجه الى صلالة والعودة للحكومة العمانية كانت المغريات ممتازة الى حد ما في ذلك الوقت الا إننا لم نعد مع العائدين وبقينا إلى سنة 1975 في جبل ضلكوت وفي هذه السنة كنا نلتقط الأوراق التي تهبط من السماء وكان فيها الكثير من الكلام وصورة للشعار العماني الأحمر, خنجر وسيفين, كانت الأوراق تسقطها طائرات سلاح الجو العماني معلن فيها النصر وفيها الوعود ببناء عمان الجديدة لم أكن أقرا ولكن استمع للكبار ممن يجيدون القراءة والترجمة للهجة الجبالية وعرفت مضمونها حتى أني صرت اجمع منها الكثير وكانت هوايتي المفضلة بعد أكل البسكويت ما زلت اذكر طعم ذلك البسكويت الذي كنا نحصل عليه من الجنود العمانيين كان لذيذا جدا ولكن الحصول عليه كان صعبا أيضا فتحتاج للذهاب مسافة 4 كيلومتر وصعود أكثر من قمة ثم الانتظار خلف شباك المعسكر الى ان يفرجها الله ويأتي احد الجنود ويرمي لك بسكويت وأي بسكويت اعتقد ان مصانع البسكويت عجزت الان ان تأتي بمثله, فيما بعد صار الجيش العماني يوزع هذا البسكويت على ديار الناس مع بعض الأشياء الأخرى مثل الشاي والرز والسكر، انتصرت حكومة السلطنة نصر نهائي على الثوار وتمت السيطرة الكاملة من قبل الجيش العماني على ولاية ضلكوت وجبالها وأنشئت قواعدها العسكرية في جبل صرفيت ووفرت للمواطنيين الذين يرغبون في العودة الى صلالة الطائرات والمراكب البحرية, قرر والدي ان يبيع الغنم ويأخذنا الى احد المعسكرات العمانية والعودة الى صلالة, كنا أربعه انا وأخي ووالدي وأمي وعندما وصلنا معسكر صرفيت وفتحت لنا أبواب المعسكر استطعت ان أرى لاول مره الطائرات العسكرية, الهيلوكبتر وسكاي فان وكم كنت مندهشا من حجمها الكبير وكم كنت اخاف منها قبل هذا الوقت لان سماع صوتها في الأجواء ايام الحرب كان يعني القصف ويتبعا أصوات انفجارات رهيبة واذكر مره ان إحدى الطائرات قامت بإلقاء قنابل ليس بعيدا عنا نحن مجموعه من الأطفال واتانا الخبر ان مجموعه من الابل تعرضت لقصف ومعها راعيان للإبل لم يكونا من الثوار توفى الرجلان اما الإبل فقد تعرضت للقصف ونفق منها الكثير وعندما هبوا الناس لمعرفة أضرار القصف كنت مع الراكضين معهم ولم يمنعني احد من مشاهدة الحدث واذكر هول المشهد لم استطيع ان ارى جثث الراعيان ولكني رأيت مذبحة الإبل حيث كان لحمها المختلط برائحة البارود يسبب الإغماء كما ان كثرة الدماء واللون الأحمر المنتشر فوق كل الصخور يثير الرعب فعلا لأن عدد الإبل كان فوق العشرين وكانت بعضها لا تزال حيه ومنها من فقدت أطرافها او خرجت أحشاءها وما زالت حيه وكان الرجال يقومون بنحرهن الواحدة تلو الأخرى وكنا نحن الأطفال نتفرج على الوضع وهول المشهد ولم يكن احد من الأهالي المتواجدين يخاف علينا ان نصاب بصدمه نفسيه لان الصدمة النفيسة غير متواجدة في ثقافتهم بل استخدمونا في نقل اللحم من الابل التي نحرت الى الأهالي ليتم طبخه واكله بنكهة الباروت كان لذيذا ومميزا وغريبا, المهم ها انا ذا اشاهد الطائرات عن قرب وكنت ارى بعض العسكريين من غير العمانيين كانوا انجليز يخدمون في الجيش العماني وبعضهم طيارين وكنت استغرب من لونهم الأحمر والأشقر وعيونهم الملونة التي كنا نستغرب منها فعلا , نعم كان المعسكر شئ غريب والبسكويت في كل مكان وتستطيع ان تأكل منه ما تريد لقد اخذت منه الكثير وقمت بتعبية كل الجيوب التي كانت في ملابسي واستمتعت برؤية الطائرات وهي تقلع وتطير والناس يركبون وانا انتظر مع العائلة ان يحين دورنا , كانت والدتي في قمة الخوف وما زالت تصر على والدي ان يترك فكرة ركوبنا الطائرة وان يحملنا الى صلاله عن طريق البحر واذكر ان والدي لم يكن ينصت لها كثيرا حيث انه كان يساعد الكثير من أصحابه في إقناع زوجاتهم بركوب الطائرات واذكر ان بعض من النساء يوضعن عنوة في الطائرة من قبل أولادهن او أزواجهن وكم كنت انتظر بلهفه اللحظة التي يطلب مني الصعود للطائرة، لم اكن افهم الكلمات العربية التي يتحدث بها الجنود العمانيون وكانوا احيانا يوجهون لي بعض الكلام ولاكني لم اكن افهم اطلاقا ما يريدون مني حتى ترجم لي بعضهم انهم يسألون عن اسمي فقلت في نفسي ما اصعب لغتهم كان الجنود كلهم من شمال عمان وكانوا بغاية الطيبة ويعملون على راحة وخدمة الأهالي المنتظرين في المعسكر ولا ترى منهم الا الابتسامات والهدايا من’’النعنع والبسكوت’’ وقليل جدا من الظفاريين العسكريين بينهم تقريبا ثلاثة او أربعه كان يوما جميلا في المعسكر وكان مرحا الى اقصى درجه بالنسبة لى ولم يكن وضع والدتي مثلي طبعا فقد كانت في رعب تنتظر لحظة ركوبها الطائرة مثل الذي يساق الى المذبح.
ما زلنا ننتظر في المعسكر اللحظة التي يتم فيها استدعاءنا لركوب الطائرة اخي الصغير الذي يصغرني بسنه يجلس بجانبي يتابع كل الاحداث هو الاخر واذا استصعب عليه اي مشهد او اله عسكريه يوجه لي انا الخبير العسكري الاستفسارات طبعا ابدعت في الإجابات لاني استطيع ان اخترع له اي اجابه او تفسير ولا يستطيع ان يشك في ما اقول له لاني الاخ الاكبر الفاهم ,لم يشدني شئ اكثر من السيارات العسكرية التي تتحرك في المعسكر ورائحة الديزل والعادم المنبعث منها وكم تمنيت ان اركب احداها وهي تتحرك واذكر اني رأيت مره لعبه مثل السياره كانت بيد طفل ابن ممرضه في مستوصف طبي صغير في مدينة حوف عباره عن غرفه بها سرير وبعض الأدوات الطبيه البسيطة جدا ,كان هذا المستوصف يتبع جبهة التحرير وكان يقوم ببعض الخدمات الصحيه البسيطة ولاني مره ارتميت في صفرية (وعاء يطبخ فيه الرز) اثناء الطبخ انغمست يدي اليمنى كامله مع الرز الساخن جدا اخذتني الوالده الى هذا المستوصف حيث تلقيت علاج سريع وتم ربط اليد من الكف الى الكتف واستمريت لمدة شهرين حتى تعافيت واذكر اني كنت موضع للسؤال دائما عن سبب ربطي ليدي بهذا القماش الأبيض حيث ان الاهالي لم يكونوا متعودين يشوفوا يد احد في رباط ابيض , المهم ونحن في المعسكر بدأت الكثير من الافكار تراودني وكنت استغرب كيف ان الثوار انهزموا بهذه السرعه لاني اذكر انهم كانوا متحمسين واذكر انهم عندما يأتون لديار الاهالي لا يبدوا عليهم الا علامات الحماس والتفاؤل وكانوا فعلا شباب في قمة النشاط وبعضهم من اقرباي منهم من كان يقاتل في جبل ضلكوت وبعضهم في جبل صلاله ومره اخبروني ان ابن عمي استشهد في معركه وقعت في مرباط , عندما قام الثوار بهجوم على مدينة مرباط في وضح النهار كان عمره لم يتجاوز ال18 سنه التحق برفاق السلاح حتى يحس انه اصبح رجلا يستطيع ان يحمل البندقيه واخبروني عنه انه كان شاعرا متميزا, لم اكن اتابع اخبار الثوره كثيرا الا ان اغلب المجالس والسوالف لا تكون الا عن الثوار خاصة ان الاهالي لم يكن لهم ما يشغلهم بعد مواشيهم الا اخبار الثوره والثوار وبعض الاخبار التي تتسرب من صلاله عن الوضع الجيد والملائم للعوده والتي فعلا بدأت تؤثر على الكثيرين ومنهم الثوار انفسهم للهروب خلصة الى صلاله من خلال طرق سريه وكم كان يتلقى السب والذم من يقوم بتسليم نفسه لحكومة عمان حيث بدأت هذه الظاهرة تزيد في اخر سنوات الثورة, كنت استمع لوالدي ووالدتي ليلا وهم يتحدثون عن الاخطاء الكبيرة التي وقعت فيها الثورة ودائما يتحدثون عن الاعدامات التي طالت نخبه من افضل الشباب والرجال في الثوره ومن يتم اعدامه كانت تصادر ابقاره او اغنامه وفي الحقيقه كان لابناء المنطقه الغربية من ظفار النصيب الاكبر من الاعدامات وكانت المسألة غريبة فعلا وليس لها تفسير في ذلك الوقت, لاحقا وعندما كبرت عرفت السبب والتفسير الحقيقي لما كان يحدث, المهم اذكر ان الوضع لم يعد مثل اول وان الثوار تلاشوا فجاءة مابين 1974و1975 بل بعضهم اصبح من ضمن الجيش العماني واحد القاده الميدانيين المعروفين من الثوار كنت اراه بين الجنود العمانيين وهو من كان يساعد الاهالي في عملية نقل الامتعه وتجهيز الناس للعوده الى صلاله, لم تكن هناك اي بوادر كره او حقد بين الاهالي والجنود العمانيون وكنت مستغربا فعلا اذ كيف ان هولاء العمانيون الاعداء بالامس صاروا هكذا اصدقاء فجأه وكيف انهم مهتمون بنا هذا الاهتمام وهذه الطائرات التي كنت اتمنى سقوطها دائما ها انا ذا انتظر ان اركب احداهن وهذه الطائرات صارت في خدمتي سبحان الله, لان وضع الحرب واحتكاكنا بالثوار بل العيش معهم في نفس المنطقه فرض علينا ان نعتقد باهدافهم ونؤمن بامانيهم ونتمنى انتصارهم وكره ما يكرهون الا ان بعضهم فعلا لم يكن محبوبا اطلاقا من الاهالي خاصة من يعتنق منهم الفكر الماركسي وبامانه كان منهم كثير شباب في قمة النخوة والطيبه وكانوا يلاعبوننا نحن الاطفال ويتحدثون معنا عن اشياء لم نكن نعرفها ابدا مثل السيارات والبيوت والسفر ونوعية واسماء البنادق وبصراحه كنت اميز بين نوعية البنادق بمهاره عاليه يحسدني عليها باقي الشله من الصغار وخاصة اخي الصغير ذو الانف الافطس لان انفه انكسر او تحطم نتيجة لسقوطه من فوق شجرة (طيق) كانت تنبت فوق صخره عملاقه لان هذه النوعيه من الاشجار تنبت فوق الصخور وتكبر بطريقه هائله, كنت احذره من عدم الصعود ولكنه لم يستمع لنصيحتي وعندما سقط من ذلك الارتفاع الهائل وقع على وجه ولم يفق ابدا واعتقدت فعلا انه مات وعندما طلبت النجده اتت احدى النساء واخذته الى المنزل ووالدتي لم تكن في المنزل((المنزل عباره عن فروع من اخشاب الاشجار توضع بشكل دائري وتغطى بخرق او اقمشه باليه)) كانت والدتي ترعي الغنم ولا تاتي الا في المساء وكم كانت تتعرض لهجمات الذئاب التي عرفت بانها تخاف اكثر من اي راعيه اخرى فصارت هدف سهل للذئاب واذكر انها احيانا تاتي وهي تبكي وعندما يسألها والدي عن السبب تخبره بهجمات الذئاب وافتراسها للغنم امامها بل واحيانا تكون هي فوق شجرة (السقوت) شجره طويله تحب اوراقها الاغنام يضطر الراعي احيانا لصعودها ويقوم بحني احد اغصانها لتتناوله الاغنام فتخيل عندما يهجم ثلاثه ذئاب ويفترسوا احدى الاغنام وانت تنظر ولا تفعل شيئا خاصة ان عدد الاغنام لم يكن كثيرا وكان فقد واحده يعتبر مصيبه ,ماذا فعل والدي لقد قام بشراء بندقيه عاديه بعد ان اخذ رخصه من الثوار وقام بتعليم والدتي الرمي بالبندقيه وطلب منها الا تتردد في استخدامها اذا هاجمتها الذئاب مرة اخرى, اخذت الوالده البندقيه واستخدمتها في تخويف الذئاب باطلاق النار في الهواء ونجحت في ذلك وقللت من فقدان الاغنام المهمه لنا حيث انها كانت المال الوحيد الذي نملكه, لنعد لاخي الصغير المغمى عليه الان وكيف كانت ردة فعل والدي ووالدتي عندما رأوه كان مثل الميت الا انه ما زال يتنفس استمر في وضع ما بين الغيبوبه والانتباه لمدة يومين وعندما كان يعود والدي في المساء احيانا يسئل هل ما زال الولد حي كانوا يعتقدون انه سيموت والعلاج الوحيد الذي حصل عليه هو مادة الصمغ والمر العربي الذي يطلى به راسه وانفه يوميا ولا ترى منه شيئا غير تقعر عينيه وانتفاخ انفه ولكنه عاش وواصل انضمامه لي في صولاتي وجولاتي فعلا كان ساعدي اليمين اذا تقابلت الضروس والكفوف كان يجيد العض جيدا اذا تضاربنا نحن واولاد الحي ,حمدت الله كثيرا حيث انه لم يمت , كان اخي وصديقي الوحيد لان احيانا تضطرنا الظروف للعيش في احد الكهوف بعيدا عن الناس لفترات زمنيه احيانا تصل لثلاثة او اربعة شهور ولا يكون هناك اي أطفال الا انا وهو فقط لقد كان مهما لي بشكل كبير وكم أحببته رغم انه صار افطس الى حدما‘‘ ما مشكله الخشم المهم ضروسه سالمات".



وانا ما زلت في معسكر صرفيت العسكري العماني وفي انتظار ركوب الطائرة مع العائلة والتوجه الى صلاله ما زالت تراودني الكثير من الأفكار والذكريات, كنت استغرب وجودي في هذا المعسكر الذي كان يوما ما من اكبر الأماكن التي يخافها ويكرهها الناس هنا, لقد احببت المكان والخدمات التي تقدم لنا فيه, بدا البعض في اداء صلاة الظهر ونحن من الصباح ما زلنا ننتظر الدور وانا جدا سعيد بوجودي في هذا المعسكر وان طال وقت مكوثي فيه رغم لهفتي لركوب الطائرة , للعلم عن هذا المعسكر هو معسكر كبير أقيم على اعلى قمة في المنطقة الغربية وهو موقع استراتيجي عسكري بحت تستطيع وانت فيه ان تراقب كل المناطق المأهولة بالناس وكذلك تقع تحتك مدينة ضلكوت وخضرفي ومدينة حوف اليمنية اذا سمعت عن مدينة حوف اليمنية كل سكانها تقريبا لهم صله بالاهالي العمانيين وهم ينتمون لعمان اكثر من اليمن وان كانوا يمنيين بالجواز وأغلبية أهلهم الان عمانيون ومركز الحدود في صرفيت يفصل بين الطرفين ولا تعبر الا بالجواز طبعا الا انه مسموح للبقر الان بالمرور بين الدولتين لان أبقار العمانيين تحب ترعى احيانا في الجانب اليمني صباحا وتعود مساء,( وهذه المنطقة من عمان تعتبر من أجمل المناطق في الجزيرة العربية لانها خضراء وبها أشجار عظيمه على جبال رائعة وغابات كثيفة تصل للشاطي وإطلالات جميله جدا وتستطيع الوصول الى هناك من صلاله بالسيارة في مدة ساعتين فقط في طريق معبد وهو طريق مسافته 200 كيلومتر من صلاله الى ضلكوت ونيابة خضرفي ) لاحظت ان والدتي تبكي وتحاول ان تخفي دموعها فسألتها لماذا تبكين يا امي؟ طبعا لم تجاوبني لانها تعتبرني جاهل ولا افهم شئ ولكنها بدأت تجاوب امراءه كانت بجانبها والظاهر انهن يعرفن بعض فقربت اذني حتى اسمع السالفة بدأت الوالدة تقول لصاحبتها يعني نحن الحين بنركب الطائرة وبروح لبلد بعيد عنا وبنترك ديارنا وأهلنا , لان امي أصلا من جبل ضلكوت ووالدها رجل كبير في السن ولكنه في غاية النشاط ولا يفكر ابدا ان يترك جبال ضلكوت للعيش في صلاله وكان معنا في المعسكر ليودع ابنته الوحيدة, كانت والدتي تعتقد انها لن تعود مره أخرى لرؤية والدها وموطن صباها كان والدي يقنعها ان مدينة صلاله جميله وانها ستعود وسترى والدها مرة أخرى وتعهد لها بذلك وانه سيرجعها يوما ما لجبال ضلكوت, سمعت المرأة الأخرى تجهش بالبكاء هي الأخرى وسمعتها تخبر والدتي انها فقدت أخويها في الحرب حيث انهما كانا مع الثوار احدهما قتل في معركة في صف الثورة والاخر أعدمته الثورة لسبب هي لا تعرفه ولا يحق لها ان تعرف ولها بنت عم تنتمي للثورة عاشت قصة حب جميله ومشهورة مع احد شباب الثورة ولكن حالت بينهما الأقدار ان يتزوجا ويحققا حلمهما لان هذا الشاب ترك الثورة والتحق بالجيش العماني وهي بقت مع الثوار واختلفا في المبادئ رغم حبهما العظيم لبعض وكان هذا الشاب العاشق يعرض نفسه للخطر حتى يلتقي بها دون ان يعرف احد لانهما من جهتين بينهما حرب وكان يحاول ان يقنعها بالزواج وان يهرب بها لصلاله لكنها كانت ترفض وحتى ان أهلها حاولوا ان يقنعوها بالزواج لكنها رفضت اذ كيف تتزوج ثائرة بثائر ترك الثورة وانضم للأعداء ليكون جندي في الجيش العماني, حتى لا أطيل كانت النهاية حزينة جدا حيث ان اخبار اللقاءات بينهما وصلت لبعض المغرضين في الثوره واتهموها بالعمالة للحكومة العمانية وبنقل الاخبار والمعلومات العسكرية للجانب العماني عن طريق الفتى الذي تحبه ولم يصدقوا إيمانها العظيم بالثورة فتم إعدامها رميا بالرصاص في مكان مجهول بعد محاكمه سريعه وغير علنية واقتصر حضور التنفيذ على ثلاثة من رجال الثورة ولا احد من اهلها كان معها, اما فتاها وحبيبها فقد وصله الخبر وتمنى انها استجابت له وقامت بتسليم نفسها لحكومة السلطنة وكان يقول عن فتاته انها كانت اشرف من شرف الثورة نفسها وانها فعلا كانت مخلصه لمبادئ الثورة بطريقه ادت لمقتلها , استمر الفتى مع الجيش العماني في محاربة الثوار حتى قتل في إحدى المعارك ليضاف اسمه في سجل شهداء الجيش العماني,كانت هناك الكثير من القصص المشابهة والتي يبتعد الناس عن ذكرها الان ولا يحبون العودة لتحليلها او ذكرها لان الامور تشابكت واختلطت حتى ان بعض القادة النافذين والمعروفين في الثورة أعطتهم الحكومة العمانية أفضل الوظائف والأراضي بل بعضهم وضع في أماكن حساسة في الدولة والى الان هم في افضل حال, كانت حكومة السلطنة متسامحة جدا وعفت عن من ألقى السلاح وانضم لها او سلم نفسه طوعا بل وضعت مكافآت لمن يسلم نفسه او يرشدها لأحد مخابئ الأسلحة وكان المرشد يعطى مبلغا بقدر أهمية لأسلحة الموجودة في المخبئ, بل ان بعض رجال الثورة سلموا أنفسهم وكانت معهم مبالغ كبيره جدا تعود للثورة , كان يتم التحقيق معهم ومن ثم تعطى لهم هذه المبالغ وهذا ساعد كثيرا على توافد الكثير من المسئولين من الثوار لتسليم أنفسهم , كانت للثورة مخابئ أسلحه في كل جبال ظفار وكان يعرف أماكنها بعض الأفراد فقط وعندما سلم أنفسهم هؤلاء الرجال تغيرت كفة الحرب نهائيا لصالح الجيش العماني لانهم كانوا يعرفون الأرض جيدا ويعرفون المخابئ والطرق والأودية والمغارات ويجيدون الحركة في أصعب الظروف ليلا او نهارا خريفا او شتاء, انضموا لقيادة الجيوش وانشئوا الفرق الوطنية وسيطروا على الأماكن المهمة والاستراتيجيه في كل جبال ظفار, ما زالت السوالف بين والدتي وصاحبتها مستمرة ويغلب عليها طابع الحزن وتختلط فيها الدموع مع الحروف والدتي كانت يتيمة الام وقد عاشت فترة الحرب من بدايتها للنهايه عايشت الثورة في بداياتها ونهاياتها, لم تلتحق بالثوار لانها كانت وحيدة والدها وتقوم بخدمته فلم يكن عندها الوقت لحمل السلاح فتركت السلاح وحملت الحشائش وجلبت المياه ورعت الأبقار ومن ثم الأغنام عندما تزوجت بوالدي, مرت هي ووالدي بالظروف الصعبة التي مر بها الناس في ذلك الوقت, كان جلب المياه من أماكن بعيده فتذهب في الصباح ولا تعود الا في المساء لتحضر معها غربه او شنطه من جلد الماعز مملوءة بالماء كان اغلب الطعام يقتصر على التمر وحليب الماشية وأحيانا يجلبون الطحين ونادرا ما يحصلون على الرز والحياة كانت رغم صعوبة المعيشة ماشيه, عندما تم استدعاءنا لركوب الطائرة لم ارى الا الغبار الذي عم المكان فجأة لقد كان غبار انطلاقة أخي أبو الضروس بإتجاه الطائرة التي اشير لنا بركوبها لقد حقق سبق ركوب الطائرة قبلي لاني لم اكن منتبها عندما تمت مناداتنا، قلت في نفسي هذا بايورطنا اليوم مع العسكريين في الطائرة وخاصة الانجليز لان الطائرة كان فيها اثنين من أصحاب العيون الملونة وشكلهم يخوف كثير أمي تصرخ علينا ان ننتظر ووالدي يصرخ عليها لتتحرك بسرعة وضجيج الطائرة ام المراوح كان فظيعا ولا يطاق والدتي تكاد أن تسحب سحبا الى الطائرة فلا هي مشت ولا هي توقفت أبو الضروس كان من اول الركاب وكان يجيد التسلق جيدا لم يعاني كثيرا في الصعود لقد تفاجأت به قاعدا على احد المقاعد وبجانبه نافذة اما انا فوضعت في مكان سئ جدا في ذيل الطائرة وبجانبي ثلاثة أغنام قذرة وبها إسهال مستمر وضعت في الطائرة تلبية لرغبة عجوز ناطحت المائة عام كان من ضمن شروط استسلامها لحكومة عمان حمل أغنامها معها في الطائرة الى صلالة..



لن استطيع ان اصف لكم لحظة وضع قدمي على الطائرة لقد كان شيئا عظيما لا أكاد أصدقه لقد تحقق الحلم أخيرا، جلست على المقعد وانا في غاية الأدب لا أكاد ان أتحرك حتى أوضح لهم اني رجل يقدر عظمة المكان ودرجة المسئولية التي سأتحملها خاصة وقد طلب مني ان أساعد العجوز في مراقبة أغنامها ,اما والدتي فكان مقعدها بين والدي ومستر’’ توم’’ لقد عرفت اسمه من خلال مناداة الآخرين له, والدتي في حاله يرثى لها الخوف من الطائرة وجلوسها بجانب الكافر’’ توم’’ لم تعد تستطيع الكلام مع احد وأبي كان رابط الجأش اما أخي ابو الضروس فقد التصق لصقا بالنافذة ولم يبدي اهتماما بما يحدث في الطائرة, الملاحين وبعض الجنود العمانيين في معركة مع بعض الركاب فمنهم من يركب وفجأة يطلب النزول ومنهم من يصر على الركوب رغم امتلاء الطائرة لقد كان الوضع في غاية العشوائية ولم أرى اي بادرة من الزعل او الغضب تظهر على العسكريين في الطائرة لقد كانوا فعلا طيبين مع الجميع , لقد بدأت ساعة الصفر أغلق الباب وسكن الجميع وبدأ الهدوء فجأة وخاصة من الركاب وبدأت تتحرك الطائرة يا للهول قلت في نفسي الآن سوف تقلع زادت السرعة فغرزت أصابعي في مقعدي وتمسكت جيدا ومما زاد الضجيج ان المدرج لم يكن معبدا ونظرت للعجوز فأرتعبت خوفا منها لقد اختفت عيونها فجأة وتحولت الى اللون الأبيض لم تعد تملك البؤبؤ الأسود لا ادري أين ذهب, اما الغنم فأصابها الجنون فجأة وبدأت تقفز وتزيد من حركتها رغم انها مربوطة بمقعدي ولكني لم اعد استطيع ان أقدم شيئا للعجوز وأغنامها اللهم نفسي نفسي, نظرت لامي لقد كانت ممسكه بوالدي من طرف والكافر تمسك به بيدها الأخرى, هول الوضع افقدها الأصول والعادات والدي يطلب منها الا تخاف وان تهدي من مسكتها للرجل من قميصه والرجل يبتسم ويبين عدم ممانعته من تقديم المساعدة لهم , اما أبو الضروس أخي الأصغر فقد كان في قمة الراحة وهو من محبين الارتفاعات أصلا فلم تكن عنده مشكله ابدا عندما ارتفعت الطائرة , لقد نظرت لوجوه الأهالي عند ارتفاع الطائرة لانه لم تكن بجانبي نافذة لأنظر للخارج , لقد اختلفت ألوانهم بعضهم يكاد ان يختفي في مقعده وبعضهم يمد رجليه الى اخر ما يستطيع ليجد شيئا يطبق عليه رجليه ليزداد ثباتا وبعضهم اسمعهم ينطقون الشهادة ومنهم من يكثر من البسمله( بسم الله بسم الله بسم الله) يالله يا الله..
المهم ارتفعت الطائرة وبدأت في مسار مستقيم ومستقر متجهة الى صلاله ونحن فيها تاركين بقعة من الوطن عزيزة جدا علينا بكل ما فيها من ذكريات جميلة وأليمة نعم لقد تركنا الكثير من الحكايا والقصص والأحداث بعضها كنت شاهدا عليها وبعضها أخذت أخبارها من الأهالي في الأمسيات حيث ان فترة المساء التي تبدأ من المغرب الى بعد العشاء كانت هي فترة التقاء الأهالي وكل يقدم ما لديه من أخبار او يروي الأحداث التي حدثت ذلك اليوم كل حسب طريقته في الحديث,لقد بدأ شريط من الأحداث والروايات عن الثورة يمر بذاكرتي لقد استحضرت المهم منها خاصة الشئ الذي قد يثبت بذاكرة طفل, نعم كانت هناك أحداث لا تنسى أبدا وان حاولوا ان ينسوها او يتناسوها لقد اقترفت الثورة جرائم عظيمه وأخطاء فظيعة لقد استطاعت فئة من الثوار والمتنفذين فيها ان تسئ بجداره الى الهدف الذي تقوم من اجله الثورات لقد ارتكبت الثورة حماقات تعجز عن سردها الألسن ولا تستطيع ان تفهم شيئا مما كان يحدث ولا تستطيع ان تنتقد او تفسر او تعلل ما كان يجري من انتهاكات وفوضى وتحقيقات وإعدامات, لقد كانت مأساة بمعنى الكلمة, لقد كان اول ضحاياها المجتمع الذي حضنها وساندها وكان هو وقودها ونارها والماء التي أطفأتها... انتظروا مني الجزء الخامس وفيه بعضا من الحماقات التي ارتكبتها الثورة..


وانا في الطائرة التي تقلنا من صرفيت الى صلاله أخذت أنظر الى وجوه الركاب خاصة بعض الأهالي الذين اعرفهم, البساطة والتعب في وجوههم حرقة الشمس صبغتهم بالسواد , تعب وقسوة المعيشة رسمت على خدودهم تجاعيد قبل وقتها , النساء كذلك بل هن من كان في أشد حاله وأتعب معيشة وكلهم يحلمون بالسعادة ورغد العيش في الأرض الجديدة والعهد الجديد، كلهم أمل أن تتغير تلك الأيام الكئيبة والليالي الحالكة وأن تستبدل بطيب العيش وسعة المعيشة, لقد مروا بأيام عصيبة عاشوها في جبال المنطقة الغربية ((من رخيوت وجبالها الى ضلكوت وجبالها)) منهم من فقد اقرب الناس إليه ومنهم من فقد كل ما كان يملك, لم تكن الأحداث سهلة أبدا والروايات لم تروى من قبل الا على نطاق ضيق جدا ولكني هنا سأتحدث عن بعضها على الأقل, وسأختصر قدر الإمكان ما استطعت لأنها كثيرة وطويلة بعضها غريب ومثل الخيال مثل قصص الأفلام السينمائية وبعضها لا يصدق وكأن الناس اتفقوا على قرار واحد التزموا به جميعا وهو الا تروى هذه الحكايات والأحداث أبدا الا على مستوى أصحابها فقط بل حتى أصحابها ومن عاشها لا يريد ان تروى أبدا أما أنا قررت أن أروي لكم الكثير منها وهذه أولها , في إحدى الليالي الحالكة حيث كان الأهالي لا يوقدون نارا ليلا خوفا من المدفعية العمانية والتي تطلق من طراد او بارجة حربيه ارتكب احد الأهالي خطأ فادحا حيث قام بإشعال نار لسبب مهم حسب قوله فيما بعد ولم ينتظر كثيرا حتى تم سماع دويا هائلا وصوتا عاليا كانت قنبلة وقعت بعيدة عنهم قليلا, أخذ الأهالي حذرهم واطفأوا النار وانتظروا الضربة الثانية ولكنها كانت ضربة دقيقه وقعت بين مساكن الأهالي ونثرت النار والتراب وفتيت الصخور فوق رؤوسهم , الكل يسأل هل أصيب أحد وتكون الإجابة لم يصب أحد ومن حسن الحظ لم تكن هناك ضربه ثالثه, هدأ الناس وسكن الجميع الا طفلا رضيعا كان في المهد تحدثنا أمه فيما بعد انها عقب الضربة الأولى وضعت ابنها في المهد وبالمحلي يسمى ((فيدات)) مصنوع من جلد الماعز او البقر يرتفع عن الأرض قليلا حيث يقف على ثلاث أرجل خشبية ويوضع الطفل بداخله ليحميه من حشرات الأرض وسقوط الأشياء من فوق ,, وبعد وضع الطفل في المهد أخذته الى داخل المغارة ليكن بعيدا عن الأذى رغم ان المغارة لم تكن عميقة الى الداخل وبعد الضربة الثانية استمر الطفل الرضيع بالبكاء كان الظلام دامس أخذته أمه ووضعته على حجرها وأرضعته لقد بدأ يرضع ولكنه يمتنع أحيانا ويرجع للبكاء العميق لقد ظنت انه تعرض لشئ مؤلم بدأت تحسس على جسمه من كل النواحي كان المكان مظلم جدا لم تجد شيئا أرضعته مره أخرى رضع الطفل وفجأة سكن ولم يعد يبكي أو يرضع اعتقدت أمه ان الطفل نام وأخذت تحسس على جسمه من جديد وعندما مسحت على رأسه وجدته مبللا بشيئا ما وجدت البلل في رأسه من الجانب اكثر لم تستطيع ان ترى لون السائل الذي يملأ رأس الرضيع وحين بدأت تشم أصابعها إمتلئت أنفاسها بريحة الدم, دم رضيعها أطلقت الأم صرخة ملئت المكان وارتدت من كل أصقاع وزوايا الجبال حاولت بطفلها ان يستيقظ على أمل ان الا تكون الإصابة قاتله ولكنه كان ينام قرير العين نوما أبديا لا نهاية له قلبوه ذات اليمين وذات الشمال وعروه من اللفائف التي كانت تلفه من الأقمشة الباليه لم يتحرك لقد كان ميتا بفعل شظية إصابته في رأسه نزف الرضيع حتى مات في حجر أمه في مشهد كان فعلا حزينا جدا , ولم يستطيعوا ان يقوموا بدفنه ليلا فتركوه للصباح نائما في مهده عند أمه حتى شروق الشمس وبعدها قبروه , لم يكن الطفل من الثوار ولم تكن أمه ثائرة او حامله للسلاح ولم يكن أباه كذلك ولكنها السياسة التي أتخذها الجيش العماني في تلك الفترة (سياسة او نهج حرق الأخضر واليابس أو ضرب اي هدف متحرك نهارا او مضيئا ليلا لكي يدرك الأهالي انهم هم العمق والملجأ والداعم للثوار وبالتالي لابد من معاقبتهم , لقد كان الأهالي ضحية الطرفين الثوار يقتلونهم بتهم العمالة للحكومة العمانية والجيش العماني يقصفهم بالطائرات والبوارج(أحيانا وليس دائما حتى أكون صادقا) يتهمهم بأنهم مع الثوار, كان هذا من الأخطاء التي أرتكبها الجيش العماني وبأمانه لم يكن هدفا استراتيجيا دائما إنما كان في فترة وجيزة وغير مستمرة , وأما ما ارتكبه الثوار من جرائم فأنتظروا مني الأجزاء القادمة.

__________________
رغم ان جدي لامي كان كبيرا في السن الا انه كان يتمتع بصحة جيده ولياقة بدنيه عاليه رغم انه كان نحيف الجسد, كان سريع الخطأ وراعيا للبقر من الطراز الاول, كان محترفا بمعنى الكلمة, لم يساعده العمر ولا الظروف ان يحمل السلاح ويلتحق بالرفاق المحررين كان جل همه أبقاره وعائلته الصغيرة وزوجته المسكينة رغم انها هي الأخرى من النوع النشط جدا, كان كل منهما يعرف دوره بالتمام والكمال, كان جدي يكثر من انتقاد الثوار عندما يخلو بوالدي كانت والدتي تطلب منهما ان الا يتماديا كثيرا في نقدهما للثوار, جدي يستغرب ويسأل والدي لماذا لا يصلون هؤلاء الثوار لماذا لا يصومون مع الناس (أذكر ان والدي سأل مره أحد قادتهم الكبار وكان ضيفا علينا هو ومعه بعضا من الرفاق كان رجلا مثقفا جدا وكان متفهما ويسمع النقد سأله والدي لماذا تفطرون رمضان ألستم مسلمون؟؟ لقد أجابه نعم نحن مسلمون ولكن أليس للمسافر رخصه ان يفطر نحن مسافرون وبعيدون عن ديارنا, سأله والدي لماذا تطلبون من الناس ان يقوموا بإعداد الطعام والشاي لكم وانتم مفطرون وهم صائمون لماذا لا تحترمون مشاعرهم؟؟؟ أجاب إنهم لن يطلبوا من احد ذلك مجددا الا من أبدى الاستعداد من الأهالي لخدمة الثورة والثوار) لو كانت هذه الأسئلة يطرحها والدي لشخص أخر من الثوار لربما راح فيها ولكنه كان يعرف الرجل جيدا وكان الرجل يحتفظ بكثير من الاحترام لوالدي حتى انه كان يزورنا بين فترة وأخرى وكان يحب الاستماع لوالدي وفلسفته وأسئلته البريئة, رغم ان كثيرا من المواطنين من غير حملة السلاح تم إعدامهم من قبل الثورة عندما أكثروا من هذه الأسئلة أو عرف عنهم مثل هذه الانتقادات, لقد اقبل جدي في المساء ولم يكن في حاله طبيعيه استقبلته والدتي وطلب كوب من الماء ليشرب كان مرتبكا وفزعا طلبت منه والدتي أن يخبرها ما الذي جرى له لم يخبرها بشي رغم إلحاحها الشديد أخبرت والدي فذهب إليه وسأله ماذا بك ؟ما الذي جرى لك؟ عسى ما شر، أجابه جدي تعال سأخبرك بهول ما جرى لقد شهدت اليوم فجيعة لم أشهدها في حياتي, طلب منه والدي ان يخبره بسرعة قبل ان يأتي أحد من الضيوف وبدأ جدي في الحديث يقول جدي بينما انا في طريقي لعين مياه تدعى(خرفوت متصلة بالبحر مع خور يدعى خور خرفوت) لأقوم بسقي البقر رأيت من مسافة بعيدة أربعة أشخاص ثلاثة منهم يمسكون بالرابع لم تكن المسافة قريبه لاستطيع التعرف على وجوههم او فعلهم كانت أشجار الخور تخفيهم أحيانا وأحيانا يظهرون من خلالها لم استطيع التوقف دفعني الفضول للاقتراب وإسراع الخطأ باتجاههم وعندما اقتربت منهم صرت اسمع الصياح والحشرجه لقد بدأت أخاف فعلا, لم يحسوا بي أبدا وعندما وصلت لطريق ضيق هو الفاصل بني وبينهم إذا بهم الثلاثة في وجهي فجأة ردوا علي السلام وهم يهرولون بسرعة رديت السلام ولم أبين لهم أني رأيت شيئا لقد عرفتهم كانوا من الثوار وعرفوني جيدا رجعت خطوات للخلف وصرت أنادي البقر لكي أحسسهم إني لم أرى شيئا ولكني أسأل نفسي أين الرجل الرابع؟ تقدمت للمكان الذي كانوا يقفون فيه انتقلت للضفة الثانية من الخور وأصبت بدهشة للمنظر الذي رأيته رجل ممتد على الرمل ومغطى بسباعيته كهيئة النائم التفت خلفي لم اعد أراهم رفعت الغطاء عن وجهه لقد كان ميتا وعيناه مفتوحتين وأثار الخنق باينه على رقبته وصدره, لقد ارتعدت وكاد ان يغمى علي انه فلان الفلاني أبو سهيل وطفول وفاطمة انه ميت الآن هنا لوحده بعيدا عن أولاده وأهله ماذا افعل التفت لهم مره أخرى رأيتهم ينظرون من بعيد فقلت في نفسي ابشر بالموت الآن سوف يأتون لقتلي انا أيضا, ماذا افعل لقد قررت ان أقوم بسقي البقر والتظاهر باني لم أرى الرجل القتيل ولم ابدي اي حركه غير طبيعيه انتظروا هم حتى رأوني أخذت البقر وصعدت الجبل في طريق العودة لقد رايتهم يعودون للمكان نفسه أما أنا فأسرعت أسابق الريح وتركت البقر لله وها انا ذا فماذا تشير علي أن افعل الآن؟ وكيف نخبر أهله وأولاده أم اعتبر نفسي لم أرى شيئا خوفا على حياتي انا أيضا, أجابه والدي الا يستعجل وان ينتظر حتى الغد وإذا لم يظهر الخبر عن طريق الثوار او احد ما فسوف نخبر أهله حينها, قال جدي لم اخف في حياتي مثل اليوم لقد رأيت الموت وتوقعت ان أموت فعلا اللعنة عليهم هم وفعلهم ذلك الرجل المسن ولحيته البيضاء لم يكن من الثوار كان مواطنا عاديا مثله مثلي ذهب هو الأخر ليسقي أبقاره فلقي حتفه مظلوما مغدورا, وفي الصباح وقبل شروق الشمس غبش جدي إلى(عين خرفوت) قبل شروق الشمس لكي يقوم بقبر الرجل الميت وعندما وصل لم يجد الجثة أبدا لقد اختفت الجثة الى يومنا هذا بعد ان أعلنت الثورة انه احد العملاء الذين تم تصفيتهم بينما ظل السر مع جدي حتى مات هو الأخر بعد هذه الحادثة بعشرين سنة.. هذه الأفعال هي التي قضت على الثورة وكرهها الناس وفقدت شعبيتها وأرضيتها, لم يكن جدي سياسيا أبدا او متعلما او منظرا لقد التزم الصمت بعد هذه الحادثة ولم يعد يتكلم او ينتقد الثورة لقد رأى الكثير من الأفعال الشنيعة التي ارتكبتها الثورة, عندما صرنا في صلالة كان يأتينا بعد فتره ويخبرني عن الكثير من الأحداث التي حدثت زمن الثورة والثوار.

 

мά∂εмσίşάĻĻe

¬°•| مشرفة سابقة |•°¬
إنضم
28 يوليو 2012
المشاركات
6,002
العمر
33
الإقامة
...
قرأت أول قسم كاتب رائع و يفصل كل شئ
جذبتني القصه و ايد لدرجة أني أقول في نفسي الحمد لله ما عشت في هاييج الأيام
لي عوده أن شاء الله لإكمل الباقي
طرح مميز أختي ملاك
تقبلي مروري
 
أعلى