السّلمية....إمرأة غيّرت تاريخ البريمي

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
أهلاً بكم

السٌّلمية، هذه المرأة غيرت مجرى التاريخ هنا، وهنا أعني بها البريمي وما جاورها من المناطق التي كانت تسمى تؤام. ما قامت به تلك المرأة من أفعال يخيل لك أحياناً أنها خيالية رغم أن آثارها مازالت معاشة حتى وقتنا الحاضر رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على وفاتها.

كنت قد سمعت عنها قديماً ما يشبه حكايات العجائز، ولما كبرت صرت أحسب أن شخصيتها هي استنساخ لشخصية ابنة عمها الخنساء، خصوصاً وأن ما يصاحب بعض المرويات عنها تتضمن أسماء قبائل كبني عامر وبني سامة وبني سليم وذبيان وعبس، ولجهلي بالتاريخ والأنساب كنت أحسب هذه القبائل غريبة عن هذه المنطقة فأنا لم أسمع في حياتي أن فلاناً قبيلته العبسي أو الذبياني أو السٌّلمي.

وظلت قطع الأحجية تتراكم عندي عبر السنين عن هذه الشخصية على شكل أشعار قصصية وحزاوي وأسماء مناطق لكن بدون رابط واضح. لكن قبل عام تغير الأمر تماماً وأشرقت الشمس على بقع الظلام التي كانت تفصل قطع الأحجية عن بعضها، أو لنقل أغلبها. أحد أخوالي بارك الله فيه(سيف المزاحمي) له اهتمام واسع بعلم الأنساب والتاريخ، وتذاكرنا يوماً نسب إحدى العائلات العريقة والمعروفة في مدينة العين، نطق خالي بقوله "على عمود النسب هم يرجعون لبني سامة، لسامة بن لؤي القرشي"
فتعجبت أشد العجب، وربطت الأمر بقصة السلمية، وأذهلتني بعد ذلك المعلومات التي عرفتها منه، كل القبائل التي يرد ذكرها مع السُّلمية مازالت موجودة، وكثير من أسماء الأماكن مازالت موجودة كما هي. على سبيل المثال بنو عامر المتواجدين هنا اليوم هنا هم بنو كعب، وبنو سليم لم يبق منهم إلا بيوت قليلة دخلوا في حلف بني جابر، وبنو سامة يعرف منهم هنا عائلة واحدة وأما البقية فقد هاجرت في العصور السابقة لنواحي بهلا، وقبيلة ذبيان ما هم اليوم إلا بني جابر.......وهكذا.......و اكتمل حلّ أحجية السُّلمية بمطالعتي لكتب المرويات القديمة ككتاب "مجالس الملوك" للفيروزبادي و"تحفة الزمان" للبغدادي وغيرهم، وها أنا أضع ما جمعته من قصّة السّلمية بين أيديكم.

 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
السٌّلميّة(1)

لمّا ولي عبد الملك بن مروان الخلافة وفدت عليه جموع المهنئين من كل مكان من أرض الخلافة، وكان آخر من قدم من الوفود هم وفد تؤام. كان فيهم جماعة من بني سامة بن لؤي وبني عامر وبني سُليم، وكان يرأس الوفد بحر بن عبدالله السامي، ولعلهم قدموه لقرابته القرشية من عبد الملك وإلا فقد كان في القوم من هم أسنّ منه، وعلى غير عادته مع من سبق من الوفود أمر عبد الملك باستبقاء الوفد إلى الليل، ثم لمّا فرغ مجلسه أمر بدخولهم.
تكلم بحر السامي وجيزاً وعرّف بمن معه من القوم، ثم سألهم عبد الملك عن الأمر الذي استبقاهم من أجله.......أمر السٌّلميّة ........ فأجابه بحر السامي

-ظني بك يا أمير المؤمنين أنك لا تريد المشهور من أخبارها لأنها معروفة ، وإنما تريد أخصّها، وليس منّا من هو أعلم بالسّلمية كشيخنا الذي تخلّف عند رحلنا ...... هو جامع السّلمي وهو خير من يخبرك عنها.

-إليّ به في الحال، فإني في شوق للسماع منه.

جاؤا بجامع وكان قد طعن في السن كثيراً وانحنى ظهره وضعف بصره، وكانت إحدى يديه مبتورة، تقدم من عبد الملك وكأنه يريد تبيّن ملامحه ثم ألقى السلام.

-السلام عليكم يا أمير المؤمنين.

-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

-إن سمح لي أمير المؤمنين أن أجلس ثم أتكلم.

-تعال واجلس هنا بقربي أيها الشيخ، إني طلبتك لأسمع منك.

جلس جامع السّلمي وأخذ عدة أنفاس ثم تكلم.

-إعلم يا أمير المؤمنين أني قد أحببت السلام عليك، وما حبسني عن الدخول مع إخواني إلا ما ترى من بتر يدي، وما أحببت لك أن تراني بين مهنئيك.

أجابه عبد الملك
-قد نهانا الإسلام عن التشاؤم أيها الشيخ ونحن على ذلك، فلا تجد في نفسك من ذلك شيء.........أحببنا أن نسمع منك عن السّلمية، فقد قال أصحابك أنك خير من عرفها.

-قد صدقوا يا أمير المؤمنين، وإني لأُحِبُّ الحديث عنها ولا أملّه، ولو كانت النساء كنصف السّلمية لفضلت النساء على الرجال.

-أيها الشيخ.......قد جعلتها بأربعة رجال.

-بل هي أكثر يا أمير المؤمنين، ومن أحكمهم وأشجعهم، بل لم نكن نعيب على الشجاعين والثلاثة إن فروا من أمامها.

-لا أجيزك أيها الشيخ حتى أسمع أخبارها، فقصها علينا بارك الله فيك.

حباً وكرامة يا أمير المؤمنين

-هي فاطمة وأبوها الذئب ابن سابق السُّلمي ، أخواله من ذبيان، عُرف أبوها بأبي الطيب لكثرة تطيبه، هذا وهو من أهل البادية، حتى أن الرجل ليجد الريح الطيبة في الناقة فيعرف أنها ناقة أبي الطيب. كان عارفاً بالمسالك والدروب كما لم يعرفها أحد من قبل، وأما بروج السماء فهنّ بناته لشدة معرفته بها، بها كان يستدل على أوان كل شيء، بل إن أهل الزرع كانوا يسألونه عن المواسم وهو كما أسلفت لك يا أمير المؤمنين من أشد الناس بداوة.......كان يكرم من ماله وينسب الفضل لبني عمّه، وقد بلغ من فضله وهيبته أن الغازي يمر بإبله ما معها إلا الله فلا يمسها .

وهنا قاطع عبد الملك كلام الشيخ قائلاً

-يا شيخ.......هذه أخبار أبيها فأين أخبارها!!!

وعاد الشيخ للكلام

-كأنك استبطأت يا أمير المؤمنين!!!.......بل كانت تلك من أخبارها وإن جئت بها لأبيها، فقد ورثت عنه حسناته وزادت عليه.

-فكيف كان أول أمرها؟

-يوم ولِدَت يا أمير المؤمنين رأى أبوها في منامه وكأنه قد ولد له سبعة ذكور في بطن واحدة، ولمّا جاءت بنتاً عقر عنها سبعاً من خيار إبله، حتى لقد قل فيه ما قيل ، ثم ما لبثت أمها أن توفيت وهي في سن الرابعة، ونشأت مع أبيها على ظهور الإبل، ثم زوجها أبوها لعمّي حزام. بقيت مع عمي حزام ثلاث سنين توفي بعدها، وكان أبوها قد توفي قبل ذلك بسنة فورثت وصارت أكثر أهل تؤام رعياً.

والله يا أمير المؤمنين ماكنّا رأينا منها حتى ذلك الحين غير ما نرى من نساءنا، وكانت تقوم بما تقوم به بنات جنسها غير أنها أبت أن تترك البادية وتجاور الحضر، خطبها بعد عمي أكفاء كثر فأبت الزواج، فأخذني أبي وكنت يومها في العاشرة، فأتيناها في مكان يقال له صفوان وهي قائمة على بئر تسقي إبلها في دلو كبير، حين رآها أبي من بعيد وقف ينظر لها متبسماً وقال "هذه بنت أبيها".

كلمها أبي يومئذ بكلام
-يا بنت أخي، إنك قد أبيت الزواج ، ثم أبيت إلا هذه البوادي، وإني لا أخشى عليك شيئاً، غير أن الناس تلومني في أمرك، فإن شئت أن ترفعي عني ملامة الناس فخذي ابني هذا معك، يؤنس وحشتك ويتعلم منك،فوافقت على بقائي، وقضينا شتاء تلك السنة على ماء صفوان.
أول ما رأيت من أمرها كان يوم فقدت جدي ماعز، وحين قصت الأثر عرفت أن ذئباً أغار وأخذه، وحين أتي الليل لبست جلد شاة وخالطت الشياه تنتظر إغارة الذئب. جاء الذئب عند منتصف الليل، ودخل بين الشياه يبحث عن أصغرها ، ومازالت تدور مع الشياه حتى اقتربت من الذئب وأطبقت على عنقه ثم حزّت رأسه بسكين.

لمّا حان أوان القيض سقنا الرعي لموضع بقرب حاضرة تؤام يقال له العقدة لكثرة اجتماع السمر فيه، وكانت الحاضرة حينها بيد الفرس وأمرهم بيد رجل يقال له شاه رستم، كانوا قد حفروا فيها نهراً يزرعون عليه، وبنوا فيها حصناً عظيماً يحيط به خندق على مجرى النهر، ولهم فيها سوق عامرة يؤمها الناس من مسيرة أيام.
 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
السٌّلميّة(2)


في أحد الأيام حمّلتني سمناً وإقطاً وأمرتني ببيعه في السوق ببعض التمر، وهناك جائني أحد التجار الفرس وأخذ مني السمن والإقط واستبقاني حتى يعطيني عدله تمراً، لكنه جائني بعد قليل مع أحد جنود الحصن وهو يتهمني أني بعته سمناً مغشوشاً، وعندما أنكرت ذلك هوى علي الجندي بصفعة سقطت على إثرها، اجتمع علي الناس وهم يذكرون ظلم عساكر شاه رستم ونصحوني بالذهاب خوفاً من أن يأخذوني للحصن.
ركبت بغلتي وعدت وأثر الصفعة ما زال بوجهي، وعندما أخبرتها بما حصل لي مع التاجر والجندي رأيت في عينيها غضباً شديداً. أمرتني بالعودة للسوق، كنت على بغلتي وهي تتبعني على بعير تحمل حطبة سمر كانت تقيم بها طرف الخيمة، دخلنا السوق والناس تنظر لها بعجب وهي لا تلتفت، حتى إذا بلغتُ بقرب التاجر الفارسي نزلت وأشرت لها، أناخت بعيرها ونزلت وقد شدت وسطها بحزام صوف غليظ ، كانت الدهشة تعلو وجه التاجر وهي تقترب منه، لعله اعتقد أنها جاءت من أجل السمن، وقفت أمامه وهو جالس وهي ترتج من الغضب وقالت

-أين من صفع هذا الصبي؟

-أيها المرأة، هذا الصبي باعني سمناً مغشوشاً.

-قلت لك أين من صفع هذا الصبي؟

وهنا تجمع من كان بالمكان من الفرس عند التاجر وأخذوا يتكلمون بالفارسية ويضحكون، ثم غافلنا أحدهم إلى البعير ونغزه بشيء ففزّ البعير وشرد ، لمّا رأت منهم ذلك ما كان منها إلا أن أمسكت ذلك التاجر برقبته بيد واحدة فصار يتلبط كأنه فأر، وأطلقت يدها الأخرى بحطبة السمر على البقية وكأنها تصطاد الجراد، فما تصيب منهم من أحد حتى سقط وهو يولول، ثم إذا بذلك الجندي الذي صفعني يندفع نحونا من آخر السوق يتبعه بعض الصبيان، وأنا أنظر له خشيت عليها أن يقتلها بسيفه وتمنيت لو أني لم أخبرها بما جرى.

التفتت لي حين رأت الجندي تسألني إن كان هو الذي صفعني، فأومأت برأسي موافقاً وأنا خائف.أفلتت التاجر الفارسي من يدها بدفعة شديدة فكان كمن نجا من الموت، كان منظر الجندي وهو قادم مرعب للغاية، انتظرته حتى اقترب منها وهو يسأل بدهشة وتعالي
-ما هذا؟!.....مالذي يحدث هنا؟

تكلمت وعينيها كالمخرز في عينيه

-لماذا صفعت الغلام؟

تلعثم قليلاً ثم استجمع شجاعته وقال

-هذا الغلام يغش السمن، وقد منع سيدنا شاه رستم الغش، هيا غادري السوق أنتِ وابنك الغشاش وإلا أخذتك الآن للحصن.

ودون أن ترد على مقالته التفتت لي وقالت

-هيا اصفعه كما صفعك.

وكأن الجندي استقل الأمر فضحك، ثم هيء لي أنه شدّ يده ليسل سيفه، ولعمري ما هي إلا طرفة عين حتى كانت رقبته بين فرجتي الحطبة وجدار السوق وإنه ليجاهد ليتنفس وتكاد عيناه تخرجان من محجريهما.
كررت علي الأمر بأن أصفعه ففعلت خوفاً منها لا طمعاً في الثأر، ثم أطلقته وهو بين الحياة والموت.
خرجت وأنا أتبعها والناس كأن على رؤسهم الطير، كانت عين الكبير كعين الصغير، وكأنهم يرون حلماً. قدت بغلتي أتبعها وهي تلتمس الجمل الشارد، فإذا قد أقبل به رجل هلالي من بني عامر فأناخه لها وهو يتعجلها للخروج خوفاً عليها من أجناد الحصن.
 

[ود]

¬| رُوحٌ مُحلِّقَة بَين أسْرآبِ الأمَل ✿ ،
إنضم
31 مايو 2011
المشاركات
22,276
الإقامة
حَيْثُ الأمَلْ
حييت أخي بيت حميد
سرد تاريخي معبر ، وحقائق تاريخية أطلع عليها للمرة الأولى!
و كم أشعر بالزهو و الفخر بأن هذه المرأة السلمية هي منا ..
يالها من إمرأة عظيمة .


بارك الله فيك وأحسن إليك .

تم الختم

 

بيت حميد

¬°•| عضــو شرف |•°¬
إنضم
28 أكتوبر 2010
المشاركات
348
السٌّلميّة(3)



عند عودتنا كان أبي ينتظرنا وقد رابه غيابنا، دخلت هي للخيمة وتركتني أفصل الخبر لأبي الذي راعه الأمر وركب من فوره لينذر أعمامي ويجمع الرعيان، لكن الفرس كانوا قد لحقوا ببعض إبلنا القريبة من الحاضرة وإبل رجل من بني سامة وساقوها للحصن. ما انتصف ليل ذلك اليوم إلا وجموع من بني سليم وبني عامر وبني سامة قد اجتمعوا، وكانت الخشية شديدة من انتقام الفرس فهم لا يكتفون بالإبل، وأكثر الخوف كان على النساء، كان القوم يتحدثون وهي تستمع من داخل الخيمة، حتى إذا قال رجل من القوم "لو كان رجلاً لسلمناهم إياه ونتقي شراً لا قبل لنا به" ، فلم تصبر حينها وخرجت عليهم، سألتهم عن القائل فقام الرجل وقال أنا قلت، فتقدمت منه وكانت تخفي يدها خلف ظهرها وبها مجمر، حتى إذا واجهته اختطفت سيفه من يده وألقت له المجمر وهي تقول "دع عنك السيف وخذ هذا فهو أصلح لك"، و والله ما رأيت ذلك الرجل بعدها ولا أعلم أحيٌ هو أم ميّت.

لم يفق الرجال مما لقيه صاحبهم إلا على وقع حوافر إحدى خيولهم وقد نفرت بها السلمية، فركب على إثرها رجلان وتبعهم من بقي من الرجال على الإبل، ساروا على أثرها وهم لا يعرفون أين تريد، حتى أدركوها تقف على ربوة.
أخبرني عروة الهلالي وهو أحد راكبي الخيل الذين لحقا بها، قال " والله لم تلتفت لنا ولم تكلمنا ونحن وقوف خلفها حتى وصل من ركب الإبل خلفنا، وما أدركنا من أنفسنا إلا أننا وراء بطل من الأبطال يقودنا، وأشد خشيتنا كانت أن تقول لنا كما قالت بصاحبنا"
أشارت لهم نحو شيء بالكاد يرى على ضوء القمر وقالت

-ذاك هو برج حراسة نفق النهر، فيه حارسان ولا أحسبهما إلا نائمان، يذهب ثلاثة منكم راجلين فيكمنوا خارج البرج، والبقية تأتي معي لنهيل التراب في مجرى النهر لنقطع الماء عن الحصن، إن أحس الحارسان بشيء فعليكم بهما وإلا فدعوهما.
وكأنها فطرت على قيادة الرجال وفطروا هم على طاعتها، فذهب منهم ثلاثة نفر فكمنوا خارج البرج، وقادت هي البقية لثقب على مجرى النهر فهالوا فيه التراب وماستطاعوا من الصخور حتى تأكدوا من انقطاعه.

أخبرني عروة وغيره من الذين نفروا معها ذلك اليوم، يقول كنا أحد عشر رجلاً، وكنا نحسب أننا مئة رجل، كنا قبل سويعات خائفين، فعدنا ونحن نتحرق لقتال الفرس وما يخطر على قلوبنا أن من يقودنا امرأة، ولو سارت بنا حينها إلى الحصن لما ترددنا.

عادوا وأخبرونا بما فعلوا، ومع انتصاف نهار الغد كان الخبر في كل البوادي المحيطة، والعرب تعرف أن لا شيء أعزّ من ذلك النهر عند الفرس، فكل حاضرتهم قائمة عليه، فمنه شرابهم وزراعتهم. كان العرب يأتون ويخوفوننا من انتقام الفرس، حتى أمر أبي بالنساء والأطفال أن يحملوا لديار بني عامر ، إلا السلمية فإنها أبت، وضربت العبدين الذين جاءاها ليطويا خيمتها. ثم إن أبي أرسل رسولاً لشاه رستم كبير الفرس يستطلع الأمر ويعرض عليه الصلح على أن يرد الفرس الإبل التي أخذوها ويكفّ العرب عن الإغارة على النهر. قبل أن يغادر الرسول استوقفته السلمية وأوصته بالنظر لقناة النهر ليعرف إن كانوا قد أعادوا جريانه أم لا، وأن ينظر في كيفية خزنهم لماء الشرب في الحصن، وأن يقدر عددهم، وأن ينظر إن كان معهم أحد من العرب، ثم أمرته أن يمر بالسوق فينظر وفرة الأقوات فيه ويستمع لأحاديث الناس هناك.

وذهب الرسول وبقينا ننتظر في وجل وخوف، ومع غروب الشمس عاد ووجهه يتهلل بالبشر، قال إن الفرس أحسنوا استقباله، ونقل عن شاه رستم قوله أن ما حصل من سد النهر هو فعل جهال لا يتحمل وزره البقية، وأما الإبل فأبدى استعداده تسليمها لأصحابها على أن يسلموا لقاء علفها ليومين، استبشر الرجال بتلك الأخبار، بل كان هناك من أثنى على شاه رستم.

السلمية كانت تستمع من داخل الخيمة، ثم خرجت تسأل الرسول عمّا أوصته من قبل، فأخبرها أن النهر عاد يجري بالماء بوسط الحصن ، وقد عملوا له قناة لبركة كبيرة مغطاة بسعف النخيل، أما عدد الجند من الفرس فقدرهم الرسول بمئتين، معهم عشرة أفراس وأكثر من ثلاثين جملاً ولم يكن بالحصن من العرب أحد.
وقد مر الرسول بالسوق فقيل له أن شاه رستم اشترى كل التمر من السوق لإرساله لحصون الفرس على ساحل عبدالقيس.

بعد إن استمعت لما قاله الرسول، كلمت أبي ومن معه قائلة

-على ماذا عزمتم؟

رد عليها غير واحد، وكانوا كلهم على رأي الصلح، فقالت

-يا بني عمّي، هؤلاء يريدون الخديعة، وعلى أي شيء يصالحكم شاه رستم وهو لديه الحصن والجند والماء والسوق، وما أنتم معه غير رعاة شياة وإبل.

فقام لها السّامي الذي أخذت إبله مع إبلنا وقد كره مقالتها، قال

-أنت تسببتِ في هذا يا بنت أبي الطيب، والآن تريدين أن تفسدي علينا صلحنا مع شاه رستم، دعي هذا الأمر للرجال وعودي لشويهاتك.
-منذ متى والفرس تصالح العرب يا ابن عمي، ولئن ذهبت غداً لتأخذ إبلك فإنهم قاتلوك، ألم تسمع ما قاله الرسول من خزنهم للماء والتمر في الحصن وجمعه لأجنادهم، إنهم يريدون تأديبنا بعد أن تجرأنا عليهم، وما تغني عني شويهاتي يا ابن لؤي إن قتلوا قومي.

لكن الرجل غادر مغضباً وهو يقول "مات الرجال من بني سليم فتكلمت النساء"، فلمّا أدبر قالت وهي تنظر له " من كان يحبه فليلحق به ، فما أظنه إلا قاصداً حصن الفرس، وما أظنه إلا مقتولاً الليلة"، فلحق به رجل، ثم رجع عنه بعد أن عجز عن ردّه، فانتظرنا خبره يوم غد فلم يأتنا، فالتمسناه بعد غد فذكروا أنه دخل الحصن ولم يخرج، فعرفنا أنه قتل كما أخبرت.
 

`¤*«مُحمدْ البادِيْ»*-¤

¬°•| غَيثُ مِن الَعطاء ُ|•°¬
إنضم
22 أكتوبر 2011
المشاركات
5,968
الإقامة
إنْ وابلاً، فَطَلْ
مرحبا أخي حميد
أنا أرتجف شوقا لسماع تتمة القصة وعندي أشياء أريد أن أقولها
من وصف الشيخ جامع السلمي ومن حديثه، استششفت أن قصة المرأة السلمية كانت أحداثها في الجاهلية ولا سيما إذا علمنا أن الفرس أخرجهم عبد وجيفر ابنا الجلندي رحمهما الله تعالى من عمان

النقطة الأخرى التي أريد قولها أن مكيدة الفرس تلك بأن يستدعوا الرجال لأخذ أنعامهم من الحصن ثم يقتلوهم لم تكن جديدة عليهم فقد سبق أن طبقوها لتأديب بني تميم وذلك أن بني تميم أغاروا على قافلة للفرس فاستلبوها فعزم أحد الأكاسرة أن يؤدبهم ولا أذكر اسمه وأظنه كسرى أنوشروان وهذا خبرهم:

يوم الصفقة
سبب هذا اليوم أن كسرى أنوشروان كان يرسل قوافل تحمل العروض والميرة إلى عامله باليمن، وكان يتولى حراسة قوافله خفراء من ربيعة وتميم، فطمع هوذة بن علي الحنفي، سيد بني حنيفة باليمامة، في الجعل الذي يعطى للخفراء من بني تميم، فأخذه. فلما بلغ بني تميم صنيعه أغاروا على القافلة فانتهبوها وقتلوا خفراءها وأسروا هوذة بن علي، فافتدى نفسه بثلاثمئة بعير.
فلما بلغ كسرى مافعلته بنو تميم بعيره دبّر لهم مكيدة بالاتفاق مع هوذة فحبس عنهم الميرة في سنة مجدبة، ثم أقام لهم هوذة سوقاً بالمُشَقّر ليمتاروا منها وأرسل كسرى جيشاً من الأساورة يقوده المكعبر، عامل كسرى على البحرين، فلما قدم بنو تميم ليمتاروا، كانوا يدخلونهم حصن المشقّر رجلاً رجلاً، فيقتلونهم، حتى قتلوا منهم جمعاً كبيراً

ثم انتبهم أحد بني تميم أن من يدخل من قومه لا يخرج فقام فقطع السلسلة على الباب وانهالوا على الحصن ورأو المجزرة ويقول الخبر

وقد نظر خيبرى بن عبادة إلى قومه يدخلون ولا يخرجون، فقال: ويلكم! أين عقولكم؟ فوالله ما بعد السلب إلا القتل، وتناول سيفاً، وضرب سلسلة كانت على باب المشقر فقطعها وقطع يد رجل كان واقفاً بجانبها فانفتح الباب فإذا الناس يقتلون فثارت بنو تميم.

ولكن أنا معجب بقصة المرأة السلمية. وتعلم أخي أن في القصص الخرافية التي يتداولها العجائز وكبار السن فيها من الحقيقة ما قد ينير طريقنا إلى أن نرسم خارطة للوضع في الزمان القديم
وأما عن أصل القبائل فإن شئت فارجع إلى كتاب الأنساب للعلامة العوتبي فستجد من أخبار القبائل القديمة في عمان ما يثلج الصدر
 

راعي صوغة

:: إداري سابق ::
إنضم
21 يوليو 2008
المشاركات
5,784
الإقامة
قصر السور
اكمل اخي العزيز
ساعقب ف النهايه
 

ولد بن كعب

¬°•| صاحب العطاء|•°¬
إنضم
5 يوليو 2010
المشاركات
505
مازالت منازل بني سليم مجاوره لبني عمومتهم من بني كعب ابناء عامر بن صعصعه حتى هذا اليوم حيث جميعهم يلتقون في الجد هوازن .. وما اقصده هو مجاورة قبيلة بني وشاح ( الوشاحي ) السُلميه لبني كعب في شناص .. وعندنا منطقه جبليه أكبر جبالها يُطلق عليه جبل توام منذ قديم الزمان وهي تابعه لقبيلة بني كعب وجعل عليها الشيخ عبدالله بن سالم الله يرحمه نائبآ عنه وهو الشيخ احمد الهوم المياسي ..
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى